ফারাহ আনতুন: তার জীবন, সাহিত্য ও তার রচনাবলীর নির্বাচিত অংশ
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
জনগুলি
فالتفت كليم وسليم إلى جهة الشرق وكانت أمامهما، فأبصرا الزهرة في طرف المشرق من وراء الجبال تتهادى بجمالها الفتان ونورها الباهر، تتيه به على جميع النجوم الزواهر التي كانت تزين حينئذ قبة الفلك الدائر، فصاح كليم وسليم لدى هذا المنظر الفخيم: تبارك الخالق! تبارك الخالق! أما جرجس فإنه رفع يديه نحو رفيقته في أسفاره وقال: هلك
يوما مبارك. فنسي لفرحه أن هذا الكلام يقال للهلال حين ظهوره في أول الشهر لا لنجم الصباح، ولكن ما الذي يمنع جرجس أن يقول لرفيقته المحبوبة ما يقال للهلال عادة؟! هل هو أفضل منها؟
كلا؛ لأنها تهدي في آخر الليل كما يهدي الهلال في أوله، وإذا كان لأحدهما مزية على الآخر؛ فالمزية للنجمة الجميلة؛ ذلك لأن صحبة الهلال تنتهي بالاستياء منه لأفوله، ويبقى المسافر حزينا بعده لما يجده من الوحشة. أما صحبة الزهرة فتنتهي بالسرور؛ لأنها رسول الصباح ومقدمة النور . وكل الذين عانوا مشاق السفر في الظلام في ليالي البرد والمطر والريح وأخطار الطريق يعرفون قدر الزهرة متى طلعت تبشر بدنو الشمس التي تنعش وتدفئ، والنهار الذي يبعد الأخطار، فهي عندهم رسول الأمل وابتسامة الطمأنينة، وعهد من الخالق على نفسه ألا يجعل ظلام الليل ظلاما أبديا.
فهي إذا عندهم حاجة وضرورة لا مسرة يلهى بها وتفرج النفس بمشاهدتها؛ ولذلك كانت حياتهم ومعيشتهم مرتبطة بحياتها. وهذا هو السبب في أنه بينما كان سليم وكليم يخاطبانها بقولهما: يا إلهة الجمال التي عبدها الأقدمون، يا عروس كواكب السماء، يا مضيعة ابن رشد، كان المكاري جرجس ينظر إلى دليلته السماوية نظر المرءوس إلى رئيس له تربطه به مصالح ومنافع متبادلة، لا لمجرد الاستحسان فقط. ولو مثلت الزهرة حينئذ فتاة كما كان يمثلها المتقدمون؛ لشوهدت تبتسم للمكاري جرجس وتهتم به أشد من اهتمامها برفيقيه الحضريين الظريفين. (2) كلام عن الدير أمام الدير
وبعد برهة أخذت ذرات الفجر تنتشر في الفضاء، وصارت نجوم السماء تبهت خجلا من سلطانة النهار القادمة على هودجها الناري ببهائها العادي. وقد طلعت الشمس لأصحابنا الثلاثة عند قرية كسبا حين دخولهم بين الجبلين في الطريق المؤدية إلى أعالي لبنان. وإن من لم تطلع عليه الشمس في ذلك المكان، بعد السير أربع ساعات في ظلمة الليل، لا يدرك اللذة التي شعر بها سليم وكليم حين استقبالهما تلك الطريق الصاعدة، فقد كان عن يمينهما جبل عال يمران بجانبه، وعن يسارهما جبل آخر عال بعيد عنهما، وعلى قمة هذا الجبل الشمالي بناء حوله أشجار باسقة، ولكنها تظهر صغيرة لبعد المسافة والبناء بينها، كأنه عش طائر بني هناك في مأمن من الزوابع والعواصف.
وفي الحقيقة إنه كان عشا بني للأمن من العواصف، ولكنه عش إنساني بناه البشر الذين يحبون الانفراد عن معارك الاجتماع وعواصفه، وهو الدير المعروف بدير حنطورة، وعلى موازاة الطريق إلى اليسار تحت الدير يسمع الراكب هديرا شديدا ناشئا عن مرور نهر أبي علي في واديه المقدس منحدرا إلى طرابلس، وكلما صعد الراكب بين ذينك الجبلين على ألحان النهر بين نسمات الصباح التي تداعب وجهه باردة أكثر من هواء السهل، يشعر أن جبل لبنان الحقيقي إنما يبتدئ من ها هنا، وحينئذ يخطر في باله أن سكان هذا القسم من الجبل كانوا في كل الأزمنة والعصور قذى في عيون الفاتحين، فإن جبالهم كانت تحميهم أكثر من كل الحصون والمدافع؛ ولذلك كانت تلك الأرض عبارة عن حرم الحرية المقدس.
نعم إن هذا الحرم قد فتح مرارا ولطخ مرارا، ولكن الغلبة كانت دائما للمدافعين عنه؛ ذلك أن الطبيعة نفسها كانت تحارب معهم بين صفوفهم، ورب مائة رجل من أهله فقط لقوا بين تلك الآكام والوهاد عشرة آلاف جندي بمدافعهم دون أن يتركوا لهم سبيلا إليهم. فثارت عواطف سليم وكليم وتصوراتهما لدى هذه الأفكار وهذه المناظر الجميلة، فأحسا أنهما صاعدان إلى عالم آخر غير هذا العالم، ويظهر أن نفسهما قد خفت حينئذ ونشطت عما كانت فيه أولا، فنزلا عن جواديهما ليتلذذا بالسير على أقدامهما فوق تلك الأرض الجديدة. وكان سرورهما بالمشي في تلك الساعة على تلك الأرض المؤدية إلى الأماكن، التي تنطح السحب ويعممها الضباب دائما، يعادل سرور الأولاد حين انصرافهم من المدرسة إلى نزهة خصوصية.
وبعد ربع ساعة كثرت العقبات في الطريق، فعاد كليم وسليم إلى جواديهما، فنبههما جرجس أن ينحرفا على ظهر الجواد قليلا إلى أمام في عقبة الصعود، وينحرفا قليلا إلى وراء في عقبة النزول، فضحك سليم وقال: هذا درس في طريقة الركوب في العقبات. ثم أخذ الرفيقان يتحادثان لقطع الوقت، بعد أن وجدا في المشي شيئا من الراحة. ولا عجب، فكما أن السكون بعد الحركة فيه راحة، كذلك الحركة بعد السكون.
فقال سليم: ما رأيك أيها الصديق في الإقامة طول العمر في هذا الدير الجميل الذي شاهدناه؟ هل تعرف مكانا أجمل من هذا المكان للراحة والسعادة؟
فقال كليم: سؤالك هذا يذكرني سؤالا آخر: يقول كتاب العرب أن الحواريين (الرسل) سألوا المسيح: من أفضل منا؟ إذا شئنا أطعمتنا وسقيتنا، فأجاب : أفضل منكم من يأكل من كسب يده؛ فالأفضل والأجمل من الإقامة في هذا الدير الدخول في العالم، والأكل من كسب اليد؛ لأن خبز الإحسان خبز دنيء، كما قال روسو.
অজানা পৃষ্ঠা