ফারাহ আনতুন: তার জীবন, সাহিত্য ও তার রচনাবলীর নির্বাচিত অংশ
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
জনগুলি
وفي عام 1184 للميلاد ، ولي يعقوب المنصور بالله الخلافة في الأندلس خلفا ليوسف أبيه، فبلغ صاحب الترجمة لديه أسمى منزلة في بدء حكمه، وأصبح في ذلك الزمان سلطان العقول والأفكار، لا رأي إلا رأيه، ولا قول إلا قوله. ولكنه مكتوب لكل أصحاب العقول الذين يمتازون عن البله والبلداء وأصحاب الدعوى في هذا العالم أن يتكاثر حسادهم لسبب ولغير سبب؛ ولذلك حسد ابن رشد جماعة من الذين قصروا عن شق غباره وبلوغ منزلته، فوشوا به لدى الخليفة يعقوب المنصور بأنه يجحد القرآن، ويعرض بالخلافة، وينشط الفلسفة وعلوم المتقدمين بدلا من الدين الإسلامي. ولا غرابة في هذه التهمة بعد انصراف ابن رشد إلى الفلسفة وطلبه الحقيقة من طريق العقل في زمن كذلك الزمن، وإنما الغرابة ألا تحدث يومئذ تهم كهذه التهمة؛ ولذلك فكل فيلسوف أهل لأن يلقب بهذا اللقب يحتمل هذا العدوان من المعاصرة احتماله أمرا طبيعيا لا مفر منه ولا مهرب. وبناء على ذلك يكون أولئك الكبراء العظماء الذين عذبوا في بدء نشأة العلم في كل أمة لاعتقادهم اعتقادات تناقض اعتقاد بسطائها، بمثابة شهداء يحق لهم علينا اليوم كل إكرام واحترام؛ لأنهم كانوا طليعة جيش العلم الذي لم ينتصر إلا بجهادهم وبدمائهم، حتى كأنهم ما خلقوا إلا لتلقى على ظهورهم أحمال العلم والإنسانية كلها. (3) نصبه أمام الجامع للبصق عليه
أما الخليفة يعقوب المنصور فإنه لما رفعت إليه الشكوى على ابن رشد أمر فاجتمع لديه أعظم فقهاء قرطبة وقضاتها، ثم طرح عليهم الخليفة قضية ابن رشد - وقد حضر ابن رشد نفسه هذا الاجتماع - فقرر الفقهاء أن تعاليمه كفر محض، ولعنوا من يقرؤها وقضوا على صاحبها بالنفي من قرطبة. ومن الأسف العظيم ألا يكون لدينا تفصيل هذه الجلسة التي جرت محاكمة الفيلسوف فيها. فنفي ابن رشد إلى لوسنه؛ وهي بلدة قريبة من قرطبة، وقضي عليه بالتزامها وعدم الخروج منها. وهنا اختلفت الروايات، فمن قائل أن ابن رشد أقام فيها حتى رحل الخليفة يعقوب المنصور إلى بلاد المغرب، ومن قائل أنه سار منها يروم الخلاص من الأسر، فقبض عليه في فاس وأوقف على باب الجامع ليبصق عليه الناس في دخولهم وخروجهم. فإذا كان هذا الخبر صحيحا فقد أهينت الفلسفة والحكمة والعقل في شخص ابن رشد أقبح إهانة؛ وذلك مما يجعل له حقا جديدا في الكرامة والاحترام فوق حقه الفلسفي الكبير.
ولسنا نزعم أنه يجوز لكل واحد من العلماء أن يضع مذهبا جديدا، ويدعو الناس إليه وإن كان مناقضا لمعتقدات الناس وهادما لأساسها. كلا، فإن ذلك أمر لا يخلو من مضرة من بعض الوجوه، وإن كان نافعا من وجوه أخرى، ولكن كما أنه لا يجوز للعالم الجالس في غرفته وراء مائدته وهو يبحث بإخلاص وإمعان عن الحقيقة، أو ما يظنه حقيقة، أن يدعو الناس إلى ترك ما في أيديهم للتمسك بالأمر الجديد الذي يظن أنه قد وجده، ويحقر كل من لا يعتقد معتقده، كذلك لا يجوز للناس أن يمنعوا العقل البشري من الانطلاق في جو الفكر لطلب الحقيقة والعلم والنور بالآلات العقلية، التي منحه الله إياها، دون تضييق على هذه الآلات أو إيقافها في مجراها.
ولا ريب أن الأمر الأول ضرب من الغرور والطياشة؛ إذ ليس في العالم أحد قادرا على إثبات أن الحقيقة في يده ومعتقده؛ ولذلك يجب على كل واحد من البشر أن يحتمل رأي غيره وإن كان مخالفا لرأيه. وهذا - وا أسفاه - لقصور العقل البشري وضيق ذراعه عن الإحاطة بفضاء الأسرار الإلهية التي أمامه، ولكن إذا كان الأمر الأول غرورا وطياشة، فالأمر الثاني ضرب من ضروب الكفر بنعم الله - تعالى - لأنه يقتضي إطفاء نور العقل الذي خلقه الله ووضعه في الإنسان كما توضع المنائر على شواطئ البحار. أفتطفئون المنارة في الإنسان ثم تقولون له: سر واعتقد أنك سائر في الطريق القويم؟! (4) عوده إلى مقامه
وليس يسوء الحق شيء مثل اتخاذ الهوى مركبا في أمور مقدسة كهذه الأمور، فإنه إذا كان كل معارض ومعترض يعارض ويعترض دفاعا عن مبادئ مقررة في نفسه وهو يقوم بهذا الدفاع، ولا غرض له غير طلب الحقيقة المجردة؛ فهذه المعارضة وهذا الاعتراض أمر مقدس يجب على كل عاقل أن يحترمه، ولكن من سوء حظ البشر أنهم يقدمون الهوى دائما على الحق، وقلما تجد شهيدا من شهداء العلم الذين بذلوا في سبيله كل مرتخص وغال إلا وترى أنه كان للحسد اليد الطولى في معارضته واضطهاده. والذي يدل أحسن دلالة على أن تكفير الفيلسوف ابن رشد كان من هذا القبيل، أن المنصور لما عاد من قرطبة إلى بلاد المغرب (مراكش)، ووجد نفسه بعيدا عن أعداء ابن رشد الذين أثروا فيه فجعلوه يكفره وينفيه، ذكر فضل هذا الفيلسوف الكبير وعلمه، وسعة صدره، وحسن أخلاقه، فأمر من المغرب بإلغاء الحكم الذي حكم به عليه، وبإباحة الفلسفة والإذن للناس في الاشتغال بها، فعادت إلى فيلسوف الأندلس كرامته ومنزلته، ولكنه لم يتمتع بهما بعد ذلك مدة طويلة؛ إذ أدركته المنية في بلاد المغرب فدفن فيها، وبعد ذلك نقلت جثته إلى قرطبة التي تفتخر به لأنها مسقط رأسه. (5) مؤلفاته
كان ابن رشد مولعا بالتأليف والمطالعة، ولم يكن له لذة في غيرهما. ولقد تمنى أن ينقطع عن منصبه إليهما لو أن ذلك كان في إمكانه، وكان يقول في كتبه إنه يشبه رجلا اتصلت النار بمنزله فأخذ يخرج منه أهم أثاثه شيئا فشيئا.
أما مؤلفاته فهي كثيرة يضيق المقام دون تعدادها كلها، فنكتفي إذا بذكر كتبه الجليلة التي جعلت له في عالم الفلسفة والعلم هذه الشهرة الطائرة. وهذه الكتب قسمان: قسم في الطب، وقسم في الفلسفة. فشهرته في العالم مبنية إذا على هاتين الصناعتين: الطب والفلسفة. على أنه قد ألف أيضا في علم الكلام والصرف والفقه وعلم الفلك عدة مؤلفات، منها في علم الفلك مختصر المجسطي، وفي الفقه كتاب دروس كاملة، وفي الطب الكليات؛ وهو ستة أجزاء تتضمن دروسا كاملة في صناعة الطب. ولقد بقي لهذا الكتاب أهمية كبرى مدة طويلة. على أن أهم كتبه كلها شروح أرسطو، التي بلغ بها مؤلفها أسمى منزلة. (6) شرحه أرسطو
ولقد قلنا مؤلفها ولم نقل مترجمها؛ لأن ابن رشد لم يترجم فلسفة أرسطو، ولكنه شرحها شرحا. ولقد أخطأ من قال إنه ترجمها؛ لأن ابن رشد لم يكن يحسن اللغة اليونانية، فضلا عن أنه كان في دار الخلافة في الأندلس أطباء من النساطرة الذين كانوا قد ترجموا كتب أرسطو إلى اللغة العربية، وكان كثيرون من علماء السريان والكلدان قد ترجموا هذه الكتب إلى العربية قبل عصر ابن رشد بثلاثة قرون؛ فلا ريب أن فيلسوف الأندلس قد اعتمد في شرح أرسطو؛ أستاذه وأستاذ فلاسفة العالم إلى عهد باكون، على هؤلاء المترجمين.
وقد شرح ابن رشد فلسفة أرسطو بطرق ثلاث؛ الأولى: الشرح الوجيز، والثانية: الشرح المتوسط أو الواسطة، والثالثة: الشرح الكامل أو المطول.
أما الشرح الصغير فإن ابن رشد يتناول فيه مواضيع أرسطو، ويؤلف فيها من عند نفسه مقالات في غاية الأهمية، فهو في هذا الكتاب مؤلف لا شارح. وأما الشرح المتوسط فإنه يذكر في صدر كل فصل منه بضع كلمات من كتاب أرسطو ثم ينطلق في الشرح والتأليف، فيختلط قوله بقول أرسطو حتى يصعب فصلهما. وأما الشرح المطول فإن ابن رشد يذكر فيه فقرات أرسطو فقرة فقرة، ثم يشرح أجزاءها شرحا كافيا. ومما لا ريب فيه أن ابن رشد لم يكن يضع الشرح الكبير إلا بعد فراغه من الشرح الصغير، وقد قال فلاسفة الإفرنج إن ابن رشد أعظم فلاسفة القرون الوسطى الذين تبعوا أرسطو وشرحوا أقواله.
অজানা পৃষ্ঠা