في التايمز: «السلسلة كما ألمعنا لا تمثل أي فينيسا يهمنا كثيرا أن نتذكرها؛ فمن ذا الذي يريد أن يتذكر تدني ما كان نبيلا، وفساد ما كان جميلا؟» لقد بات على الفنان بغير شك ألا يرد على أي نقد، وإنه ليكون من الحماقة لدى تلميذ مدرسة أن يستاء من كلام من هذا الصنف. رد ويسلر «على النقد »، وفي ردوده على الجهل والبلادة تمرس بالخبث، يقال إنه كان فظا وسافلا، نعم ولكنه في هذا الصدد لا يضاهي أشرف خصومه، وفي فظاظته وغلظته وفرادته تقريبا كان يدافع عن الفن ، في الوقت الذي كانوا فيه يتملقون كل ما هو تافه رديء في النزعة الفيكتورية.
وكما حاولت أن أبين في موضع آخر فليس من الصعب أن نجد خطأ في النظرية القائلة بأن الجمال هو الصفة الجوهرية في العمل الفني؛ أي إذا كانت كلمة «جمال» تستعمل، كما يبدو أن ويسلر وتابعيه قد استعملوها، لتعني الجمال غير الدال؛ إذ يبدو أن الجمال الذي كانوا يتحدثون عنه هو جمال زهرة أو جمال فراشة. أما إنني قلما قابلت شخصا حساسا للفن لم يوافق في النهاية على أن العمل الفني يحركه بطريقة مختلفة تماما، وأعمق بكثير، من الطريقة التي تحركه بها زهرة أو فراشة؛ ولذا فإذا شئت أن تسمي الصفة الجوهرية في العمل الفني «جمالا» فإن عليك أن تميز بعناية بين جمال عمل من أعمال الفن وجمال زهرة، أو، على أية حال، بين الجمال الذي يدركه أولئك الذين ليسوا فنانين عظاما من بيننا في عمل فني وبين ما يدركه نفس الأشخاص في زهرة، ألا يكون من الأبسط أن نستخدم كلمات مختلفة؟ التمييز على أية حال هو تمييز حقيقي؛ قارن بين بهجتك بزهرة أو جوهرة، وبين ما تشعر به إزاء عمل فني عظيم، ولن تجد صعوبة، فيما أرى، في الاختلاف عن ويسلر.
ولأي شخص تهمه النظرية أكثر مما تهمه الحقيقة مطلق الحرية في أن يقول إن فن «الانطباعيين»، بأفكاره الباطلة عن التمثيل العلمي، هو فطر جميل ينمو بطريقة طبيعية تماما على خرائب المنحدر المسيحي، ولا يصح أن يقال الشيء نفسه عن ويسلر، الذي كان بالتأكيد في ثورة ضد نظرية عصره؛ إذ ينبغي ألا ننسى أبدا أن التمثيل الدقيق لما يحسب البقال أنه يراه كان هو الدوجما المركزية للفن الفيكتوري. إن القبول العام لهذا الرأي - أن المحاكاة الدقيقة للأشياء صفة جوهرية للعمل الفني - والعجز العام عن خلق، أو حتى عن تمييز، كيفيات إستطيقية، هو ما يسم القرن التاسع عشر بوصفه نهاية منحدر، وإذا استثنيت فنانين متفرقين وهواة منعزلين فقد يسعك أن تقول إنه في منتصف القرن التاسع عشر لم يعد للفن وجود، وها هنا أهمية الفن الرسمي والأكاديمي لذلك العصر. إنه يثبت لنا أننا قد لمسنا القعر وبلغنا الحضيض، إن له أهمية الوثيقة التاريخية. في القرن الثامن عشر كان لا يزال هناك موروث فني. ما من مصور رسمي وأكاديمي، حتى في نهاية القرن الثامن عشر، معروف الاسم لدى عامة المثقفين ومرعية أعماله من قبل الجامعين، إلا ويعلم جيدا جدا أن غاية الفن ليست المحاكاة، وأن الأشكال يحب أن تحوز بعض الدلالة الإستطيقية. أما أخلافهم في القرن التاسع عشر فلم يعلموا، حتى الموروث مات. يعني ذلك أنه بصفة عامة وبصفة رسمية كان الفن ميتا، ولقد رأيناه يموت، وقد أخذت «الأكاديمية الملكية» و«الصالون» على تأدية غرضهما التاريخي المفيد، ولسنا بحاجة إلى أن نقول المزيد عنهما. وماذا عن تلك الزمرة الفنية بالتأكيد للقرن التاسع عشر، أولئك الذين جعلوا الشكل وسيلة إلى الانفعال الإستطيقي وليس وسيلة لذكر الحقائق ونقل الأفكار؛ أعني «الانطباعيين» و«الجماليين» (المتطرفين)
Aesthetes
مانيه ورينوار وويسلر وكوندر
Conder
و... و... أنعتبرهم زهورا عرضية تتفتح على قبر أم بشارات بعصر جديد؟ ذاك شيء يتوقف على مزاج من يعتبرهم.
ولكن مخططا للمنحدر المسيحي قد يحسن أن ينتهي ب «الانطباعيين»؛ فالنظرية الانطباعية طريق مسدود، ومآلها المنطقي الوحيد هو «آلة فن»
art-machine ، آلة لتأسيس القيم على نحو صحيح، وتحديد ما تراه العين على نحو علمي، جاعلة إنتاج الفن بذلك يقينا ميكانيكيا، وقد أنبئت أن مثل هذه الآلة قد اخترعها رجل إنجليزي، أما لو أن آلة الصلاة هي حقا النقلة الأخيرة لديانة شائخة، فإن آلة جلب القيمة هي حقا بمثابة حادي روح الفن إلى عالم الموتى. لقد مر الفن من الخلق البدائي للشكل الدال إلى التقرير الشديد التحضر للحقيقة العلمية، وأعتقد أن هذه الآلة، التي هي النهاية الذكية والمحترمة، ينبغي الاحتفاظ بها، إذا كانت لا تزال موجودة، في سوث كنسينجتون أو في اللوفر، إلى جانب الآثار الأقدم للمنحدر المسيحي. أما عن تلك النهائية غير الشائقة وغير المحترمة - أي الفن الرسمي للقرن التاسع عشر - فيمكن أن تدرس في مائة جاليري عام وفي معارض سنوية عبر العالم. إنها النهاية المتعفنة، والواضحة بالتالي. إن الروح التي ولدت مع انتصار الفن على الواقعية الإغريقية-الرومانية تموت مع إزاحة الفن وحلول الصورة التجارية محله.
ولكن إذا كان «الانطباعيون»، بعدتهم العلمية، وتكنيكهم المدهش، ونزعتهم الذهنية، يسمون نهاية حقبة، أليسوا مرهصين بمجيء حقبة أخرى؟ ثمة اليوم قلق بالتأكيد في مختبر الزمن السري، ثمة شيء مات، ولكن كما لاحظ ذلك الروماني الحكيم:
অজানা পৃষ্ঠা