المعتقدات الوجدية ذات الشكل السياسي
عندما عادت حماية الآلهة التي تنال بالأدعية لا تؤيد الإنسان بحث الإنسان عن آمال أخرى، فظن أنه يكشفها في الأوهام السياسية والاجتماعية، وكان الإيمان الأعمى الذي يصدر عن الروح الوجدية دائما أحد العناصر الأساسية لشكل المعتقدات الجديد هذا.
أجل، إن سلطان بعض الخيالات السياسية ذات الشكل الديني هو من القوة كسلطان الأديان أحيانا، غير أنه وقتي على العموم، وتوجب هذه المعتقدات السياسية ذات الآمال وذات عدم التسامح وذات الاحتياج الشديد إلى الانتشار كالعقائد الدينية.
وتمنح المعتقدات السياسية ذات الشكل الديني أتباعها قوة عظيمة كما يمنح الدين الجديد، ويزود التاريخ بأمثلة كثيرة على ذلك، ولا سيما دور الثورة الفرنسية، فما كانت الجمهورية لتستطيع أن تقابل جيوش الملكيات الأوربية المسنة القوية بغير كتائب سيئة العدة سيئة النظام، ومع ذلك فقد تم لها النصر، وقد نشأ هذا الحادث غير المنتظر عن كون جنود الثورة ذوي إيمان ديني عميق بما كانوا قد اعتنقوه من عقائد جديدة، وعند هؤلاء كانت البشرية المحولة تدخل في طور عام من السعادة، وكانت المجتمعات تعود إلى ذلك الدور الابتدائي الذي يتألف منه عهد مساواة وحرية وإخاء بالغ اليمن كما يرى النظريون الجاهلون شدائد ما قبل التاريخ. •••
وكذلك يمكن أن يذكر بين المعتقدات السياسية، الحائزة لما في المعتقدات الدينية من قوة مثبتة، شوق بعض الشعوب إلى الصدارة، ويدلنا تاريخ نينوى وبابل ورومة في الأزمنة القديمة، وتاريخ إسبانية وإنكلترة وألمانية في الأزمنة الحديثة، وتاريخ الولايات المتحدة في أيامنا على تأثير المثل الأعلى المكون من هذه الوجدية الجماعية التي تمثلها عبادة الوطن.
واليوم يمثل أنشط المعتقدات السياسية ذات الشكل الديني من قبل الاشتراكية ومن قبل الشيوعية، التي هي طور الاشتراكية الأقصى، ويعظم سلطانهما كل يوم بسبب الآمال التي تعلق عليهما، وتمثل الإكليركية الجذرية والإكليركية الشيوعية والإكليركية الكاثوليكية أشكالا تختلف قليلا عن الإيمان الوجدي نفسه، مع عدم تعقيب الأهداف عينها.
وتغرق الاشتراكية أوربة كما أغرقت النصرانية أوربة منذ ألفي عام، والاشتراكية تنتشر بسرعة أقل مما انتشرت بها النصرانية لما تصادمه من عوامل اقتصادية لا عهد للعالم القديم به.
ثم إن المذهب الاشتراكي هو من البساطة ما يجعله سائغا عند كل ذكاء، وقد أجاد الوزير الاشتراكي الإنكليزي مستر مكدونلد التعبير عن مبادئه الأساسية حول ذلك بالكلمة الآتية، وهي: «إن الاشتراكية مبدأ جماعة منظمة نظامية حاملة لواء سلطة المجتمع الاقتصادية والمادية، وذلك على وجه يمكن الفرد فيه أن يحرر من الضغط ويتمتع بحرية نشوئه.»
وهذا المبدأ إذا عبر عنه باصطلاحات عملية دل على إدارة جميع الصناعات تحت رقابة الدولة، أي من قبل جحفل من الموظفين، وقد أثبت تطبيق هذا النظام، الذي حقق في روسية، أن الإدارة الحكومية أغلى بدرجات من الإدارة الرأسمالية الفردية من ناحية، وأكثر ضغطا بدرجات منها من ناحية أخرى.
ثم إن الاشتراكية وأختها الشيوعية تنسيان أن الإدارة الحكومية تعطل الجهد الشخصي بسرعة، تعطل هذا المصدر لكل تقدم.
অজানা পৃষ্ঠা