Fasl al-Khitab fi al-Zuhd wa al-Raqa'iq wa al-Adab
فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب
জনগুলি
(ازهد) من الزهد بكسر أوله وقد يفتح، وهو لغة: الإعراض عن الشيء احتقارًا، وشرعًا الاقتصار على قدر الضرورة مما يتيقن حله. وقيل أن لا يطلب المفقود حتى يفقد الموجود
(في الدنيا) باستصغار جملتها واحتقار جميع شأنها لتحذير الله تعالى منها واحتقاره لها، فإنك إن فعلت ذلك
(يحبك الله) لكونك أعرضت عما أعرض عنه ولم ينظر إليه منذ خلقه. وفي إفهامه أنك إذا أحببتها أبغضك، فمحبته مع عدم محبتها ولأنه ﷾ يحب من أطاعه، ومحبته مع محبة الدنيا لا يجتمعان، وذلك لأن القلب بيت الرب فلا يحب أن يشرك في بيته غيره، ومحبتها الممنوعة هي إيثارها بنيل الشهوات لا لفعل الخير والتقرب بها، والمراد بمحبته غايتها من إرادة الثواب، فهي صفة ذاتية أو الإثابة فهي صفة فعلية (وازهد فيما عند الناس) منها
(يحبك الناس) لأن قلوبهم مجبولة على حبها مطبوعة عليها ومن نازع إنسانًا في محبوبه كرهه وقلاه، ومن لم يعارضه فيه أحبه واصطفاه ولهذا قال الحسن البصري لا يزال الرجل كريمًا على الناس حتى يطمع في دنياهم فيستخفون به ويكرهون حديثه. وقيل لبعض أهل البصرة: من سيدكم؟ قال الحسن، قال بم سادكم؟ قال: احتجنا لعلمه واستغنى عن دنيانا
ماأعظم هذه الوصية النبوية، وما أشد حاجتنا إلى فهمها، والعمل بمقتضاها، حتى ننال بذلك المحبة بجميع صورها.
﴿تنبيه﴾: الزهد سببًا للمحبة، فمن أحبه الله تعالى فهو في أعلى الدرجات؛ فينبغي أن يكون الزهد في الدنيا من أفضل المقامات، ومفهومه أيضًا أن من محب الدنيا متعرض لبغض الله تعالى.
أقوال السلف في الزهد:
ولما كان ﷺ هو الأسوة والقدوة، فقد سار على دربه الأفاضل، فعن على ﵁ أنه قال: طوبى للزاهدين في الدنيا والراغبين في الآخرة أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطًا، وترابها فراشًا، وماءها طيبًا، والكتاب شعارًا، والدعاء دثارًا، ورفضوا الدنيا رفضًا.
[*] وكتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه، أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله، والزهد في الدنيا، والرغبة فيما عند الله، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبتك فيما عنده، وأحبك الناس لتركك لهم دنياهم، والسلام.
[*] وقال أبو الدرداء حين تولى القضاء في الشام:
في خلافة عثمان، أصبح أبو الدرداء واليا للقضاء في الشام، فخطب بالناس يوما وقال: يا أهل الشام، أنتم الإخوان في الدين، والجيران في الدار، والأنصار على الأعداء، ولكن مالي أراكم لا تستحيون؟؟
1 / 143