ثم نتقدم إلى العقل؛ العقل كما تقدم القول هو حركة جماعة خليات ناتجة عن سلسلة عمليات كيماوية متتابعة في كل خلية، ولكل قوة من القوى العقلية مركز خاص لها في الجهاز العصبي والدماغ على الأخص؛ فشخصيتها تتوقف على شخصية ذلك المركز المؤلف من خليات عديدة متنوعة، ومهيأة لكي تحدث تلك الحركة العقلية الخاصة.
فمجموعة حركات الخليات المتنوعة هي التي تكون شخصية تلك العقلية، كالتصور مثلا أو التذكر أو الاستدلال ... إلخ. وليس بين تلك القوة وخليات المركز من تشابه البتة لا في الطبيعة ولا في الشكل. فالشخصية العقلية قائمة في تآلف حركات الخليات الكيماوية. •••
إذا تقدمنا إلى المجتمع الإنسان الذي يتألف عقله الاجتماعي من عقليات الأفراد نجد اختلافا بين عقل الجماعة وعقل الفرد، ولكنه ليس الاختلاف العظيم الذي نجده بين الجزيء وذراته، أو بين الخلية وجزيئاتها، بل هو أضعف؛ لضعف الرابطة بين عقليات الأفراد، وهي الرابطة «الأدبية».
لذلك لا نجد الفرد يفنى فناء تاما في الجماعة كما تفنى الذرة في الجزيء، قد يشتد هذا الرباط الاجتماعي في المستقبل ويصبح المجتمع أشد توثقا، فتبرز شخصيته بروزا أتم، حينئذ يفنى الفرد في الجماعة كما يفنى الجندي في الفيلق، ويفقد كثيرا من حريته وإرادته.
ترى مما تقدم أن الجاذبية التي هي ينبوع كل قوة وعلة كل حركة في الوجود قد صاغت من أعداد الوحدات المختلفة شخصيات مختلفة متمايزة، من ذريرات وجزيئات وخليات وعقليات وغرائز ... إلخ، فجعلت الكون قطعة فنية بديعة عجيبة.
الباب الرابع
قضايا فلسفية
تنظر الآن إلى الكون الأعظم ككل بقطع النظر عن أجزائه
الفصل الحادي عشر
العلل والمعلولات
অজানা পৃষ্ঠা