ফারাহ আনতুন: তার জীবন, সাহিত্য ও তার রচনাবলীর নির্বাচিত অংশ
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
জনগুলি
يزعم بعض فلاسفة العمران أن في كل قول حتى ما كان منه خطأ شيئا من الصواب، واقتراح المستر ويلمور هو من هذا القبيل، فإنه خطأ محض إذا نظرت إليه من جهة لفظه، ولكن فيه شيئا كثيرا من الصواب إذا نظرت إليه من جهة معناه. وغرضنا الآن الإشارة إلى هذا الصواب.
وبعبارة أخرى نقول إن المستر ويلمور مصيب كل الإصابة إذا كان غرضه في اقتراحه هذا إنشاء أسلوب جديد للكتابة يفهمه جميع أبناء اللغة، فإن اللغات لا يمكن استبدالها؛ لأن ذلك فوق طاقة الإنسان، وإنما يكون تغيير أسلوبها؛ كأن يهجر القديم البالي الذي كان حسنا في عصره، إلى الجديد الذي هو حسن ومفيد في هذا العصر. فإذا نظرنا إلى اقتراح المستر ويلمور من هذا الوجه تغيرت مسألته، وصار المقصود بها تسهيل اللغة الفصحى على المعلمين والمتعلمين، لا استبدال اللغة العامية الساقطة بها. وحينئذ يكون صوته الجهوري الذي دوى في فضاء مصر صوتا يدعو إلى أمر في غاية الأهمية، ويشير إلى إحدى مصائب العلم والتعليم في اللغة العربية.
نقول ذلك لأننا لا نجهل المصاعب العديدة التي تعترض طلبة العلم وناشريه في اللغة العربية، فإننا نعرف كثيرا من المعلمين يحسبون العلم محصورا في اللغة؛ ولذلك يصرفون إليها عقول تلامذتهم دون سواها من الفروع التي توسع دائرة العقل، وتنمي الإدراك، فيشب الولد بين أيديهم ويخرج من مدرستهم وهو لا يعرف غير: «ضرب اضرب ضرب ضارب تضرب». وهذا بلاء شديد على الشرق. وإنما كلامنا هنا عن المعلمين في المدارس الابتدائية التي هي بمثابة القوالب الحقيقية الأولى التي تتكون فيها عقول الطلبة ونفوسهم، فإذا كان غذاؤها قويا من لباب العلم وثمار المعارف الحقيقية شبت قوية، وكان في إمكانها بلوغ حد البلوغ والرجولية، وإذا كان غذاؤها ضعيفا من قشور اللغة وما يتبعها من صرف ونحو وشعر، دون سواها من المبادئ التي تقدم ذكرها؛ فإنها تبقى طفلة وإن بلغت في العمر مبلغ الرجال.
وكما أن هذا البلاء شديد على بعض المعلمين والمتعلمين في الشرق، فهو شديد على بعض الكتاب أيضا، فإن هؤلاء الكتاب يصرفون أعمارهم في تصفح كتب اللغة القديمة، وانتحاء مناحي بلغاء المتقدمين، فينطبع في نفوسهم أن صناعة الكتابة لا تقوم إلا بتنميق العبارة، وذكر المترادفات من الألفاظ، وانتقاء الضخم منها، حتى إنك حين قراءتها لتخالها كالبندق الذي قال فيه الشاعر: «خلي من المعنى ولكن له فقش.» وعلى ذلك تصير الكتابة عندهم عبارة عن ألفاظ واسعة الأكمام، ضخمة الأجسام، يضيع فيها المعنى الذي تدل عليه كما تضيع كأس من السكر في بركة من الماء البارد، أو تكون أسلوبا جافا ناشفا تنتظم فيه معان قليلة بسلك معوج لا يفهمه القارئ إلا إذا راجعه عدة مرات، وربما راجعه طول النهار إذا كان ضعيف الفهم ولم يفهم منه شيئا.
فالفضل العظيم الذي يرجع للمستر ويلمور في هذه المسألة هو في رأينا حذفه مسألة اللغة بكلمة واحدة؛ وذلك بقوله استبدلوا العامية بالفصحى، فكأنه قال للذين يقدمون اللغة على كل شيء: إنكم تشتغلون بالقشر وتتركون اللب، فدعوا القشر، وإذا كانت لغتكم تحول دون تركه؛ فاتركوها هي نفسها أيضا، واتخذوا اللغة العامية بدلا منها طلبا للب الذي هو العلم الحقيقي والفائدة الحقيقية.
أما نحن فإننا نقول للمستر ويلمور: إننا نعد هذا القول جناية على اللغة العربية؛ لأن هذه اللغة الجميلة الحلوة لا أسهل منها على من يحسن تسهيلها، ولا أطوع منها على من يحسن التصرف بأساليبها. فالعجز إذا إنما هو في نفوس أهل اللغة لا في أساليب اللغة نفسها.
وهنا نصل إلى النقطة الهامة في هذا البحث، فنسأل المستر ويلمور ألا يعدل عن اقتراحه إذا ثبت له أن اللغة الفصحى قد تقوم بوظيفة اللغة العامية من إبلاغ المعاني إلى أفهام العامة؟ وهذا أمر ممكن. وإيضاحا لذلك نقول:
تقتضى المخاطبة ثلاثة أمور؛ الأول: المعنى الذي في ذهن المتكلم، والثاني: الكلام الذي يراد إيصاله إلى فهم المخاطب، والثالث: فهم المخاطب نفسه. فإذا كان معنى الكلام والكلام نفسه صريحين واضحين مسبوكين بأسلوب على قدر فهم السامع، وصل ذلك المعنى إلى ذهن المخاطب بلا عناء ولا مشقة؛ فالعمدة في ذلك إذا: المعنى والكلام والأسلوب.
وبناء عليه، إذا كان المتكلم ماسكا زمام المعنى، ووضعه في ألفاظ بسيطة حسنة مفهومة لدى العامة، وسبكه بأسلوب بسيط أيضا؛ تحتم وصول ذلك المعنى من ذهن المتكلم أو الكاتب إلى ذهن المخاطب لا محالة.
مثال ذلك العبارة التالية: إن المقصود بالسنن الموضوعة في السياسات كلها هو المدينة والكل لا الشخص.
অজানা পৃষ্ঠা