ফারাহ আনতুন: তার জীবন, সাহিত্য ও তার রচনাবলীর নির্বাচিত অংশ
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
জনগুলি
فلعل هذا سبب تعبي بعد ثلث قرن، وعدم تعبك أنت مع أنك ابن مئات قرون.
أنت لا تركض وراء شيء، ولا تطمع في شيء، مياهك تجري من حيث لا تدري إلى حيث لا تدري، مندفعة بقوة الصواعق وأصوات الرعود، وهي لا تبالي بمصيرها ولا بما يصيبها أو تصيبه في طريقها، فلا غرض لك ولا غاية، وأما أنا فمع أن لا غرض لي ولا غاية أريد بالرغم من الطبيعة (أمنا جميعا) إيجاد غرض لي وغاية ... وهذا هو التعب العظيم. فهل أنا طالب مستحيل؟ أم غايتي لا تدرك إلا بعد عناء طويل؟
صعدت الجبال أطلبها، وهبطت الأودية أخطبها، واستوقفت في الأحراج نسيم المساء أسأله عنها، وناجيت أجرام السماء وسكان المدن والقرى أستخبرهم خبرها، فوجدتهم جميعا لا يعلمون، والآلهة الذين يعلمون ذهبوا فلا يعودون.
أنت عاصرتهم منذ ألوف من السنين، فأخبرني هل أسروا إليك خبرا؟ وهل تعلم شيئا مما سيجري ومما جرى؟
لما كان كهنة المصريين يحيطون هياكلهم بالأسرار، ويسجدون فيها للأبقار، وموسى يقود شعبه في التيه، وإسكندر يفتح المشرق والمغرب، ويسوع يحمل على مبادئ الكهنة المادية حملته المشهورة التي كوتهم في جباههم بنار أبدية، ومحمد يدعو إلى السيف أو القرآن، وبوذة وكونفوشيوس وبرهما يجتذبون إليهم أكثر من ثلثي بني الإنسان، ونابوليون يقتحم أوروبا التي اتحدت عليه ليدوسها بسنابك خيله، والعلم والفلسفة بين كونت، وقنت، وسبينوزا، وشوبنهور، وهجل، وسبنسر، ونيتشه، وروسو، وديكارت، وفولتير، وباكون وداروين يضطربان، ورينان يبتسم لأقوال الجميع ويقول بلغته البديعة: «لكل مسألة وجهان.» لما كان كل ذلك أيها الشلال كنت تجري كما تجري الآن، ومعاصرا لهؤلاء الأعاظم من بني الإنسان، فقل لي هل بلغك أن أحدهم وجد تلك الغاية المنشودة واليتيمة المفقودة؟ وهل أسر أحد منهم إليك شيئا من تلك الأسرار الهائلة التي لا يبوح بها الإنسان لأحد غير نفسه؟ حدثني لأحدثك يا جد الأرض وشيخها الأعظم، وقل لي ما علمت لأقول لك ما أعلم.
ولكن مهلا ولا تصغ إلي، فليس ما أعلم بذي شأن، وتكلم أنت أولا؛ فللجبابرة حق التقدم على الأقزام. أف، ما أحقر الإنسان وأصغره لديك! وما أقبحه لدى جمالك! لقد جلست بجانبك ساعة أنظر إلى نفسي وإلى مياهك الفضية، فهممت أن ألقي بنفسي فيك لأكون جزءا منك، لاصقا بك إلى الأبد لا أنفصل عنك، ولكن أنى لي ذلك؟ تكلم أولا يا شيخنا الناطق الصامت، فما لدي شيء تافه ساقط.
وماذا عسى أن يقول لك ابن ثلث قرن يا ابن مئات قرون؟ وماذا تستفيد من معاصر الصغار يا معاصر الكبار؟ اسمع أيها الشيخ، أتعطيني كل ما في صخورك من الجماد الذي لا يحس وتصوغ لي منه أجمد نفس؟ إذا تمكنت من ذلك قلت لك قولا هائلا يستحق أن يصغى إليه ... وإلا فلا تسلني إلا ما أقدر عليه.
ليس هذا بجبن، أيها الشيخ الشجاع، ولكنه كراهة للألم وخوف من الانفصال عن العالم. إنك أنت تقدر أن تعيش في فراشك الرحب الجميل وحيدا فريدا كإله جليل، وما فتئت الآلهة تعيش وحدها، ولكن بني الإنسان اجتماعيون طبعا وتطبعا. ثم هل أنت تقدر على الخروج من مجراك وارتقاء الآكام التي حولك؟ فكيف يقدر رجل مثلي على الخروج عن طريقه المألوفة لصعود جبل أصعب وأشد خطرا من آكامك؟
أتذكر أيها الشلال يوم كان شاطئاك مرتعا لأولئك الهنود المساكين قبل أن يصل إليك البيض، ويغتصبوا أرضهم هذه ظلما وعدوانا؟ لا ريب في أنك تذكره، لأنك كنت فيه معبودهم. فأولئك البشر السذج المساكين الذين كانوا يصطادون التمساح من مياهك وهم عراة الأبدان، يكسو الريش رءوسهم، وتحمل أيديهم الفئوس والحراب، ويعيشون بالغزو والسطو في قفر يباب؛ كانوا أسعد حالا وأنعم بالا من هؤلاء البيض الوافدين على شاطئيك من جميع أقطار الدنيا، وقد ملئوهما بالمدن العامرة، والمنازل الفاخرة، والحدائق الزاهرة، والمركبات الكهربائية، والسفن البخارية، وراحوا يتبخترون بينها تبختر الطاووس بثياب جميلة، وشعور صقيلة. وصدقني، أيها الشيخ، إن أولئك كانوا أسلم طبعا وأبعد عن الخبث من هؤلاء.
قد غيروا أرضك ومن عليها، أيها الشيخ، وهم يظنون أنهم حسنوها وحسنوك، وجملوها وجملوك، وما جمالهم إلا كجمال المرأة الدميمة: زخرف خارجي وطلاء سطحي. حك هذا الطلاء قليلا فتجد تحته جيفة منتنة. أظنني غير مخطئ ولا مسيء إليك أيها الشيخ إذا قلت لك إنك كنت أجمل منك اليوم حين كان شاطئاك ملجأ للمتوحشين، ومعتركا للأسود والنمورة، ومسبحا للذئاب والتماسيح، ومرقصا للدببة والقردة؛ فقد كان جمالك يومئذ وحشيا طبيعيا، يقشعر له جلد التصور، ويرتد عنه طرف الخيال مذعورا. لقد كان جمالك يومئذ جمالا حقيقيا.
অজানা পৃষ্ঠা