النوافذ
1
قد تفتح على نهر، أو صحراء، أو حديقة واسعة، أو بنايات شاهقة، أو حارة ضيقة، أو حتى على منور مختنق يدخل النور منه بالكاد. قد نطل عليها بدلا من أن نطل منها، إن كانت مزخرفة بالنقوش والرسومات كما في الأديرة أو القصور القديمة. مستطيلة، أو مربعة، أو دائرية ... ربما توجد منها أشكال لم أرها ولا أعرفها؛ لعل بعضها مثلا على شكل مثلث، أو متوازي أضلاع، أو أي أشكال أخرى غريبة. قد تغلق بمصراعين خشبيين، وقد تكون مصنوعة من الزجاج المعتم، أو الشفاف، أو الملون، قد تغطيها الستائر، أو قد تخلو من كل ذلك لتعود كأسلافها مجرد فتحة في جدار. قد نفتحها للضوء، ثم نغلقها في وجه الغبار والريح. نغلقها، نفتحها، نغلقها، نفتحها، نقفز منها لنسقط، أو لنطير إن كنا داخل قصة من القصص الخيالية، قد يتسلق إليها «روميو» في إحدى المسرحيات ليكلم حبيبته «جولييت»؛ تمهيدا لموتهما الشاعري المرتقب.
النافذة هي فرجة مفتوحة بين عالمين: الداخل، والخارج. هي في العادة وسيط للرؤية لا للتنقل، لا تصمم النافذة لنخرج من ... أو لندخل إلى ... بل لنشاهد ونتأمل. يقال: «العين نافذة الروح.» والمعنى هنا استعاري، نتخيل فيه حائطا ما يحول بيننا وبين رؤية أرواح الآخرين، وفي هذا الحائط نافذتان صغيرتان، يمكننا أحيانا أن نتلصص من خلالهما على لمحات من مخبوء الروح.
2
في إيطاليا في عصر النهضة كان هناك فنان إيطالي اسمه «ليون باتيستا ألبرتي
Leon Battista Alberti (1404-1472) ». كان ألبرتي ككثير من فناني عصر النهضة متعدد المواهب: رساما، ومعماريا، وعالم رياضيات، وشاعرا، وموسيقارا ... لكن الإسهام الذي يهمنا الآن هو تطويره لطريقة مختلفة للنظر للوحة؛ ربما كان في هذا متأثرا بخبراته كمعماري، وربما سعى لتطوير أفكار قليلين سبقوه في هذه المنطقة. لكن المهم أن ألبرتي نظر إلى اللوحة باعتبارها نافذة. والاستعارة هنا ليست مجرد زخرفة جمالية، يصوغها أحدهم فقط ليتذوقها أو ليعجب بوقعها في أذنيه ؛ الاستعارة هنا في الواقع تؤسس لرؤية مختلفة لفن الرسم ستظل مؤثرة لفترة طويلة، وستؤسس لمفهوم سيظل مهما للغاية حتى عصرنا هذا، هو مفهوم «المنظور
perspective ». النظر للوحة كنافذة يستدعي مشاهدا ومشهدا، والهدف الذي وضعه ألبرتي لنفسه هو أن يوزع عناصر اللوحة بدقة بحيث تكون قادرة على تمثيل المشهد الذي كان سيراه مشاهد يقف في نقطة ما خلف نافذة ما ليرى المنظر المرسوم؛ بمعنى أن يوزع الأجسام والأشكال على اللوحة ويغير أحجامها وألوانها لتعكس الطريقة التي كان سيراها هذا المشاهد في وقفته المفترضة خلف نافذة حقيقية، لا كما تظهر بالضرورة في الواقع؛ ومن ثم تتقارب الخطوط المتوازية مثلا كلما ابتعدت عن المشاهد حتى تتلاقى في خلفية اللوحة. كتب ألبرتي رسالة مهمة وضع فيها قواعد وأفكارا يعبر فيها عن رؤيته الخاصة بفن الرسم، قام آخرون بتطويرها فيما بعد. وحتى الآن يمكنك أن تتحدث عن نافذة ألبرتي كنقطة مهمة في تاريخ الفن.
3
في عام 1985 وقت إطلاق أول نسخة على الإطلاق من نظام التشغيل الشهير «ويندوز
অজানা পৃষ্ঠা