كشف السر
فلما استتب بهم الجلوس التفت عبد الله إلى الراهب وقال: «اعلم يا مولاي إننا الآن في بيت الله وقد اجتمعنا فيه لعمل مقدس فلا يعلم بما سيدور بيننا إلا الله وحده وسأقص عليكم حكاية أوتمنت عليها منذ بضع وعشرين سنة فأرجو أن تصغوا إلي حتى آتي على آخرها ومتى فرغت منها ألتمس منكم كتمانها عن أهل الأرض كافة فهل تعاهدونني على ذلك».
قال الراهب: «نعم يا ولدي إن سرك لن يتجاوز جدران هذه الصومعة».
قال: «ألتمس من قدسكم أن تتلو علينا الصلاة الربانية قبل الشروع في الكلام وليقسم كل منا بكتمان هذا السر عن البشر كافة».
فتلا الراهب «أبانا الذي في السموات.. إلخ» وأقسم كل منهم بالصليب والمعمودية بكتمان ما سيتلى عليهم.
ولما تم القسم نظروا إلى عبد الله فإذا به يتأدب في قعوده كأنه في مجلس رهيب وقد امتقع لونه فهابوا منظره. ومما زادهم هيبة ضئالة الأنوار واختلاؤهم في ذلك المكان فنظر عبد الله إلى حماد ووجه الخطاب إليه قائلا:
تعلم يا ولدي إن العرب يرجعون في أنسابهم إلى أصلين كبيرين هما قحطان وإسماعيل ومن نسل قحطان عمرت اليمن وما جاورها ومن نسل إسماعيل عمرت الحجاز وما جورها ويسمى نسل إسماعيل الإسماعيلية أو العدنانية نسبة إلى جد من أجدادهم بعد إسماعيل اسمه عدنان ويسمى بنو قحطان القحطانية.
وقد قامت من القحطانية دول ملكت الخافقين منهم التبابعة المشهورين وغيرهم من دول حمير وسبأ. ومن مملكة سبا خرجت ملكة سبأ التي ذكرت التوراة إنها زارت الملك سليمان وما زالت اليمن عامرة آهلة حتى حدث سيل العرم فتفرق أهلها ايدى سبا. أتعرفون ما هو سيل العرم.
قال حماد: «لا يا أبتاه لا أعرفه».
قال عبد الله: «اعلم يا ولدي أن اليمن وسائر جزيرة العرب أرض ثقل فيها الأنهر والينابيع واعتماد الناس في ري مغارسهم إنما هو على مياه المطر فإنها تجتمع في مجاري الأودية وتسيل كالأنهر فإذا انقضى الشتاء جف معظمها فملافاة لذلك كانوا يجعلون في عرض الأودية سدودا من حجر تعترض مسير الماء فيجتمع ويرتفع حتى يسقي أعالي الأرض.
অজানা পৃষ্ঠা