فاذًا قد انحل الشك، ولم يلزمنا انه. إذا لم يحدث هنالك تغير اعني في العلم القديم فليس يعلم الموجود في حين حدوثه على ما هو عليه، وإنما لزم الا يعلمه بعلم محدث الا بعلم قديم، لأن حدوث التغير في العلم عند تغير الموجود إنما هو شرط في العلم المعلول عن الموجود، وهو العلم المحدث.
فإذًا العلم القديم إنما يتعلق بالموجودات على صفة غير الصفة التي يتعلق بها العلم المحدث، لا انه غير متعلق أصلًا كما حكي عن الفلاسفة انهم يقولون لموضع هذا الشك انه سبحانه لا يعلم الجزئيات. وليس الأمر كما توهم عليهم، بل يرون انه لا يعلم الجزئيات بالعلم المحدث الذي من شرطه الحدوث بحدوثها، إذ كان علة لها لا معلولا عنها كالحال في العلم المحدث. وهذا هو غاية التنزيه الذي يجب أن يعترف به.
فانه قد اضطر البرهان إلى انه عالم بالأشياء لأن صدورها عنه إنما هو من جهه انه عالم، لا من جهة انه موجود فقط أو موجود بصفة كذا، بل من جهة انه عالم، كما قال تعالى: " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير " وقد اضطر البرهان إلى انه غير عالم بها بعلم هو على صفة العلم المحدت. فواجب أن يكون هنالك للموجودات علم آخر لا يكيف، وهو العلم القديم سبحانه. وكيف يمكن أن يتصور أن المشائين من الحكماء يرون أن العلم
1 / 76