Ritter » الألماني في كتابه «تاريخ الفلسفة القديمة»، والفيلسوف «رينان
Renan » الفرنسي في كتابه «تاريخ الأديان»، والعلامة «زلر
Zeller » في كتابه «تاريخ الفلسفة اليونانية» وهم يجمعون - كما يتبعهم غيرهم من الكتاب - على القول باستقلال الثقافة اليونانية عن غيرها من ضروب الثقافات الإنسانية.
ولا نريد أن نستطرد إلى سرد البراهين التي يقيمون عليها مذهبهم، فإنها ترتكز على نظريات، تتسع للجدل والنقاش.
ذلك في حين أن اتصال تيار الفكر، ونشوء الحضارة اليونانية في حوض البحر المتوسط، مهد كل الحضارات القديمة، والعلاقات التجارية التي كانت قائمة بين كل الشعوب التي نشأت شرقية، تزودنا بمرجحات قوية نميل معها إلى القول بأن الحضارة اليونانية، نشأت متطورة عن مدنيات أخر.
هذا ما يؤيده الأستاذ روبرتسون في كتابه الذي أشرنا إليه آنفا إذ يقول في ص122: «إن التعصب لبعض الصفات التي تتصف بها الأمم، والافتتان بما لبعض الشعوب من نبوغ وعبقرية، أمران ساقا بعض الكتاب، وفئة من كبار الباحثين، إلى الأخذ بآراء هي إلى ناحية الرجم بالغيب، أقرب منها إلى مناهج العلم اليقيني.
على أنه من أقرب الأشياء إلى الحق، أنك إذا رأيت أمة في التاريخ أخذت تضرب بسهم في مدارج الارتقاء الفكري والفنون، وبقية مطلوبات الحياة ومستحدثاتها وضروراتها، وأنها بدأت تخطو في سبيل ذلك خطوات سريعة ثابتة، حكمت بأن تقدمها على هذا النمط، إنما يرجع إلى ما أحدثه احتكاكها بأمم أجنبية عنها، من الانعكاس الذي يظهر أثره في صفاتها ومشاعرها ومتجهاتها.
انظر في المدنيات الأولى كمدنية آشور، أو حضارات بابل والكلدان ومصر، فإنك تجد أن ارتقاءها المدني كان بطيئا، واستجماعها لأسباب الرقي والتثقيف العقلي كان أبطأ، وذلك يدل على أن سرعة الارتقاء المدني يرجع إلى ما يؤثر في الأمم ذوات المدنيات المستحدثة الثابتة القوية في عصر ما من المنبهات التي تستمد من معارف الأمم الأجنبية عنها، وفكراتها وطرق تثقيفها عامة.»
ثم يقول: «أما تفوق اليونان في عصور مدنيتهم القديمة المعروفة في التاريخ، فلا يرجع - على ما تقدم - إلى نبوغهم وتفوقهم الذاتي تفوقا خارقا للعادة - كما يدعي كثير من الباحثين - بل يرجع - استنتاجا وعقلا - إلى ما طرأ على صفاتهم المدنية من نشوء وتطور، كان سببه اختلاطهم بغيرهم من الشعوب المجاورة لهم حينا، ومن طريق ما وضعوه من النظم الاجتماعية حينا آخر، ناهيك بموقع بلادهم الجغرافي وتخطيط أرضهم في الداخل تخطيطا أوسع بين المدن المختلفة سبيل المنافسة، خلا ما تؤدي إليه المنافسة من رقي في الصفات المدنية، التي ترتكز عليها قواعد العمران.»
ثم يقول: «إن البحوث التاريخية تدل على أن اليونانيين القدماء في فجر مدنيتهم كانوا خليطا من قبائل شتى، وزاد اختلاطهم على مدى الأيام، كما أن معارفهم وعلومهم ترجع - أول الأمر - إلى سكان تراقيا
অজানা পৃষ্ঠা