فكلما حدث شعور حدثت حركة في جميع الخليات التي يمر فيها هذا الشعور، هذه الحركة تتم بسلسلة تفاعلات كيماوية تعدل فيها الخليات جانبا من جزيئاتها وذراتها كأنها تتجدد تجددا تحوليا
Anabolic ، كذلك كل تفكير أو تصور أو إرادة ... إلخ تتم بسلسلة تفاعلات كيماوية في الخلايا الدماغية المخصصة للتفكير أو التصور أو الإرادة ... إلخ. فلذلك نتصور الجهاز العصبي معملا كيماويا عظيما، تحدث فيه تفاعلات كيماوية بين الجزيئات والذرات سريعة متعاقبة متعددة تعددا لا يتصوره العقل. (4) الأفعال العقلية تفاعلات كيمية
البرهان العملي على أن الأفعال العقلية المختلفة إنما هي حاصل حركات التفاعلات الكيماوية في الخلايات الدماغية؛ هو أنه في حالة الإجهاد العقلي تكثر في بول المجهد أملاح الفوصفات؛ لأن النشاط الدماغي يستلزم نشاطا في التفاعلات الكيماوية، وهذه التفاعلات تستورد كثيرا من ذرات الفوصفور لتستخدمها في جمع الطاقة وتصدرها في أنفاقها، وفي حالة الراحة العقلية تقل جدا أملاح الفوصفات في البول.
لا يرتاح عقلنا الارتياح التام لذلك التفسير لحركة الخليات الدماغية التي يكون من مركب مجموعها العقل أو قوى العقل؛ لأن أقل تأمل في المسألة يستحضر في ذهننا اللغز الأعمق والأعقد، وهو: أن هذه الحركات تحدث في ملايين الخلايات الدماغية متعاقبة متوافقة متساوقة في حركاتها، لكي تؤدي إلى مصير واحد أو غاية واحدة. فما الذي جعل ملايين الخليات هذه تتفق على أسلوب واحد من الحركة لغاية واحدة؟ أهي موجة ماجت في الجميع؟ فما هو مصدر هذه الموجة؟
لا يبعد أن تكون حركة موجية قد شاعت بين جميع خليات المركز أو خليات المراكز الدماغية المختصة بها، على أثر صدمة شعورية من الخارج مثلا للعصب الحساس، فأحدثت تأينا كهربائيا
Ionisation ، وهو انتقال كهيربات من ذرة إلى ذرة وانتقال ذرات من جزيء إلى جزيء بتيار كهربائي، وهو ما يسبب التفاعل الكيماوي أو التحولات الكيماوية بين الذرات في كل جزيء يمر به ذلك التيار، وبالتالي يحدث تحولات
Metabolisms
في الخليات، وهذا التحول المتتابع المتسلسل ينتج الحركة العقلية التي نحن بصددها.
هذا تفسير معقول للحركة الفكرية الصادرة من تفاعل خارجي على نحو ما بسطناه. ولكن هناك من الحركات الفكرية التي تحدث من غير طارئ خارجي؛ تفكير محض كالتفكير الفلسفي أو التفكير الفني، تصور عالما يخلو بنفسه في غرفته ليحل مسألة علمية أو قضية رياضية، ففي هذه الحال ليس ثمت من محرض خارجي يحرك خليات دماغه للتفكير، ليس العامل إلا إرادة ورغبة في التفكير كما يتراءى لنا، فمن أين صدرت هذه الحركة الفكرية؟
يتراءى لنا أن هناك إرادة حرة ورغبة في التفكير والإعنات الذهني لحل القضية، ولكن الحقيقة أن وراء تلك الإرادة وهاتيك الرغبة سلسلة محرضات، تكاد تقضي على الحرية التي نغتر بها، وليس هنا محل لبحث هذه القضية؛ فنكف عنها، ونعكف على بحثنا الخاص بنشوء الحركات الفكرية، على افتراض أن الإرادة والرغبة وجدتا حاضتين على البحث والتفكير.
অজানা পৃষ্ঠা