على أن كثيرا من صفات أرسطبس وميوله، على ما وصل إلينا من تاريخ مذهبه، تظهره في صورة رجل يمكن أن يتخذ مثالا يحتذيه كثير من الكلبيين والرواقيين.
12
كان من أثر هذه الصفات في «قيقرون
Cicero »
13
الخطيب، أن قرن أرسطبس بسقراط، وتكلم في «الفضائل القدسية العظيمة» التي عوض بها هذان الرجلان عما يمكن أن يكونا قد أجرما فيه بحملتهما على العادات والتقاليد، ولا شك أن في هذا أثرا من كلمة أرسطبس؛ إذ كان يقول بأن الرجل الحصيف يطيع شرائع بلاده، ويخضع لعرف الجمعية؛ لأنه يعرف أن الخروج عليها، إنما ينتج رجحانا للألم على اللذة.
غير أن الأستاذ «برت
Brett » يفوق أرسطبس على سقراط في ناحية، ويفوق سقراط عليه في ناحية أخرى، قال: «إن تطور البحوث النفسية التي صدها سقراط عن الانبعاث في سبيلها الجدي، جدده أرسطبس الذي هو أعظم من سقراط في الدقة المنطقية، ولكنه أقل منه سعة في الأفق، وإحاطة بالطبيعة الإنسانية.»
14
ومن الظاهر أن قيقرون له فيما قضى به أكبر العذر، فإن العلاقة بين سقراط وأرسطبس، ومجمل الرأي الذي ذاع فيهما عند الأقدمين، مبرر من أكبر المبررات التي تحمل خطيبا من أعظم خطباء رومية، على أن يرميهما بالإجرام، ثم يخصهما - على الرغم من اعتقاده هذا فيهما - بأكبر الاحترام، فإن علاقتهما وصلتهما كانت أكبر من صلة تلميذ وأستاذ، بل هي اتصال فكري حمل قيقرون في العصور القديمة أن يقول فيهما ما قال، كما حمل الأستاذ برت في عصرنا هذا أن يوازن بينهما. ويقول ديوجينيس لايرتيوس (ج2، ص65 و74 و76) بأن أرسطبس لم يهبط أثينا إلا ليسمع سقراط، على الرغم من اختلاف الرأي بينهما، فإن سقراط لم يجز السعي لتحصيل اللذة، باعتبارها غاية للحياة، وقد شرحنا ذلك فيما كتبنا في هذا الكتاب عن سقراط وأرسطبس ، غير أن أرسطبس يزعم بأنه لم يعلم من شيء فيه روح المنابذة والاختلاف مع مبادئ أستاذه الأساسية، ولقوله هذا سبب جوهري، سندلي به في موضعه من الكتاب.
অজানা পৃষ্ঠা