قالت: «لا أخفي عليك أني استعظمت الأمر عند سماعه لأول وهلة ولكنني تلقيته بالحكمة والصبر لأرى حيلة في تدبيره ولو علمت أنت حال هند كما علمتها أنا لفعلت مثل فعلي ولكن ما الفائدة من الكلام وقد نسيت حنوك وشفقتك فافعل ما تشاء وإذا ماتت هند فاللوم لاحق بك.» قالت ذلك وهي تنظر إليه والدموع ملء عينيها.
فلما شاهد ذلك منها سكن غضبه وصبر نفسه ونظر إليها بطرف يكاد يدمع وقال: «وما الحيلة التي ترينها والحال كما قلت.»
قالت: «إذا أذنت أن ننظر في الأمر بعين الحكمة دبرت لك حيلة ينصرف بها هذا المشكل على أهون سبيل وإلا فالأمر لك.»
فبهت وقال: «ما الرأي قولي.»
فجلست إلى جانبه وخاطبته باهتمام قائلة: «أما الرأي فهو أن نتظاهر بالرضاء عما أرادته هند ثم ندبر حيلة نتخلص بها من حماد لا يكون فيها ضغط على عواطفها.»
فقال: «وكيف ذلك.»
قالت: «سأخبرها غدا أن حمادا إذا طلبها منك لا تمنعه منها ثم أبين لها ترفع مثلها عن الاقتران برجل غريب لم يثبت لنا نسبه وهي لا تنكر ذلك ثم احبب إليها أن يعمل عملا نقترحه عليه يكون له فخر يغنيه عن النسب فإذا قبلت ولا أظنها إلا قابلة لعلمي بعزة نفسها اقترحنا على حماد أمرا يقرب من المستحيل فإذا استطاعه كان اقترانه بهند أمرا مقضيا من الله سبحانه وتعالى فلا مندوحة لنا عن القبول به.»
فارتاح جبلة إلى هذا الرأي وسألها عما تنوى اقتراحه فقالت: «سننظر فيه ونقر عليه ريثما يئين الوقت.»
فسر لتعقلها واثنى على ما أظهرته من الروية والحكمة فقالت له عند ذلك: «دعنى اذهب إلى هند وأطمئنها لئلا تقضي الليلة ساهرة فتعود إلى الضعف.» قالت ذلك وخرجت فرأت هندا في انتظارها على مثل الجمر.
أما هند فلما رأت والدتها قادمة نهضت لملاقاتها وهي تنظر إلى وجهها تتفاءل بما تقرأه عليه من آيات البشر فرأتها تبتسم فسكن بلبالها فاستطلعتها الخبر فطمأنتها وأكدت لها أن والدها لا يمانعها في ما تريده فلم تصدقها حتى أقسمت بحبها لها فانبسط وجهها ولم تتمالك عن الابتسام وكان سرور والدتها أكثر من سرورها ولكنها ما زالت تفكر في الحيلة ثم ودعت ابنتها وخرجت ولم تنم هند تلك الليلة من شدة الفرح.
অজানা পৃষ্ঠা