قال: «لا أدري مقدار طولها ولكنني أظنها طويلة».
قال: «نسير إذا في خدمتك».
قال: «لا أرى حاجة إلى ذلك والأولى أن تبقيا في بصرى ريثما أعود أو أبعث إليكما. أما سعدى وهند وسائر أهل القصر فيسيرون معي خوفا عليهم من غائلة العدو وهم في هذا الخلاء».
فلما سمعت هند ذلك خفق قلبها وكادت الدموع تتناثر من عينيها وقد أدركت بأن والدها يضمر السوء لحماد.
أما حماد فلم يكن أقل وجلا وهو لا يعلم ما في نفس عمه وظنه لم يعلم بحقيقة نسبه ولا حدث ما يوجب نفوره ولكنه استعظم فراق هند بعد أن كاد يظفر بها على أثر ما قاساه من المشقة والبلاء في سبيلها.
أما عبد الله فأدرك أن في الأمر شيئا جديدا أوجب هذا التباعد ولولا ذلك لم يكن ثمة ما يمنع مسيرهم معه حيثما سار فخامره شك في كتمان حماد فنظر إليه بطرف خفي ففهم حماد مراده فانتبه أنه أخطأ باطلاع هند على ذلك السر.
وشاركتهم في ذلك الإحساس سعدى لأنها أعلم الناس بأخلاق زوجها فقالت له: «إلا ترى أن نسير جميعا معا وما الفائدة من بقاء حماد هنا».
قال: «بل أرى بقاءه هنا وسأخبرك عما يمنع ذهابه معنا». قال ذلك وفي كلامه غنة الجفاء فسكتت وسكت الجميع.
ثم آن الغداء فتغدوا والسكوت سائد عليهم جميعا فلما نهضوا أمر جبلة أن تعد الركائب لمسير زوجته وابنته معه في ذلك اليوم فشق ذلك على عبد الله ونفر من جبلة لما اتفق له معه في المقابلة الأولى. وعول على تحويل عزم حماد عن هند كأنه لم يدر بما في قلبه من لواعج الغرام وقد فاته أن الحب يتعاظم بنسبة ما يعترضه من العقبات.
فاستشار عبد الله حمادا في الانصراف فأجابه إليه رغما عنه ووقفا فتقدم حماد إلى عمه وودعه وهو يكاد يشرق بدموعه وودعه عبد الله. وسار حماد إلى سعدى وهند يودعهما وكانتا قد خلتا وهند تبكي وتنتحب ووالدتها تخفف عنها وتلتمس الأعذار لما ظهر من جفاء والدها فلما سمعت وقع أقدام حماد خرجت هي فودعته واعتذرت عن هند أنها تشكو من صداع ألم بها حتى أبكاها.
অজানা পৃষ্ঠা