فهو يعلم أن التخفف من غنبازه الأسود يقلل كثيرا من مهابة كهنوته في عيون أبناء رعيته، وقد يفقده الكثير من اعتبار صغر كرشه؛ ولذلك كان يأكل حتى يمتلئ.
لم يتوكأ خوري الرعية في ذلك العمر على العصا السنديانية كأمثاله من الكهنة القدامى، ولم يتخذها مقمصة بالفضة للفخامة والفخفخة، ومع أنه كاهن تقي مشهور بالإيمان والطاعة الأعميين، كان ينتقد السادة الأساقفة وعصيهم ذات القبضات الفضية أو الذهبية على آذان الناس بلا تحفظ، كان يؤاخذ الكهنة الفتيان على ظهورهم في بيوتهم بقمصان النوم، قبل أن استعيض عنها بالبيجامات ... فكانت الضلالة الأخيرة شرا من الأولى. كانوا إذا ظهرت سراويلهم المقصور فهناك المصيبة الكبرى، وقد قام على عهده أحد الأساقفة المتربين في رومية بزيارة الضيعة زيارة رعائية وتمشى فيها، ثم ظهر في السهرة بالبيجاما، فتعالى نقد الخوري له ولومه إياه، وقال كلمته المشهورة: قريبا لا يجد الموارنة كاهنا منهم إلا نادرا، وسيكون كل شهر عندهم اثنين الراهب
4 ...
وتذكر الخوري انتهاك العسكر حرمة قريته بدعوى الخوري مسرح على فارس آغا، ودعوى فارس آغا على قرياقوس، فقال يحدث نفسه: ثلاثتهم أشرار كاذبون، منافقون معتدون، ولكن قرياقوس كما قيل، ما كان معتديا هذه المرة، أما خوري مسرح فهو قط شر، يخلق الدعوى من غيمة، وإذا لم يجدها فتش عنها بالفتيلة والسراج. الآغا حباب فلوس لا يعنيه إلا أن يقبض، سواء كان ذلك بحق أو بغير حق. يتعلق بالناس مثل العليقة، ويفتح جيوبهم مرة باسم الحق العام، ومرات بالتهويل والتخويف باسم السلطان.
ثم رفع عينيه إلى فوق، وقال: ما العمل يا ربي؟ ألا تطالبني غدا، يا الله، يوم الدين؟ ساعدني إذن الآن على هؤلاء الشياطين الثلاثة، حتى أطردهم فيكف شرهم عن رعيتي؛ فهذا الثالوث الشيطاني: الخوري مسرح، وفارس آغا، وقرياقوس ضاهر، كل واحد منهم، لا يستريح ولا يدع الضيعة تستريح.
كان الخوري القديم يظن أنه مسئول عن نفوس الرعية، وأن ربه سيطالبه بها يوم الدين، وهلاك نفس واحدة من خرافه يؤدي حتما إلى هلاكه وتعذيبه المؤبد في نار جهنم التي لا تطفأ ... وإذا لم يقاوم الشر بيده وفكره ولسانه يكون مقصرا ويدان دينونة عسيرة، فهو مسئول حتى عن الجنين الذي سقط طرحا ومات بدون نعمة العماد،
5
حينما كان العسكر يحقق في دعوى الخوري مسرح.
ثم عاد الخوري إلى نجواه، فقال: لم يكتف ذاك الخوري بضابطية جبيل، بل شكا إلى الباشا، فأرسل الباشا فرقة عسكرية إلى ضيعة صغيرة مثل عين كفاع.
أوف، نعم إنها صغيرة ولكن شيطانها كبير، والرؤساء والرعاة أصل كل هذه الشرور. نحن نستطيع أن نصالح المتقاتلين إذا لم يكن وراء أحدهم صاحب نفوذ ديني أو دنيوي: بطرك، أو مطران، أو وكيل بطريركي، أو مدير، أو قائمقام، أو عضو مجلس إدارة. واستراح هنيهة ليفكر بالمصير، وعاد يقول: حاولت جهدي أن أفض هذه المشكلة ولكنني لم أقدر، والسبب أن الخوري مسرح حمل توصية من المطران بو نجم والآغا أخذ وساطة من ابن عمه الآخر المقرب من البطريرك؛ وهكذا ضاعت الحكومة ولم تدر من تصدق، وراح الخوري والآغا زق حصير.
অজানা পৃষ্ঠা