وليس التعاون سيرا نحو الاشتراكية مطلقا.
ووجود صفوة من القادة أمر ضروري، وليست الاشتراكية والجذرية غير شكلين من أشكال الحكومية، ولا يصدر التقدم عن الدولة، بل عن ارتقاء الفرد باستمرار.»
وتدل الخلاصة القصيرة السابقة على أن العالم إذا كان يواجه معضلات أكثر تعقيدا من جميع التي يحدث عنها التاريخ فإنه يظل خاضعا لبعض المبادئ الموجهة النفسية، فمن تطبيق هذه المبادئ تنشأ عظمة الأمم وانحطاطها. •••
ولا ريب في أن الكتب الخاصة بتاريخ القرن الذي نرى سيره ستحدث عن الانقلابات، ولا ريب في أن أكثر هذه الانقلابات تعقيدا سينشأ عن صعوبة الحكم بتواصل الأمم الزائد والأوهام السياسية الشاملة، وتزول أشكال الحكومة القديمة واحدا بعد الآخر بتطور الأفكار وسرعة تبادلها، وقد حلت عزائم الشعب محل نفوذ الخواص المتأصل في كل مكان، بيد أن عجز الحكومات الديموقراطية يتجلى بالتدريج مع مصاعب الزمن الحديث، وبما أن العدد لم يوفق للقيام مقام الذكاء فقد وجب أن يبحث عن الوسائل التي يجتنب بها عجز الجماعات، وهنالك ظهر في كثير من بلدان أوربة طغاة كثيرون أعدوا للحلول محل الحكومات العاجزة، ومن دواعي الأسف أن عدلت فوائدهم بمحاذير بالغة من الشدة ما تحول دون بقائهم زمنا طويلا.
إذن قصرت الأمم الحديثة الكبرى على مواصلة البحث في الأشكال الجديدة للحكومة، ويندر أن تسفر الأصوات الشعبية عن قابليات، وكان بعض الفلاسفة الأنسكلوبيديين يحلمون بمجامع العلماء، وما تم لهم من زيادة التخصص لم تبد به أبصارهم الضيقة أعلى من أبصار الجماعات؛ ولذلك ظلت معضلة الحكومات ذات الصلة باحتياجات العالم الحديث أمرا يتطلب حلا.
الفصل الرابع
تطور الحضارات
لقد عانت جميع الموجودات منذ ظهور الحياة على وجه الأرض سنة الولادة والنمو والانحطاط والموت، وتعاني الحضارات هذه السنة أيضا.
ويتصف التطور الحديث بسرعته العجيبة إذا ما قيست ببطء الحضارات السابقة العجيب.
واقتضى تحول المادة الجامدة إلى مادة حية أكداسا من الأزمان، وكان لا بد من انقضاء ملايين من السنين لخروج الأشكال الحيوانية التي سبقت ظهور الإنسان من الخليات الابتدائية التي بدأت بها الحياة على سطح الكرة الأرضية. وكان لا بد من انقضاء أقل من مائة ألف سنة حتى وفق الإنسان للخروج من دور ما قبل التاريخ والوصول إلى عتبة الحضارات.
অজানা পৃষ্ঠা