فمن الأدب اليوناني القديم وهو الأصل الذي استمدت منه جميع الآداب العالمية نستطيع أن نختار نوعا من القصيدة الغنائية كان يسمى
ode (أود)، وقد وصل به إلى حد الكمال شاعر اليونان الغنائي الأكبر بندار، وهي عبارة عن نشيد كان يتغنى به اليونان القدماء عندما ينتصر ممثلو مدينتهم أو قريتهم أو قبيلتهم في إحدى المسابقات الرياضية الكبرى التي كانت تعقد لبلاد الإغريق كلها كالألعاب الأوليمبية والكورنثية والدلفية والنيمية، وكانت تلك الأناشيد تصاحبها الموسيقى وحركات راقصة؛ ولذلك كان تركيبها الموسيقي يقوم وفقا لأسلوب تنفيذها، فيتألف النشيد من مجموعة متلاحقة من الثلاثيات، وكل ثلاثية تتكون من دور يتراوح بين الاثني عشر والأربعة عشر بيتا ينشده المحتفلون وهم يدورون في حركة راقصة، ثم دور آخر ينشدونه في حركة راقصة مضادة، وأخيرا مقطوعة ينشدونها وهم ثابتون في أماكنهم؛ وبذلك تتم الثلاثية لتتبعها ثلاثية أخرى حتى آخر النشيد الذي قد يصل إلى الثلاثمائة أو الأربعمائة بيت من الشعر؛ مما دعا مؤرخي الأدب إلى تسمية هذه الأناشيد البندارية بالشعر الكبير، وكان الشاعر فيه يجمع بين التاريخ والأساطير والانتصارات الرياضية ويشيد بمجد الأبطال المنتصرين الذين كانوا عادة من الملوك والأمراء والأرسطقراطيين؛ وبذلك امتاز هذا النوع من الأناشيد في صورته وتركيبه الموسيقي عن غيره من القصائد الغنائية.
وباستطاعتنا أن نعثر على صورة خاصة وتركيب موسيقي متميز محدد لما يسمى بالشعر الصغير في صورة طريفة من الشعر الغنائي ظهرت أول ما ظهرت بإيطاليا في عصر النهضة بفضل الشاعر الكبير بترارك، وهي ما يسمى بالسونتة
sonette
التي انتشرت بعد ذلك في أوروبا كلها؛ فكتب شكسبير قصائده الغنائية في هذه الصورة، كما شاعت عند شعراء النهضة في فرنسا بزعامة رائدهم الكبير بيير رونسار .
والسونتة مقطوعة شعرية قصيرة تتكون من أربعة عشر بيتا، لا تزيد ولا تنقص، مقسمة إلى أربعة أجزاء: الجزأين الأولين كل منهما من أربعة أبيات، والجزأين الأخيرين كل منهما من ثلاثة أبيات، وكل سونتة لا تشتمل في العادة إلا على عاطفة أو خاطرة محددة؛ فلا استطراد ولا توارد خواطر ولا إسهاب في قصص أو وصف، بل تعبير أو تصوير مباشر لتجربة بشرية محددة، حتى ليصح أن نترجم كلمة سونتة بعبارة صورة صوتية، وها هو ذا أنموذج لها من شعر رونسار:
كما نرى الوردة على الغصن في شهر مايو في شبابها الجميل ونضرتها الأولى تثير بلونها الحي غيرة السماء، عندما يرويها ندى الفجر بعبراته ...
وقد رقد الحب والرشاقة بين أوراقها، وأخذت تعطر الحدائق والأشجار بأريجها، غير أن سعير الحر أو غزير المطر لم يلبث أن ضربها فذوت وتساقطت أوراقها ذابلة ...
هكذا في جدتك الفتية الأولى، والأرض والسماء تقدسان جمالك، قصفك القضاء، فرقدت رمادا.
فلتقبلي قربانا دموعي وحسراتي، وهذا القدر المليء باللبن، وهذه السلة المليئة بالزهور؛ لكيلا يكون جسمك حيا أو ميتا إلا ورودا.
অজানা পৃষ্ঠা