العلم: اليقين، يقال علم إذا تيقن. وجاء بمعنى المعرفة أيضا كما جاءت بمعناه، ضمن كل منهما معنى الآخر لاشتراكهما في أسبقية الجهل كما «المصباح»، وفي رأي الفيروزابادي صاحب «المحيط» وابن منظور المصري صاحب «لسان العرب» أنه بمعنى المعرفة أيضا، يقول الأول: «علمه كسمعه علما: عرفه»، ويقول الآخر: «العلم نقيض الجهل». وجاء في دائرة المعارف الفرنسية أن العلم هو «المعرفة المضبوطة الصادرة عن نظر وتمحيص، المتعلقة بنوع محدد من أنواع المعارف»، كعلوم النحو والأدب والقانون والهندسة.
وفرق بين المعرفة العلمية
Connairrance Scientifique
والمعرفة العامية
Connairrance Vulgaire ، المعرفة العامية معرفة فردية جزئية؛ إذ هي ما يكونه المرء لنفسه من آراء وأحكام فيما يعرض من الحوادث الجزئية، يتأثر فيها بالآراء الموروثة والبيئة التي تحيط به؛ ولهذا لا تخلو من الأوهام والأخطاء، ولا تأخذ طابع العموم الذي لا بد منه في العلم. أما المعرفة العلمية أو العلم فهي المعرفة العامة التي سبيلها النظر والاستقراء والتمحيص، والتي تعنى بالتعليل ورد الظواهر إلى أسبابها وكشف قوانينها، وهي مع هذا دون المعرفة الفلسفية أو الفلسفة التي تضيف إلى معرفة علل الأشياء وكشف ما يقوم عليه العالم من قوانين بها تجري أموره، محاولة تعرف غاية هذا الوجود وتعرف الله الذي هو غاية الغايات.
ومهما يكن من فرق بين أنواع المعارف المختلفة: العامية، والعلمية، والفلسفية، فإن مدلول تعريف العلم، كما ذكرناه عن دائرة المعارف الفرنسية، هو بعض ما يطلق عليه لفظ العلم عند المؤلفين الإسلاميين، فقد جاء في حاشية البناني على السعد أن أسماء العلوم المدونة «نحو المعاني» تطلق على إدراك القواعد عن دليل، كما تطلق على معلوماتها، وهي القواعد التي يقوم عليها الدليل أيضا، وعلى الملكة الحاصلة من إدراك القواعد مرة بعد أخرى، أعني ملكة استحضارها متى أريد. وحقق السيد الجرجاني أن العلم في إطلاقه على الإدراك يكون حقيقة لغوية، وفي غير ذلك إما حقيقة عرفية أو اصطلاحية أو مجاز مشهور.
أما الفن فهو كما جاء في المحيط: «الحال والقرب من الشيء كالأفنون، جمعه أفنان وفنون، وهو فن علم بالكسر: حسن القيام به»، وغني عن البيان أن حسن القيام بالعلم هو العمل به وتطبيقه عمليا، وكما جاء في بعض التعاريف الذي ذكرتها له دائرة المعارف الفرنسية: «هو تطبيق المعارف الحاصلة بالنظر والاستدلال بطرق خاصة، وهو يكتسب بالدراسة والتمرن»، مثلا فن التجارة: تطبيق قواعد خاصة تتعلق بالكسب وتنمية المال وتدبيره، وفن الطب: تطبيق عملي لعلم الصحة والأدواء وطرق الوقاية منها وعلاجها، وفن المحاماة: تطبيق القانون وأحكامه، وفن حكم الشعوب: تطبيق لقواعد السياسة العامة.
بعد هذا التمهيد نقول: يتميز لدارس الأخلاق أن منها قسما يتوفر على درس المباحث النظرية وآخر يدرس المباحث العملية، الأول هو ما يعرف بالأخلاق العامة أو النظرية، والثاني ما يسمى بالأخلاق الخاصة أو العملية.
الأخلاق النظرية تدرس الضمير وماهيته ومظاهره من عواطف مختلفة (كالرضا والاغتباط والسرور الداخلي لفعل الخير، والألم والتأنيب والندم متى كسب المرء شرا)، وما يصدره من أحكام أخلاقية على مختلف الأعمال الإرادية (كالحكم على العامل بالخيرية أو الشرية)، وتتساءل عما إذا كانت علما من العلوم أي عملا من أعمال العقل أو هي وليدة التقاليد، وما هي الطريقة التي تتبع في تعرف المثل الأعلى الأخلاقي، كما تبين أركان المسئولية الأخلاقية مثل الحرية والإرادة، وتناقش مسائل الجبر والاختيار والثواب والعقاب، وأي البواعث يجب أن يكون باعثنا الوحيد في كل ما نأتي ونذر، وأي الغايات يجب أن تكون غايتنا العليا، وأي الأغراض يجب أن يكون الغرض الأعلى للإنسانية عامة، وما هو الخير والشر والمقاييس التي تقاس بها الأعمال لبيان خيرها من شرها، وما هو الحق والواجب وما يتصل بهما، وأخيرا تنقد النظريات المختلفة التي تواردت على هذه المسائل العديدة، وتجتهد في أن تجد حلا لها.
أما الأخلاق العملية فتبين وتدرس الواجبات المختلفة: واجب الإنسان نحو نفسه، نحو العائلة، نحو الوطن والدولة، نحو الإنسانية، نحو الحيوان، نحو الله تعالى، وبعبارة أخرى: تعرض لمباحث الأخلاق النظرية بالتطبيق على ظروف الحياة العملية المختلفة لتقول فيها كلمتها، ببيان ما يتفق مع معاني الخير والشر والحق والواجب. والمقاييس الأخلاقية تقول رأيها الفصل - كما تقدم - في الواجبات الشخصية والاجتماعية والإلهية وفي المشاكل الاجتماعية كحقوق النساء والعمال والاشتراكية والشيوعية، ونحو ذلك من المسائل التي تعرض للبحث في حياتنا الخاصة والاجتماعية.
অজানা পৃষ্ঠা