ولا إعضال في فهم الصلة بين الوجودين: الوجود الأبدي، والوجود في الزمان.
فالوجود الأبدي كامل مطلق الكمال، ولا يكون الكمال المطلق بغير قدرة وإنعام، ولا تكون القدرة والإنعام بغير خلق وإبداع.
ومن العبث أن يقال: إن الخلق إذن اضطرار.
لأننا لا نقول: إن الله جل وعلا مضطر حين نقول: إنه كامل مطلق الكمال، وإنه لا يقبل النقص والعيب، وإن الخلق من كمال جوده وقدرته وإحسانه؛ إذ ليس بالمعقول أننا ننفي الاضطرار عن الله حين نجعله ناقصا في قدرة الخلق والإبداع، بل نحن في هذه الحالة ننفي عنه مقتضيات الكمال.
ويستطرد بنا هذا إلى الكلام على صفات الله تعالى في القرآن الكريم؛ فإن هذه الصفات هي الصفات التي تنبغي لكل كمال مطلق منزه عن الحدود.
والكمال المطلق واحد لا يتجزأ، ولا يكون كمالا مطلقا إلا إذا كان غاية في القدرة والعلم والرحمة والعدل والإحسان والتصريف.
وعلة الزلل كله أن نحصر هذه الصفات وهي لا تقبل الحصر، أو نقيسها على شيء وهي أعلى وأكمل من كل شيء، فأصدق الإيمان - وأصدق التفكير معا قي هذا الصدد - أن الله ليس كمثله شيء، وأنه يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار.
وخير لنا من الخوض في تقسيمات الصفات النفسية أو الصفات الثبوتية أو الصفات السلبية، أن نضرب مثلا واحدا لخطأ العقول في استلزام بعض الصفات وبطلان بعض الصفات، فيما هو محسوس قابل للامتحان والاختبار: علاقة الجوهر البسيط بصفة البقاء، أو صفة التنزه عن الانحلال.
فالأقدمون - أو أكثر الأقدمين - متفقون على أن الكائنات العلوية، كالشموس والأفلاك، خالدة لا تقبل الفناء؛ لأنها من نور، والنور جوهر بسيط، والجوهر البسيط لا يقبل التركيب وهو من ثم لا يقبل الانحلال.
وها نحن قد رأينا في عصرنا هذا أن الأجسام كلها ذرات، وأن الذرات كلها تنفلق أو تنحل فتصير إلى شعاع أو تصير إلى نور.
অজানা পৃষ্ঠা