ولسنا كذلك نسردها لنعود فيها إلى تلخيص القول في الخالق والمخلوقات ومكان الروح والحياة من تلك المخلوقات، فهذا بحث عرضنا له عند الكلام على وجود الله بما اتسع له المقام.
ولكننا نسردها ونكتفي بمجرد سردها؛ لأن مجرد السرد كاف لبيان إعجاز القرآن في وضع هذه المعضلة موضعها الصحيح بين معضلات الفلسفة الكبرى في جميع الأزمان.
فالرجل الأمي الذي تعلم من البادية كلها غاية علمها، أو تعلم من عصره كله غاية علمه، لا يتأتى له أن يبسط أمامه مشكلات العقل في حقائق القوة التي تقوم بها حياة الشخصية الإنسانية أو يقوم بها تفكيرها، ثم يحيط بما فيها من العقد وما يرد عليها من الأشكال والاستدراك، وما تنفرد به من المغلقات بين مسألة كالمسألة الإلهية أو كمسألة الوجود بجملته في السر والعلانية .
فإذا تتبع معضلة الروح إلى مداها، وعلم غاية ما يتاح للإنسان أن يستقصيه من حقيقتها، فما يعلم ذلك بوحي البادية أو بوحي القرن السادس أو السابع للميلاد، وإنما يعلمه بوحي من الله.
القدر
يظهر أن الإيمان بالقدر ملازم للإيمان بالمعبود منذ أقدم العصور.
فقبل الأديان الكتابية، وقبل الأديان الكبرى التي آمنت بها أمم الحضارة في العصور القديمة، كان الإنسان في جهالته الأولى يؤمن بالأرباب والأرواح ويعبدها؛ لأنها تتصرف في شئونه وتمنحه بعض ما يحب وتبتليه ببعض ما يكره، وتتدخل بإرادتها فيما يريد وما لا يريد.
فلم يكن في وسعه أن يجهل منذ أقدم القدم أنه محدود الحرية، مغلوب الإرادة، محتاج إلى رياضة القوى التي تحيط به وتملك إعطاءه ومنعه تارة بالقرابين والصلوات، وتارة بالرقى والتعاويذ.
ينتظر المطر فلا يسقط المطر، ويخرج إلى الصيد فيجده تارة على وفرة وتارة على نزارة، ولا يجده حيث ابتغاه تارات، فيعلم أنه خاضع لإرادة تقدر له نصيبه من النجاح والخيبة، ويعلم أن إرادته وحده ليست هي الشيء الوحيد فيما يشتهيه أو فيما يخشاه.
ذلك هو القدر في معناه الساذج القديم.
অজানা পৃষ্ঠা