فخفق قلب حماد كمن أخفق مسعاه ووقف وقد امتقع لونه وقال: «ما هذه الأحاديث يا سلمان فإني أراني في حلم أتظن آمالنا ومساعينا قد ذهبت عبثا وهل ترضى هند بابن عمها ثعلبة.» قال ذلك والدمع يكاد يتناثر من عينيه.
فإتقدت الشهامة والغيرة في قلب سلمان وهم بحماد فضمه إلى صدره وقال له: «خسئ النذل أن هندا أرفع من أن تدنس قلبها بمحبته وأنت اعلم مني بأنفتها وعزة نفسها وكرهها لثعلبة ويلوح لي أن البطء في جوابها ناتج عن تمنعها.»
فانتعش حماد لذلك الكلام ولكنه مازال خائفا من أن تؤخذ الفتاة قسرا فقال: «حاشا لقلب هند أن يحب ذلك الخائن ولكنني أخاف أن تحمل على القبول به مراعاة لعلاقة أبويهما لما بينهما من النسب وما يخشى من عواقب الرفض فقد يصعب على هند أن ترفض ما يريده أبواها.»
فقال سلمان: «لا يصعب عليها ذلك ووالدتها نصيرة لها فقد آنست من هذه المرأة يوم قابلتها وأنا في زي الراهب ما دلني على دهائها وقوة جنانها فهي إذا أرادت تحويل زوجها عن أمر لا يصعب عليها.»
قال حماد: «ومن ينبئنا ببقائها على ذلك ونحن لم نر من حديثها في ذلك اليوم ما يدل على إخلاصها لنا وزد على ما تقدم أن مجاراة جبلة في رفض ثعلبة لا يضمن لنا رضاءه بسواه.» (يريد نفسه).
فأدرك سلمان وعورة المسلك ولكنه أظهر الاستخفاف به وقال: «دع ذلك إلي فإني ذاهب في صباح الغد لاستطلاع الخبر وتدبير الحيلة والله يفعل ما يشاء.»
فسكت حماد لا عن اقتناع ولكنه صبر نفسه ينتظر ما يأتي به القدر.
الفصل الثالث والثلاثون
وعند جهينة الخبر اليقين
وباتوا تلك الليلة وحماد لم ينم إلا قليلا لما تراكم عليه من الهواجس أما سلمان فقضى ليلته يفكر في سبيل يوصله إلى المراد فنهض في الصباح التالي وفي نيته الشخوص إلى صرح الغدير لاعتقاده أن الخبر اليقين عند هند فلبس ثياب الرهبان وركب جواده وسار حتى إذا أتى الصرح سأل عمن يقيم فيه فقيل له أن جبلة برحه منذ ايام بعد أن جاءه لزيارة. فتقدم إلى باب الحديقة فاستقبله بعض الخدم وسأله عن غرضه فقال انه جاء بمهمة من رئيس دير بحيراء إلى الأميرة سعدى وطلب مقابلتها فسألوها فأذنت بدخوله فلما خلت به عرفنه فسألته عن حماد فأنبأها بحاله وإنه جاء يستطلع ما تم من أمره فاستدعت هندا وكانت في غرفتها تفكر في حماد وهي لا تعلم مقره فلما سمعت بمجيء سلمان خفق قلبها وأسرعت إليه وأمارات البغتة تلوح على وجهها فلما رآها سلمان قام لها وسلم عليها وطمأنها عن حماد وسألها عن صحتها فطمأنته وكان سلمان في أثناء الحديث يراقب حركات سعدى لعله يلاحظ فيها ما كان يخافه من أخلاقها فآنس منها ما حقق آماله برضائها ولكنه ما زال قلقا لما عساه أن يكون من أمر ثعلبه وطلبه فجعلوا يتجاذبون أطراف الحديث وأكثره بين سلمان وسعدى فعلم سلمان ما كان من عدول جبلة عن ثعلبة ورضائه بحماد فسر سرورا لا مزيد عليه حتى رقص قلبه من الفرح وود لو أن له أجنحة ليطير بها إلى حماد يبشره بذلك.
অজানা পৃষ্ঠা