ফারাহ আনতুন: তার জীবন, সাহিত্য ও তার রচনাবলীর নির্বাচিত অংশ
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
জনগুলি
وكان قد أمسى المساء وأشعة الشمس لم تعد تصل إلى الأرز؛ لأنها توارت وراء آكام بشري والديمان والحدث، إلا أن عصابة منها كانت تزين رءوس الجبال فوق الأرز، دلالة على أنها لم تغب بعد. وكان القادمون في هذه الساعة رجال المستر كلدن؛ سبقوه لنصب الخيام، فاجتمع عليهم الناس، وقد نصبوها في شرقي الأرز تحت أشجاره على أكمة عالية تشرف عليه. أما المستر كلدن وزوجته وابنتاه ووكيل أشغاله فكان وصولهم بعد هبوط الظلام.
وبعد وصولهم بساعتين إذا بثلاثة بغال داخلة إلى الأرز وعليها أمين وأبواه، فدهش سليم وكليم لذلك. وكان أمين في اضطراب وانزعاج شديد، ثم علما من أبويه أن عدوه القديم الخواجة لوقا طمعون وصل إلى الحدث للتصييف فيها؛ ولذلك فر أمين منها. هذا فضلا عن رغبته في حضور يوم كلدن في الأرز.
ولم ينتصف الليل حتى صار عدد المتوافدين على الأرز نحو ألفي شخص، فلما رآهم سليم وكليم يتمددون على الأرض للرقاد بدون غطاء ولا فراش، قال سليم لكليم: نحن حسبنا أننا صنعنا أمس صنع الأبطال بنومنا تحت هذه الأشجار على خرج تحت غطاء خفيف، فانظر إلى أصحابنا القرويين، فإنهم ينامون بلا خرج ولا غطاء كأن الأمر عندهم في غاية البساطة.
فأجاب كليم: هذا مصداق لقول روسو: يجب ألا يربى الإنسان كشجرة تعيش في هذا الإقليم ولا تعيش في ذاك، بل يجب أن يجعل قادرا على المعيشة في كل الأقاليم، فحيثما ألقيته جاء واقفا على قدميه نشيطا قويا قادرا على احتمال كل تقلبات الحياة. (13) كيف يكون غضب النساء؟
وفي الصباح انتبه المستر كلدن مع غربان الأرز؛ لأنه كجميع الرجال النشيطين اعتاد التبكير، ولما نهض استدعى كاتم أسراره المستر كرنيجي وسأله: هل انتبهت لادي كلدن؟ فأجاب: كلا! فقال كلدن: خذ كرسيا يا مستر كرنيجي واجلس. هل ورد البريد الأخير؟ فأجاب كاتم الأسرار: نعم يا سر، قد أخذناه في الحدث، وهذه بضع رسائل تقتضي الجواب. فتناولها المستر كلدن بنشاط وأجال نظره فيها.
وبعد حين سأله: من هو كاتب هذا الكتاب؟ فأجاب كرنيجي: هو تاجر مشهور في بيروت، وهو يقول في ختامه إنه قادم لمقابلتكم للترحيب بكم والاتفاق معكم على الشروط، فقال كلدن: وما رأيك في طلبه؟ فقال كرنيجي: بما أنكم عزمتم على احتكار الشرانق والحرير في العالم، فمن الصواب أن تجعلوا لكم وكيلا وطنيا في سوريا ولبنان لابتياع الموسم، فقال كلدن: وهل هذا الرجل مشهود بأمانته واستقامته؟ فضحك كرنيجي وقال: لقد أرسل مع كتابه شهادات من أعظم الرؤساء الدينيين والمدنيين، حتى من بعض قناصلنا. وهذه هي الشهادات.
ثم إن كاتم الأسرار ألقاها على مائدة في وسط الخيمة.
وكانت هذه الخيمة منصوبة بجانب خيمة لادي كلدن وابنتيها، فيظهر أن حديث الرجلين نبه اللادي من نومها، فإنها في ذلك الحين أزاحت باب الخيمة وظهرت بثوب النوم باسمة موردة الخدين كأنها وردة رطبة برزت من وراء غصنها، فقام إليها المستر كلدن مسرورا لسرورها فقبلها قبلة شهية وأدخلها خيمته؛ لأن البرد كان قارسا في الخارج، فخرج كرنيجي حينئذ من الخيمة، فسألها كلدن: كيف ترين الأرز؟ فأجابت: هذه أول مرة سررت فيها بسياحتنا، ولولا هذا المكان الجليل الجميل لأسفت على انتقالنا من أميركا، فقال كلدن: الحمد لله! الحمد لله! وهل ذهبت الأفكار السوداء؟ فعبست إميليا وقالت: بحياتك لا تذكرني بها. آه لو تعلم الحلم الجميل الذي رأيته في هذا الليل! فقال: ماذا رأيت؟ فقالت وقد بدت الدموع في عينيها: رأيته في السماء لابسا ملابس الملائكة وهو يبتسم لي ويقول: رضي الله عنك، رضي الله عنك! لا تحزني؛ فإنني استرحت هنا بعد عذابي في الأرض.
وهنا استخرطت إميليا في البكاء، فأكبت على المائدة التي كانت في وسط الخيمة وصارت تذرف الدموع، فلام المستر كلدن نفسه لأنه فتح هذا الباب، ورغبة في صرفها عنه مال إليها ملاطفا ومتوجعا وهو يقول: بحياة عينيك يا حبيبتي لا تنغصي عيشنا في هذا اليوم الجميل، ولا تهيجي عينيك بالبكاء، فعليك مقابلة الناس. فرفعت رأسها وقالت: أي ناس؟ فقال: إنك ستصنعين يوم كلدن بيدك، فتكون الهبة أكثر قيمة وأشد تأثيرا؛ إذ شتان بين يدك البيضاء الجميلة ويدي الخشنة. وفضلا عن ذلك فإن تاجرا مشهورا من أبناء وطنك سيزورنا اليوم، فقالت بدهشة: أي تاجر؟ فقال: هو تاجر من بيروت يطلب أن يكون وكيل أشغالنا التجارية في الشرق كله، وهذا كتابه وشهاداته أمامك على المائدة.
فمدت إميليا يدها إلى الأوراق وأدارتها لترى التوقيع الذي على الكتاب.
অজানা পৃষ্ঠা