139

سار ابن عتبان في جنده، فلقيه جيش عظيم من الفرس بظاهر أصبهان، ولم يمهله أمير

1

هذا الجيش أن أنشب القتال معه، واشتد القتال وحمي وطيسه وكان على مقدمة الفرس شيخ كبير هو شهريار بن جاذويه،

2

وكان من أبطال الفرس المعدودين ومن المبارزين الذين لا يثبت لهم في الميدان خصم، وقد رأى المعركة تترجح ورأى القتلى من الفرس يكثرون كثرة خشي أن تدخل الضعف إلى نفوس سائرهم، فبرز إلى الصف الأول ودعا من جنود المسلمين من ينازله، وبرز له عبد الله بن ورقاء الرياحي فصاوله فقتله.

ورأى الفرس فارسهم المعلم صريعا فاضطربوا، ثم جلوا عن هذا الرستاق فنزله المسلمون وسموه لذلك رستاق الشيخ، وتراجع الفرس إلى جي، يحتمون بأسوار أصبهان، على حين أقام المسلمون في خطوطهم الجديدة ينظمون خطتهم لمهاجمة المدينة العظيمة الحصينة.

عرف يزدجرد ما أصاب الفرس برستاق الشيخ، ففر من أصبهان ناجيا إلى كرمان، وتقدم عبد الله بن عبد الله بن عتبان إلى جي فحاصر أصبهان فتحصن جندها بقلاعها وجعلوا يزاحفون المسلمين ويقاتلونهم ثم يعودون إلى حصونهم، فلما طال ذلك بهم وضاقوا به خرجوا يريدونها موقعة حاسمة، واصطف الجيشان للقتال وكان موشكا أن يبدأ غير أن الفاذوستان

3

أمير أصبهان بعث إلى عبد الله بن عتبان يقول له: لا تقتل أصحابي ولا أقتل أصحابك، ولكن ابرز لي، فإن قتلتك رجع أصحابك، وإن قتلتني سالمك أصحابي، وإن كان أصحابي لا تقع لهم نشابة، وتصاول الرجلان زمنا، ثم قال الفاذوستان لعبد الله: «ما أحب أن أقاتلك فإني قد رأيتك رجلا كاملا، ولكن ارجع معك إلى عسكرك فأصالحك وأدفع المدينة إليك على أن من شاء أقام ودفع الجزية وأقام على ماله، وعلى أن تجري من أخذتم أرضه عنوة مجراهم ويرجعون، ومن أبى أن يدخل فيما دخلنا فيه ذهب حيث شاء ولكم أرضه.» وأقر عبد الله هذا الصلح، ودخل أهل أصبهان في الذمة إلا ثلاثين رجلا خالفوا قومهم ولحقوا بكرمان في حاشيتهم.

بينا يقاتل المسلمون ليفتحوا أصبهان كانت بلاد الشمال الواقعة جنوب بحر قزوين تجتمع إلى إسفنديار الرازي أخي رستم الذي هزم وقتل بالقادسية، تعد العدة معه لدفع المسلمين عن الري، وعرف أهل همذان اجتماعهم فتشجعوا ونقضوا الصلح الذي عقدوه مع المسلمين بعد نهاوند، وبلغت عمر أنباء الانتقاض في همذان، فأمر نعيم بن مقرن أن يطير إليها وأن يدخلها عنوة عقابا لأهلها حتى لا يعودوا لمثل فعلتهم، ولكي يعتبر غيرهم بهم فلا يجرؤ قوم من بعدها على نقض عهدهم مع المسلمين، وسمع أهل همذان اسم نعيم وعرفوا سيره إليهم، فذكروا نهاوند وذكروا الفيرزان ومصيره بثنية العسل فسقط في أيديهم وتولاهم الرعب، وأيقنوا أنهم محصورون مقهورون لا محالة، وزاد بهم الجزع حين ترامى إليهم استيلاء نعيم على ما حول همذان من البلاد، ولم يبق لديهم ريب فيما قدر لهم من سوء المصير، فلما انتهى نعيم إليهم وحاصر مدينتهم بعثوا إليه يطلبون الصلح وهم في ريب من قبوله ما طلبوا، وكيف يطمئن إليهم وقد نكثوا من قبل عهدهم؟ وما كان أشد اغتباطهم حين رأوه يقبل منهم الجزية على أن تقيم بهمذان قوة من المسلمين يذكر وجودها أهل المدينة بالعهد ويقبض أميرها منهم الجزية ، ترى أقبل نعيم منهم ولم يفتض مدينتهم ضنا بأرواح رجاله أن يصاب منهم أحد؟ أم ترامت إليه أنباء إسفنديار والذين اجتمعوا إليه فآثر أن يحتفظ بقوته كاملة يواجه بها هذه الجموع المتزايدة تريد مهاجمته طمعا في أن تدفعه عن الري، وأن تجليه عن همذان، وأن تسترد ما كسبه هو وما كسبه أخوه النعمان من قبل؟

অজানা পৃষ্ঠা