ফারাহ আনতুন: তার জীবন, সাহিত্য ও তার রচনাবলীর নির্বাচিত অংশ
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
জনগুলি
إننا نرى لذلك طريقتين متلازمتين؛ الأولى: هي تربية هجوم، والثانية: تربية دفاع. ومعنى هذا أن الشبان في هذه الحياة الطويلة والقصيرة معا يشبهون ركبا في سفر، فيجب أن يكون معهم سلاح للإقدام يمهدون به طريقهم، ويجوزون كل ما فيها من الصعاب، وسلاح للدفاع يدفعون به كل ما يعدو عليهم في سفرهم. وبلا هذا السلاح المزدوج، يشبه الشبان جنودا بلا سلاح أرسلوا إلى ساحة القتال.
وكأننا نسمعكم تقولون: ما هو هذا السلاح؛ سلاح الهجوم؟ فنجيب على ذلك أنه سلاحان: مادي، وأدبي. أما السلاح المادي فهو تقوية أجسام الشبان بالرياضة والعمل؛ أي جعل أجسامهم أجساما صحيحة لتسكنها عقول صحيحة، فإن كل رجال الإقدام والعزائم في العالم هم من أصحاب الأجسام القوية. وأما السلاح الأدبي فتثقيف عقول الشبان بعلوم وفنون تكسبهم رزقهم في هذه الحياة، لا بدروس سقيمة يحفظونها اليوم لينسوها غدا، ولا تفيدهم في دور من أدوار حياتهم.
وأما سلاح الدفاع، فهو القوة التي يجب إدخالها في نفوس الشبان لتكون سلاحا لهم ضد ما قد يطرأ عليهم من الضعف في هذه الحياة؛ فالرذيلة ضعف يطرأ على النفس يقتضي إزالته بقوة الفضيلة، والبطالة ضعف يطرأ يجب أن يزال بقوة حب العمل والمقدرة عليه، والتبذير ضعف يزال بالاقتصاد، وهلم جرا. وإلا فإن الشبان إذا لبثت نفوسهم من غير هذا السلاح - سلاح الدفاع - فإنها تسقط سقوطا هائلا بإزاء أعدائها الكثيرين الذين يهاجمونها من كل جانب في هذه الحياة.
فالطريقة المثلى لتربية الشبان أن نعطيهم سلاحا للهجوم وسلاحا للدفاع.
فهل تعطي مدارسنا هذين السلاحين؟
قلنا مدارسنا، ولم نبدأ بالبيت، مع كون التربية البيتية هي أساس كل تربية، كما مر بنا؛ لأننا يحق لنا أن نقطع الرجاء من التربية البيتية بإزاء ما فيها من الفساد المتأصل. وسبب فسادها أنه لا يوجد في البيت كما يوجد في المدارس عقول نيرة، وأفكار ثاقبة تفهم معنى التربية إن لم يكن حق الفهم فبقدر الاستطاعة، فلا نرجون في هذا الزمان فائدة من التربية البيتية قبل إصلاحها من أساسها.
ولكن ما هو تأثير التربية المدرسية عندنا؟ هل هي تعطي السلاحين اللذين أشرنا إليهما آنفا؟
من الثمرة تعرف الشجرة، وإذا أردنا معرفة أحوال التربية والتعليم في مدارسنا؛ فلننظر إلى تلامذتها الشبان الذين يخرجون منها في كل عام مئات وألوفا، فإن أكثرهم يكونون بعد المدرسة عالة على أهلهم، دأبهم البطالة والإقامة في المقاهي والحانات، المقامرة أحب عمل إليهم، والعمل أكره الأشياء عندهم، ينامون في المسكرات والرذيلة، ويصحون في الكسل والبطالة، وهكذا يصرفون زهرة عمرهم، وينفقون دماء حياتهم في هذه المعيشة السوداء والبلية الدهماء.
وفي وسط هذا الليل المدلهم يوجد من يصرخ أن الأمة فقيرة متأخرة. نعم، وكيف لا تكون الأمة فقيرة تعيسة شقية إذا كان شبانها، وهم دمها الذي به تحيا وتقوى، منغمسين هذا الانغماس بهذه المعيشة القبيحة؟ إن الأمة تعيسة، وستزداد تعاسة إذا بقيت على هذه الحالة من الفساد، وإذا سألتم من هو المسئول عن هذا الفساد، أجبنا أن المسئول فريقان: الأول: المدرسة، والثاني: الهيئة الحاكمة.
أما المدرسة، فلأنها تعلم طلبتها تعليما غير منطبق على حاجاتهم، فبدلا من التعليم الصناعي والزراعي والتجاري الواجب تقديمه على كل تعليم، يعلمون أولئك الشبان تعليما أدبيا ناقصا، يجعلهم قاصرين في كل شيء، ويمنعهم حتى من العمل بشرف لأكل خبزهم بعرق جبينهم. وهذه جناية كبرى لا تلتفت إليها مدارسنا، ولكنها تحمل تبعتها بالرغم عنها. إنكم تعلمون تلامذتكم علوما أدبية من لغات ونحو وصرف، فمثلكم مثل من يثقب الماء أو يضرب الهواء؛ أي إنكم لا تؤثرون فيهم تأثيرا مفيدا، بل تضرونهم من حيث أردتم أن تنفعوهم، فإذا أردتم نفعهم نفعا حقيقيا، فعلموهم مع التعليم الأدبي تعليما صناعيا وزراعيا وتجاريا.
অজানা পৃষ্ঠা