فأدرك حماد أنها شعرت مثل شعوره وترجح لديه أنها باحت بالسر ولم يلم إلا نفسه لأنه لم يوصها بكتمانه. فقال والدمع يتلألأ في عينيه دعيني أرى هندا قبل ذهابي وإن تكن باكية. وكانت هند قد استعدت للقائه فمسحت دموعها وحاولت إخفاء ما بها وخرجت إلى حماد وهي تتجلد ومدت يدها وتجلد هو أيضا فودعها مبتسما وتحت ابتسامه غيظ يكاد يميزه ثم ودع سعدى وخرج فلقي عبد الله في الحديقة ينتظر قدومه فركبا وحماد يلتفت وراءه يودع القصر وأهله وهو غارق في لجج الهواجس فسارا مدة صامتين لا يفوه أحدهما بكلمة وكل منهما يفكر في أمر وحماد يراجع في ذهنه حوادث ذينك اليومين ويتحرق ندما لما باح به من أمر نسبه وشعر بخطائه نحو عبد الله لأنه لم يطعه في كتمانه فظل صامتا يتردد بين الخجل والفشل.
أما عبد الله فلم يبق عنده شك بتغير جبلة وفساد ما بنوه وضياع ما أملوه ولكنه لم يذكر ذلك لحماد رفقا بعواطفه وعول على أن تثنيه عن عزمه فيما بعد.
الفصل الثالث والسبعون
إن الله مع الصابرين
فلما دنوا من الدير قال عبد الله: «أترى يا سيدي أن نقيم في الدير أو نذهب إلى بصرى».
قال: «لك الأمر ولكنني أرى بصرى أفضل لنا بعد ما سمعناه من حملة العرب الحجازيين».
قال: «الأمر إليك» وعرجوا نحو الدير باتوا فيه تلك الليلة على أهبة الانتقال إلى بصرى ولم ينم حماد إلا قليلا لكثرة ما تراكم عليه من الهواجس.
فلما أصبحوا أخذوا يستعدون للركوب فذهب عبد الله لوداع الراهب وظل حماد وحده يشتغل في بعض المهام وكان الوقت ضحى وفيما هو ينظر إلى خارج الغرفة رأى امرأة تنظر إليه فعرفها أنها الجارية التي رافقت هندا إلى الصومعة يوم التقى بها المرة الأولى هناك فبغت لرؤيتها وهرول إليها.
فقالت له: «أتعرف بائع الحلي؟»
فقال: «نعم وصلت».
অজানা পৃষ্ঠা