كذلك لا مانع مطلقا من تفاوت الأرواح والعقول في قدرة التأثير بالصلاة وبالدعاء والإيحاء.
لأن الوجود كما أسلفنا طبقات وليس بطبقة واحدة، منها ما هو أقرب إلى الخصائص الإلهية ومنها ما هو أقرب إلى الخصائص الطبيعية، وليست كلها في التأثير سواء.
فالوجود الكامل يوجد غيره، وهو جميع هذه الكائنات.
ولكن هذه الكائنات درجات: فما يعي منها وجوده ويشعر بأنه موجود، أرفع من الكائن الذي لا يعي وجوده ولا يشعر بأنه موجود.
والكائن الواعي الذي يشعر بموجده أو يشعر بالوجود المطلق الكمال أرفع من الكائن الواعي الذي لا يعي غير ذاته أو ما حوى من المحسوسات.
فإذا كانت قدرة الإيجاد تختلف باختلاف طبقات الوجود فأقرب الكائنات إلى الله هو الكائن الذي يعي ذاته ويعي موجده، ويستمد منه قبسا من القدرة الإلهية يقصر عنه من دونه من هذه الكائنات.
ووعي الموجود لموجده كذلك درجات؛ فمن كان أكمل وعيا كان أكمل اقتباسا من قدرة الله، وأقرب لياذا به وبحكمته وتدبيره وعمله، ولا يعقل أن تخلو الكائنات الروحية من هذه الفوارق، ولا يعقل أن تكون بينها هذه الفوارق عبثا كأن وجودها وعدمها سواء، ولا يعقل أن يكون منها ما هو أقرب إلى الله ولا يقدر على شيء يختص به في أحداث هذا الكون على نحو يناسب القرب من قدرة الله، وهو تأثير العقل أو تأثير الروح.
فجدوى الصلاة لا تنفي نظام الكون؛ لأن المصلحين جزء من الكون وجزء من نظامه، بل بطلان جدوى الصلاة ينفي وجود الإله الذي يخلق النظام خلقا ولا يقوم بين منظماته مقام الآلة التي لا فرق فيها بين أن تدار وأن تدير. •••
أما فلسفة القرآن في إثبات وجود الله فهي جماع الفلسفات التي تمخضت عنها أقوال الحكماء في هذا الباب.
وأشهر الحجج التي اعتمدت عليها الفلسفة الإلهية ثلاث؛ وهي: برهان الخلق المعروف عند الأوروبيين بالبرهان الكوني:
অজানা পৃষ্ঠা