يعدو الراعي الصغير داخل القرية مفزوعا، يصرخ بأعلى صوته: «الذئب! احذروا الذئب!» فور سماع أهالي القرية للصراخ يخرج رجالهم مسرعين، وفي أيديهم العصي والفئوس، وحين يخرجون إلى أطراف القرية حيث قطيع الأغنام لا يجدون ذئبا، فقط قطيع من الأغنام يرعى بسلام. ينظرون إلى الصبي بغضب ويذهبون. نعرف القصة، حين يتكرر نفس هذا الأمر مرة تلو المرة، يتوقف أهالي القرية عن الاستجابة للنداء، حتى يأتي الذئب فعلا ويلتهم الغنم.
دعونا فقط نعدل القصة قليلا لأغراض هذا المقال. لنفترض أن الراعي الصغير لم يكن يكذب، أو لم يتعمد الكذب، لنفترض أنه فقط شغوف بالذئاب، أو أنه يخشاها أكثر مما يخشى أي شيء، الخوف يشوشه بطريقة تجعله يرى الذئب فعلا في كثير من الأشياء من حوله، مرة يرى شاة شاردة أو ظل شجرة فيظنه ذئبا، أو يستمع إلى صوت بعيد فيتأكد أنه عواء، أو يرى كلبا غريبا من بعيد فيظنه ذئبا. هذا الفتى إذن لا يكذب، هو فقط يريد أن يحمي نفسه والبلدة من الذئاب، لكنه لم يفعل!
3
أفكر دائما أن شخصا مصابا بالبارانويا أو مهووسا بنظرية المؤامرة على سبيل المثال، سيكون قادرا في أوقات ما على رؤية مؤامرات حقيقية فعلا قد لا نراها، لكن هذه المعرفة لا تجعله محقا، لا تجعله حكيما، لا تعطيه الحق في أن يتلبس دور زرقاء اليمامة التي تجاهلت القبيلة تحذيراتها؛ لأنه باختصار ليس حكيما، إنه تماما كالطفل في المثال الأول، أو كالراعي في المثال الثاني.
حين نفسر كل شيء في الحياة بتفسير وحيد: غزاة من الفضاء، أو المؤامرات الخارجية، أو المؤامرات الداخلية؛ فنحن في الحقيقة نصيب أنفسنا وربما الآخرين بعمى من نوع خاص؛ لأن الأمر كما يقولون: «ما يصلح تفسيرا لكل شيء لا يصلح تفسيرا لأي شيء.» حين نفسر كل شيء بتفسير وحيد جاهز نضيع على أنفسنا فرصة التوقف لبرهة، وتأمل المشكلة، والوقوف على أسبابها الحقيقية بشكل دقيق، ومحاولة البحث عن حلول واقعية لها.
4
لنظرية المؤامرة جاذبية خاصة بالنسبة لنا هذه الأيام. ربما تتصاعد هذه الجاذبية كرد فعل على انسحاق الفرد في عالم الحداثة: عالم الشركات الكبرى والدعاية الكثيفة والإعلام الموجه، عالم البنايات العملاقة والشركات عابرة الحدود. لعلها طريقة نعوض بها إحساسنا بالضآلة في أوطاننا أو في العالم. في كثير من الأحيان يكون ما نراه من مؤامرات ومخاوف معبرا عن داخلنا نحن، أكثر مما يعبر عن العالم خارجنا.
في أوقات ما قد تكون هناك مؤامرات بالفعل، الفكرة التي أقصدها هنا ليست إنكار وجود مؤامرات، ما أقصده أن شخصا يرى فقط المؤامرة في كل حدث أو موقف هو شخص تشوهت نظرته للعالم؛ كما في قصة الذئب. أن تكون محقا مرة من كل عشر مرات لن يحميك ولن يحمي القطيع من الخطر الذي تخافه.
5
مشكلتي الأكبر مع نظرية المؤامرة كطريقة لرؤية العالم لا تتعلق بكونها صحيحة أو غير صحيحة، مشكلتي معها في الغالب أنها خطاب - حتى في الحالات التي يكون فيها على صواب - يركز غالبا على عنصر وحيد من عناصر المشكلة؛ وهو أفعال الآخر ضدك (فردا، أو جماعة، أو دولة)، مع تجاهل عواقب أفعالك الخاصة (ما تفعله أو ما لا تفعله). تتحول النظرية في أوقات كثيرة إلى خطاب تبريري، بدلا من أن تكون أداة للفعل. لكن فكر: لو أنك ترى العالم فقط كساحة معركة، كم سيكون سخيفا أن يبرر قائد ما خسارته للمعركة بحجة أن الجيش المعادي كان يقتل جنوده؟!
অজানা পৃষ্ঠা