وأفقده لذيذ ذلك الخفض، فانتقضت عادته، وغلظت محنته، وقتل أحد ابنيه الآخر، وكانا أول أولاده. فلما طال حزنه وبكاؤه، واتصل استغفاره ودعاؤه، رحم الله تذلله وخشوعه، واستكانته ودموعه، فتاب عليه وهداه وكشف ما به ونجاه فكان آدم صلى الله عليه وسلم أول من دعا فأجيب، وامتحن فأثيب، وخرج من ضيق وكرب، إلى سعة ورحب، وسكن همومه، ونسي غمومه، وأيقن بتجديد الله تعالى له النعم، وإزالته عنه النقم، وانه تعالى إذا استرحم رحم، فأبدله الله تعالى هذا بتلك الشدائد، وعوضه بدل الابن المفقود والابن العاق الموجود نبي الله شيثا عليه السلام وهو أول أولاده البررة بالوالدين، ووالد النبيين والصالحين، وأبو الملوك الجبارين وجعل ذريته هم الباقين وخصهم من النعم بما لا يحيط به وصف الواصفين وقد جاء في القرآن من الشرح لهذه الجملة والبيان، مالا يحتمل ذكره هذا المكان، وقد روى فيه من الاخبار، مالا وجه للإطالة به والاكثار.
ثم نوح عليه السلام فإنه امتحن بخلاف قومه عليه، وعصيان ابنه له، والطوفان العام، وركوب السفينة وهي تجرى بهم في موج كالجبال، واعتصام ابنه بالجبل وتأخره عن الركوب معه. فقاسى نوح بذلك الشدائد، فأعقبه الله تعالى الخلاص من تلك الأهوال بالتمكين له في الأرض، وبغيض الطوفان وجعله شبه آدم عليه الصلاة والسلام، لأنه أنشأ منه ثانيا جميع البشر كما أنشأهم أولا من آدم فلا ولد لآدم إلا من نوح عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون، ونجيناه وأهله من الكرب العظيم * وجعلنا ذريته هم الباقين، وتركنا عليه في الآخرين (1). (ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له ونجيناه وأهله من الكرب العظيم (2) ثم إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وما وقع له من كسر الأصنام، وما لحقه من قومه من محاولة احراقه، فجعل الله النار عليه بردا وسلاما.
পৃষ্ঠা ১২