في تلك الساعة أجمع سارية ومن معه على الاستناد إلى الجبل، ففعلوا وقاتلوا الفرس من وجه واحد فظفروا بهم وقتلوا منهم، واستولوا في المغانم على سفط فيه جواهر استوهبه سارية من الجند وبعث به وبالفتح إلى عمر، وبلغ رسول سارية المدينة، فألفى عمر يطعم الناس فأكل معهم فلما انصرف تبعه الرجل إلى داره، فظن عمر أنه لم يشبع فأدخله معه، وجيء بغذاء الخليفة، خبز وزيت وملح جريش، فنظر عمر إليه ونادى امرأته: ألا تخرجين يا هذه فتأكلين؟ فقالت: إني لأسمع حس رجل، فقال عمر: أجل! فقالت: لو أردت أن أبرز للرجال اشتريت لي غير هذه الكسوة! ورد عليها عمر: أوما ترضين أن يقال أم كلثوم بنت علي وامرأة عمر؟! وأجابته أم كلثوم من خدرها إجابة عتب بل سخط: ما أقل غناء ذلك عني! فالتفت عمر للرجل فقال: ادن فكل، فلو كانت راضية لكان غداؤنا أطيب مما ترى!
فرغ عمر من طعامه، فذكر له الرجل أنباء سارية فسري عنه، ثم ذكر له نبأ السفط وأن سارية استوهبه من المسلمين وجعله لأمير المؤمنين، فتجهم وصاح به؛ لا ولا كرامة، حتى تقدم على ذلك الجند فتقسمه بينهم؛ وفتح الباب يطرد الرجل من بيته واعتذر الرجل وذكر أنه أنضى بعيره، فأبدله عمر بعيرا من إبل الصدقة، وجعل بعيره مكانه، ورجع الرجل مغضوبا عليه محروما.
هذه رواية الطبري ومن أخذ عنه في فتح فسا ودرابجرد، وهي الرواية المشهورة فإن تكن هي الصحيحة فمن حقك أن تسأل: أثم صلة بين صيحة عمر يا سارية الجبل، وبين استناد سارية وأصحابه إلى الجبل في تلك اللحظة؟ أم هي مصادفة بحتة، فعمر في شغله بشئون المسلمين الذين يقاتلون في فارس قد رأى في نومه ما رأى، وسارية في موقفه الحربي، قد استند بجنده إلى الجبل؟ تجرى رواية بأن أهل المدينة سألوا رسول سارية إذ كان بين أظهرهم: هل سمعوا بفارس شيئا يوم الوقعة، فقال: نعم! سمعنا: «يا سارية الجبل الجبل.» وقد كدنا نهلك: فلجأنا إليه ففتح الله علينا، ولا أراني أجد تفسيرا علميا يقنعني بهذه الرواية، فالوحي قد انتهى بوفاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، والإذاعة اللاسلكية لم تكن معروفة، بل لم تكن تجري في خيال أحد ذلك العهد، ولست أستطيع أن أقطع بأن الأمر جاء من طريق انتقال الأفكار، وأن نفحة من روح عمر تسلطت على نفس سارية، فكان ينفذ أمر الخليفة كما ينفذ النائم في التنويم المغناطيسي أمر منومه، ومع ذلك فهذا التأويل الأخير، على تعذر تصوره، أدنى إلى تفسير هذه الرواية إن صحت، وفي هذه الحالة يكون سارية، إذ أمر أصحابه أن يستندوا إلى الجبل، قد ذكر لهم أنه سمع هذا الأمر في صوت من السماء.
بينما كانت جنود ابن أبي العاص تسير في إقليم فارس كان سهيل بن عدي يغزو كرمان، وكان الحكم بن عمرو التغلبي يغزو مكران، ولم يثبت أهل كرمان للمسلمين ففتحوا بلادهم وغنموا منهم من الإبل والشاء ما شاء الله أن يغنموا
6
أما أهل مكران فتحصنوا بنهر مكران، ودارت بينهم وبين غزاتهم معركة عظيمة انتهت بظفر المسلمين الذين أمعنوا في عدوهم قتلا ثم اتبعوهم يقتلونهم أياما حتى انتهوا إلى النهر، ثم رجعوا فأقاموا بمكران، وكتب الحكم إلى عمر بالفتح، وبعث إليه بالأخماس وفيها فيلة مع صحار العبدي،
7
فأمر عمر ببيع الفيلة وقسم أثمانها على الفاتحين.
كان يزدجرد بكرمان حين سار المسلمون إليها يفتحونها، فلما رآها لا تقاوم أكثر مما قاوم غيرها، فر منها إلى خراسان وأكبر رجائه أن يثبت أهلها وأهل سجستان للمسلمين، وإنما بعث إلى نفسه هذا الرجاء أن خراسان وسجستان كان بينهما وبين البصرة والكوفة وغيرهما من مسالح المسلمين آماد غير قليلة؛ فليس إرسال الجنود لغزوهما يسيرا كإرسالها إلى العراق العجمي، أو إلى فارس وكرمان.
অজানা পৃষ্ঠা