ইংরেজি দর্শন শত বছরে (প্রথম অংশ)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
জনগুলি
مقدمة المترجم
مقدمة المؤلف (للطبعة الألمانية)
الباب الأول: المدارس الفكرية المتقدمة
1 - المدرسة الاسكتلندية
2 - المدرسة النفعية التجريبية
3 - المدرسة التطورية الطبيعية
تذييل للفصل الثالث
4 - الجماعات المهتمة بالفلسفة الدينية
الباب الثاني: المدارس الفكرية المتأخرة
1 - الحركة المثالية الجديدة
অজানা পৃষ্ঠা
مقدمة المترجم
مقدمة المؤلف (للطبعة الألمانية)
الباب الأول: المدارس الفكرية المتقدمة
1 - المدرسة الاسكتلندية
2 - المدرسة النفعية التجريبية
3 - المدرسة التطورية الطبيعية
تذييل للفصل الثالث
4 - الجماعات المهتمة بالفلسفة الدينية
الباب الثاني: المدارس الفكرية المتأخرة
1 - الحركة المثالية الجديدة
অজানা পৃষ্ঠা
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
تأليف
رودلف متس
ترجمة
فؤاد زكريا
مراجعة
زكي نجيب محمود
مقدمة المترجم
قد يبدو أن كتابا عن الفلسفة الإنجليزية، من تأليف كاتب ألماني، ليس أفضل الكتب التي يمكن أن تترجم في هذا الموضوع، غير أن هذا الازدواج ذاته من أهم ميزات هذا الكتاب؛ ذلك لأن مجرد كون مؤلف الكتاب ينتمي إلى بلد غير ذلك الذي كتب عنه، يتيح له النظر إلى الأمور بطريقة نقدية موضوعية يصعب أن تتوافر فيمن يكتب عن فلسفة بلاده هو؛ وذلك لأسباب واضحة؛ فالمؤلف هنا محايد لا ينتمي إلى أي مذهب من المذاهب التي يعرض لها، أو إلى أية مدرسة يؤرخ لها، فضلا عن أن السمات العامة للتفكير الإنجليزي تظهر له بوضوح أكثر مما يمكن أن تظهر به لواحد من ممثلي هذا التفكير ذاته، هذا من الناحية العامة، أما من الناحية الخاصة فإن للمؤلف علما غزيرا بموضوع الفلسفة الإنجليزية على التخصيص، بل إنا نستطيع أن نقول إنه كرس حياته كلها للتأريخ لها، فله أيضا كتاب بالألمانية عن حياة باركلي وتعاليمه
অজানা পৃষ্ঠা
G-Berkeley, Leben Und Lehre (شتوتجارت، مكتبة
Frommann
في سنة 1925) وآخر عن ديفد هيوم، حياته وفلسفته
D. Hume, Leben Und Philosophie (بنفس المكتبة، سنة 1925) وله قائمة بمراجع الفلسفة الإنجليزية بعنوان الفلسفة الإنجليزية الحالية
Englische Philosophy der Gegenwart
في سلسلة أبحاث في ميدان الفلسفة
Berichte aus dem Gebiele Der Philosophie
العدد 23، ومقال بالفرنسية بعنوان أصدقاء هيوم الفرنسيون وحركة الأفكار
Les amitiés françaises de Humeetle Mouvement des Idèes
في «مجلة الأدب المقارن
অজানা পৃষ্ঠা
Revue de Littérature comparée
1929» ص644-713، ومقال بالإنجليزية عن الاتجاهات الأخيرة في التفكير الأخلاقي
Recent Trends in Ethical thought
في مجلة
1939، العدد 14، ص299-312، ومن هذا الإنتاج الهام، المتخصص، يتضح لنا أن المؤلف أصلح من يكتب في هذا الموضوع.
وفضلا عن ذلك فإن الكتاب - كما يقول المؤلف في مقدمته - يمثل محاولة للتفاهم بين الألمان والإنجليز في وقت كان البلدان فيه أحوج ما يكونان إليه، ومن المؤكد أن حدس المؤلف في هذا الصدد كان صادقا، ولكن المحاولة - شأنها شأن محاولات أضخم بكثير في مجالات أخرى أهم - قد أخفقت، ونشبت الحرب العالمية الثانية في العام التالي لنشر الترجمة الإنجليزية لكتابه، وضيعت جزءا كبيرا من مجهوده؛ إذ إن إعادة التفاهم الثقافي بين البلدين قد استغرق وقتا طويلا، وعندما بدأت مظاهر هذا التفاهم تعود ثانية إلى الأفق كان الجو الفلسفي في إنجلترا قد تغير إلى حد بعيد، بحيث لم يعد الكتاب يعبر عن آخر الاتجاهات المعاصرة في التفكير الإنجليزي تعبيرا كاملا.
على أن محاولة المؤلف أن يكون موضوعيا تماما في بحثه للفلسفة الإنجليزية لم تكن في رأينا ناجحة كل النجاح، وما أظن أن أي مؤلف غيره كان قادرا على أن يحرز في هذا المضمار نجاحا أكبر مما أحرز؛ فرغم حرصه الشديد على النزاهة والموضوعية، يستطيع القارئ المدقق أن يلمس مظهرين للتحيز، يعبران دون شك عن ميول شخصية لا يستطيع أي كاتب أن يخفيها تماما مهما بذل في ذلك من جهد؛ الأول هو حرصه على إظهار أهمية تأثير الفلسفة الألمانية في الفكر الإنجليزي، والثاني هو ميله إلى الطريقة التأملية الخالصة في التفكير الفلسفي، وإلى تشييد المذاهب الفكرية الشاملة، في مقابل الطريقة الجزئية الواقعية في التفكير، والتماس الحلول الجزئية المدققة مع تجنب الإفراط في التعميم.
أما المظهر الأول - وهو حرصه على إظهار أهمية المفكرين الألمان - فيظهر أوضح ما يكون - بطبيعة الحال - في الفصل الخاص بالتفكير المثالي، ففي هذا الفصل حرص على تفنيد قضية «مويرهيد» وغيره، القائلة: إن بذور المثالية كانت موجودة في التفكير الإنجليزي على الدوام، واتجه همه إلى إثبات أن الحركة المثالية الجديدة كانت مستوردة تماما من ألمانيا، مع تكييفها بما يلائم الظروف المحلية بالطبع (انظر بوجه خاص صفحتي 530 و531 من الطبعة الإنجليزية). وقد يكون لرأيه هذا ما يبرره من الوجهة التاريخية ، غير أن المرء عندما يلاحظ تمجيده لشخص مثل «سترلنج» وتسميته إياه «رائدا» في الوقت الذي قضى فيه سترلنج الجزء الأكبر من حياته يحاول فهم فيلسوف ألماني هو هيجل، فإنه لا يملك إلا أن يشعر بتأثير اعتزاز المؤلف بفلسفته القومية الألمانية من جهة، وبوجود نوع (قد يكون لا شعوريا) من الحط من شأن الفلسفة الإنجليزية، حين يصبح أحد «روادها» مجرد شارح غير كامل لهيجل!
وأما الموضوع الثاني - وهو تمجيد الفكر التأملي على حساب الفكر التحليلي - فهو واضح في كل أجزاء الكتاب؛ إذ إن تحمس المؤلف كله إنما ينصب على من تميزوا «بالجرأة» من المفكرين الإنجليز، فتعالت شطحاتهم على التجربة، وأصدروا على الكون كله أحكاما عامة قطعية، دون أن يعبئوا على الإطلاق بتحقيق هذه الأحكام، ولقد قدم لنا المؤلف وصفا رائعا لرأيه في الفلاسفة التحليليين، الذين يهتمون بمشاكل جزئية ويدققون النظر فيها حتى تغيب عنهم الأمور الكلية تماما، في كلامه عن الفيلسوف، «برود
G. D. Broad » الذي اتخذه ممثلا لهذا «النمط» التحليلي في التفكير؛ ففي ص663 و664 (من الأصل الإنجليزي) وصف بديع، حافل بالسخرية الخفية، من هذا النمط من المفكرين، الذي ينافس الآلات في موضوعيته ودقته و«بروده»، وهو وصف يستحيل أن يصدر عن مفكر إنجليزي، بل يعبر بوضوح عن رأي العقلية الألمانية الصوفية في النزعة التحليلية الأنجلوسكسونية المعاصرة.
অজানা পৃষ্ঠা
وعلى أساس هذا الميل الطبيعي لدى المؤلف، اتخذت نبوءاته عن مستقبل الفلسفة الإنجليزية وجهة خاصة كانت في واقع الأمر تعبيرا عما يريده هو أن يكون، ولكنها جاءت مخالفة تماما للواقع، فبعد مضي ربع قرن على نشر الطبعة الإنجليزية لهذا الكتاب، نستطيع أن نقول إن نبوءته لم تتحقق على الإطلاق، فهو يأمل - في هامش ص536 (من الطبعة الإنجليزية) - أن يكون الاتجاه التحليلي الذي بدأ يظهر بقوة في ذلك الحين وعكة طارئة
a passing distemper ، ويرى في المذاهب التأملية عند «مورجان» وألكسندر دليلا على أن الفلسفة الإنجليزية بدأت تعود إلى مجال التحليق التأملي، وتتخلى عن اللاأدرية وعن النزعة التحليلية المفرطة التي كانت تبدو شائعة في ذلك الحين (انظر ص662 من الأصل الإنجليزي)، ومع ذلك فإن عكس هذه النبوءة هو الذي تحقق؛ إذ إن المفكرين التأمليين من أصحاب المذاهب، مثل ألكسندر وهويتهد، كانوا هم «الوعكة العارضة»، إذا تأملنا تاريخ الفلسفة الإنجليزية في مجموعه، واشتدت النزعة التحليلية قوة حتى أصبحت تسيطر على الدراسات الفلسفية في إنجلترا وأمريكا سيطرة شبه تامة، وأصبح كثير من الكتب الفلسفية يبدو - على حد التعبير الساخط للمؤلف - أشبه بكتب مدرسية في الرياضة، وهي كلها أمور كان المؤلف يتمنى في قرارة نفسه ألا تحدث.
وأخيرا، ينبغي أن ننبه القارئ إلى بعض العيوب التي يبدو أنه لم يكن من ظهورها في الكتاب بد، سواء في طبعته الإنجليزية وفي ترجمته العربية، فالكتاب يتوقف عند سنة 1928 على الأكثر، ومعنى ذلك أنه لا يقدم أي بيان عن اتجاهات هامة متعددة ظهرت بعد ذلك الحين، والأهم من ذلك أنه يتوقف بالفلاسفة أنفسهم عند سنة 1938، بحيث تجاهل الإنتاج اللاحق لأولئك الذين ظلوا منهم أحياء بعد ذلك، ولم يكن في وسعنا، ونحن نقوم بالترجمة العربية، أن نكمل هذا النقص إلا إذا تصرفنا في الكتاب على نحو يخل بطابعه الأصلي؛ لذلك تركنا كل شيء على ما هو عليه، فيما عدا بعض الملاحظات الهامشية البسيطة، ولا سيما ذكر تواريخ وفاة المؤلفين الذين توفوا فيما بين 1938 ووقتنا الحالي، حتى لا يظن القارئ أنهم ما زالوا أحياء، كذلك أضفنا بعض الشروح الموجزة لبعض المسائل التي افترض المؤلف في القارئ العلم بها مقدما، وقد لا تكون مألوفة لدى القارئ باللغة العربية، فضلا عن بعض الترجمات الموجزة لشخصيات ليست كبيرة حتى يعرفها كل قارئ في ميدان الفلسفة، ولم يرد لها شرح في النص أو في السياق، ولكن لا يفوتني هنا أن أوجه انتقادا عابرا إلى الناشرين الإنجليز الذين أعادوا طبع الكتاب سنة 1950؛ فصحيح أن من المستحسن في بعض الأحيان نشر الكتب الهامة دون إدخال تعديل عليها حتى رغم اقتضاء الظروف إدخال هذا التعديل، غير أن إضافة ملحق أو بعض الهوامش - وذلك على الأقل لإيضاح من بقي حيا أو من توفي من الفلاسفة الذين تناولهم الكتاب - لم يكن ليضيف الكثير إلى نفقات الطباعة، ولكنه كان على الأقل كفيلا بتجنيب القارئ صورة مشوهة لأحوال الفلسفة الإنجليزية سنة 1950، ومن المظاهر الغريبة أن هامش ص41 من الأصل الإنجليزي تضمن إشارة إلى كتاب «سيظهر قريبا» عن الفلسفة الاسكتلندية، ثم ظهر اسم الكتاب في ص779 على أنه صدر فعلا (سنة 1938)، ويزداد العجب إذا أدركنا أن هذا الكتاب الذي تحدث عنه الهامشان من تأليف أحد المترجمين الإنجليز الثلاثة للكتاب الأصلي، أي إن هذا المترجم كان يستطيع على الأقل التنبيه إلى هذا التضارب في الإشارة إلى كتابه، أو ينبه الناشر إلى تصحيحها في الطبعة التالية على الأقل.
ويشعر المرء بحاجة الكتاب إلى الاكتمال في حالة المفكرين المعاصرين، بوجه خاص (ومن هنا كان الأحكم دائما - في رأيي - ألا تؤلف كتب التواريخ الجامعة هذه إلا بعد وفاة الشخصيات التي تتحدث عنها، وبعدها بوقت كاف أيضا، حتى تكون كل المؤلفات المخلفة ذاتها قد نشرت)، ولنأخذ على سبيل المثال شخصية برتراند رسل. فمن المعروف أن كتابات رسل قد تضاعفت منذ سنة 1938، وصحيح أنه يكرر نفسه كثيرا، ولكن له أبحاثا هامة تظهر من حين لآخر، ولست أظن أن المرء يستطيع أن ينصف رسل إذا توقف في الحديث عنه عند سنة 1938، ويكفي أن يتصفح المرء قائمة مؤلفاته في سلسلة الفلاسفة الأحياء
Library of Living Philosophers
التي يشرف على نشرها «شيلب
A. Schilpp »، (وهى القائمة التي تجاوزها رسل بدورها) ليدرك مدى غزارة إنتاجه بعد هذا التاريخ. والأهم من ذلك أن وقائع حياته ذاتها قد طرأ عليها تغير حاسم، فموقف رسل الأخير من مشكلة نزع السلاح، وتكوينه «لجنة المائة»، وحرصه الدائم على محاربة أي نوع من الظلم يقع في أي طرف من أطراف الأرض، وسعيه الإيجابي في سبيل تحقيق هذا الهدف، كل هذا كفيل بأن يضيف إلى حياة رسل صفحة جديدة كل الجدة، تشرف الإنسانية بوجه عام، وتشرف الفلسفة على الأخص، وتحقق لها أملا كانت تحلم به منذ قرون عديدة؛ أمل الاشتراك إيجابيا في حل المشكلات السياسية والاجتماعية للإنسان، ففي رأيي أن كفاح رسل من أجل السلام ونزع السلاح، وكفاح «سارتر » من أجل نفس هذه الأهداف - فضلا عن قضية استقلال الجزائر - يمثل محاولة جدية لتحقيق حلم أعرب عنه أفلاطون منذ ما يقرب من خمسة وعشرين قرنا، وحاول أن يحققه حينئذ ولكن بطريقة ساذجة أدت إلى عكس النتائج المقصودة منه، وما هذا إلا مثل واحد - ولكنه مثل يستحق إشارة خاصة في هذه المقدمة - لحالة فيلسوف يستحيل إصدار حكم عليه من خلال ما أنجزه في أواسط حياته فقط.
وأخيرا، فقد بقيت كلمة موجزة عن المنهج الذي اتبعته في الترجمة العربية؛ ففي هذه الترجمة حاولت أن أوفق بقدر الإمكان بين مطلبين أساسيين: تسلسل لغة الترجمة، والاقتراب من النص (وتلك في الواقع هي المشكلة الكبرى في كل ترجمة!) وقد اقتضى الأمر إضافة ترجمات لمصطلحات متعددة ليست موجودة على صورة ثابتة في اللغة العربية، أو تغيير ترجمات شائعة أعتقد أنها غير سليمة، أو ترك بعض المصطلحات مع كتابتها بالحروف العربية في الحالات التي وجدت فيها ذلك أمرا لا مفر منه، وسيجد القارئ خلال النص ذاته ما يقدم لهذه التصرفات مبررات كافية.
فؤاد زكريا
القاهرة في سبتمبر 1963
অজানা পৃষ্ঠা
مقدمة المؤلف (للطبعة الألمانية)
يهدف هذا الكتاب إلى تقديم عرض لتطور الفلسفة الإنجليزية منذ حوالي منتصف القرن الماضي حتى اليوم، ومع ذلك فقد كان لزاما علي - لكي أضع أساسا للعرض الذي قدمته للفلسفة البريطانية المعاصرة بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة - أن أضمن كتابي أفكارا أقدم عهدا، وأن أبين جميع أوجه الارتباط التي تصل الحاضر بالماضي، لتكون منهما كلا متكاملا متماسكا إلى حد ما، وفي سبيل هذا الهدف الأخير كتبت الباب الأول من هذا الكتاب، وبذلك يكون هذا العرض للفلسفة الإنجليزية الحديثة قد جمعها في وحدة تاريخية كاملة الأطراف.
غير أن الموضوع الرئيسي الذي ينصب عليه الاهتمام في كتابي هذا يبدأ منذ الباب الثاني، ومن أجل هذا الموضوع بذل هذا الجهد الشاق؛ ذلك لأنه على حين أن المدارس الفكرية الأقدم عهدا قد حظيت بقسط كاف من الدراسة، وأصبحت سماتها الرئيسية معروفة للجميع، فإن الفترة المتأخرة لم تبحث قط بحثا شاملا، وكانت المؤلفات القليلة التي تناولتها إما مجرد جمع لمواد، أو بحوثا تقتصر على نواح جزئية منها، ولا تعدو أن تكون موجزات وتلخيصات غير دقيقة، وهكذا كان من الواجب - في هذا الميدان - بذل كل الجهد اللازم للإلمام الدقيق بالموضوع، وكانت مهمتي في هذا الصدد هي أن أستكشف أرضا جديدة في تاريخ الفلسفة، ولم تكن تقتصر على إبراز النسيج المعقد للفلسفة الإنجليزية في سياقها الخارجي، وإنما توخيت أيضا إيضاحها من باطنها، وتقديمها في صورة تتسم بالعمق مثلما تتسم بالاتساع؛ لذلك كان علي أن ألجأ مباشرة إلى المصادر الأصلية؛ فمنها وحدها كنت أستطيع استخلاص الملامح الصادقة للمفكرين ولموقعهم من المدارس الفكرية، ولهذه المدارس الفكرية ذاتها.
ومن الطبيعي أنني عندما أتحدث في هذا الكتاب عن «مدارس فكرية» فإني أعتمد على قدرتي في استبصار العلاقات بين الأفكار، غير أن الامتلاء الحي المتعدد الألوان، الذي يتبدى عليه التفكير الفلسفي لعصر من العصور وأمة من الأمم، لا يندرج بسهولة دائما في إطارات تاريخ الفلسفة، وكثيرا ما يتعارض مع هذا التقسيم الحاد إلى شيع ومذاهب محددة المعالم، وهو التقسيم الذي كان أثيرا لدى الباحثين وقتا ما، ولكنه أصبح اليوم مكروها إلى حد بعيد، ومع ذلك فإنه لا يسعنا - إذا شئنا ألا يضيع مؤلف كهذا الذي نقدمه وسط زحام الظواهر المتغيرة - أن نستغني تماما عن هذه التقسيمات؛ إذ إن اعتبارات النظام والاتساق تحتم وجودها، ولكن ينبغي ألا تكون هذه التقسيمات أكثر من علامات للإرشاد في أرض يبدو لأول وهلة أنها لا تنطوي على أي طريق محدد المعالم، ومحال أن تكون بديلا نستعيض به عن الوقائع الفعلية؛ فهي إشارات تحدد الاتجاه أمام السائح، وبهذه الصفة تكون معقولة وضرورية، ومن ثم فإني لا أعدها الموضوع الرئيسي الذي أهتم به في كتابي هذا، وإنما أراها مجرد عامل مساعد لا غناء عنه في البحث، ومن الجائز أن مفكرا أو آخر قد أدرج في فئة لا تنطبق عليه، بحيث يبدو ناشزا - جزئيا أو كليا - في المكان الذي وضع فيه، ولكن الواجب ألا يبالغ المرء في تقدير قيمة هذا النوع من الاعتراضات، إذا كنت قد نجحت في تقديم عرض صحيح للمفكر ومذهبه، وفي فهمه فهما سليما، ولهذا السبب كان اهتمامي بالمفكرين الأفراد أعظم من اهتمامي بالمدارس الفكرية، وكان اهتمامي بمشاكل الفكر أعظم من اهتمامي بالتقسيمات التي نعرف بها كنه هذه المشاكل، بل إن هدفي الأكبر كان تقديم عرض لمختلف الفلاسفة حسب الطابع الفردي الذي يتسم به كل منهم، وإبراز شخصياتهم، من حيث هم مفكرون، على أوضح نحو ممكن؛ ولهذا فسوف يعالج كل مفكر في موضع واحد فحسب، على حين أنني لو كنت قد استهدفت ترتيب بحثي على أساس الاتجاهات الفكرية لكان لزاما علي أن أتحدث عن المفكر الواحد في أكثر من موضع واحد، وقد يؤدي ذلك إلى تشويهات كثيرة، ولكن هذه نتيجة لا مفر منها إذا لم يفضل المذهب على الشخصية، والاتجاه الفكري على المفكر، والفئة على العرض الحي.
وربما بدا أن هناك شيئا من الخطورة في تتبع اتجاه الفكر الإنجليزي حتى يومنا هذا؛ إذ إن مثل هذا العمل لا يمارس من خلال ذلك المنظور البعيد الذي ينبغي توافره من أجل دراسة حركة لم تنته بعد أو مفكرين ما زالوا نشيطين في ميدان الإنتاج، ومن أجل تمييز الغث من السمين، والدائم من العابر، وأنا أدرك ذلك بكل وضوح، ولست أدعي لنفسي - حيثما كان علي أن أعالج مسائل معاصرة - تلك الدقة في الحكم التي نشترطها في المؤرخ عندما يكون بصدد مسائل طويت صفحتها، فهنا يظل الكثير في مرحلة التنظيم المؤقت والتقريب المحض لأمور سوف تبت فيها الأبحاث المقبلة بمزيد من الدقة، ولهذا السبب لم يكن في وسعي أن أضمن كتابي جميع الحركات التي نستطيع أن نلمح بوادرها الأولى في الفكر الإنجليزي، أو أي شيء لم يتخذ حتى الآن صورة محدودة المعالم، وفضلا عن ذلك فلم يكن هدفي هو الوصول إلى سجل جامع مانع؛ فهذا هدف يستحيل تنفيذه عمليا، بل إنه باطل نظريا؛ إذ تتمثل في عالم الأفكار عملية الانتقاء الطبيعي نفسها التي كشفت عبقرية دارون عن أهميتها الهائلة في عالم الطبيعة، فليس من واجب المؤرخ أن يحيي ما أخفق في الصمود في صراع الأفكار، فطواه الموت والنسيان، لمجرد كونه قد وجد ذات مرة، أما ما صمد في معركة البقاء، فلا يكاد المرء يجد فيه ما يستطيع الإغضاء عنه، وهنا أيضا طبق مبدأ الانتقاء، إذ عرضت الشخصيات الكبرى في الفلسفة بإسهاب يزيد كثيرا على ذلك الذي عرضت به الشخصيات الثانوية، وإلى هذا الحد يمكن أن يعد اتساع نطاق العرض أو ضيقه - بمعنى ما - علامة على القيمة الباطنة للمفكر، ولكن لا يجوز تفسيره على أنه يحدد بشكل مباشر مكانة المفكر في سلم القيم.
وقد يتساءل المرء: ما معنى وما جدوى الاضطلاع بمثل هذه المهمة في وقت يتزايد فيه على الدوام إصرار الأمم على إغلاق أبوابها على أنفسها في وجه الأخريات، ويتزايد فيه التفاهم المتبادل صعوبة على الدوام؟ وما قيمة الفلسفة الإنجليزية لنا معشر الألمان اليوم؟ وما الذي نستطيع تعلمه منها؟ ولأي الأغراض المفيدة ينبغي أن نهتم بها؟ إن من المحتم علينا اليوم أن نواجه هذا السؤال ذا الطابع العملي المفرط، الذي كان جيل آبائنا خليقا بأن يعده غير متسق مع معنى البحث الأصيل وهدفه، فهذا السؤال متعلق بالسياسة أو بالسياسة والثقافة، ومن ثم فليس في وسعنا في الحالة الحاضرة أن نطرحه جانبا على أساس أنه مقتصر على مجرد التمتع بصورة الفكر الإنجليزي كما تعرض ها هنا، أو بزيادة أو إكمال معرفتنا بالموضوعات التي يفكر فيها أولئك الذين يفصلهم عنا القنال الإنجليزي (بحر المانش)، فهناك أولا حقيقة هامة هي أن الأحوال الحاضرة لا يمكن أن تظل قائمة على الدوام، وفضلا عن ذلك «يبدو من الضروري» - نظرا إلى الأحوال السياسية الحاضرة - أن تقام بيننا من الناحية الروحية تلك الجسور التي تعذر علينا إقامتها من الناحية السياسية، فنحن في هذه الأيام أحوج ما نكون إلى الاهتمام بكل ما يقرب بين الأمم ويساعدها على التفاهم المتبادل، ولا سيما إذا كان الأمر متعلقا بأمتين متقاربتين عرقيا كالإنجليز والألمان، فمن الواجب أن يكون هدفنا هو تقوية أواصر التفاهم وزيادته حيثما بدا ذلك ممكنا، وقد اضطلعت بمهمتي هذه وفي ذهني هدف صريح هو أن أقرب بين أذهان الأمتين وأشجع على تفاهمهما المتبادل؛ لذلك فإني أتوجه بندائي إلى الفلاسفة المحترفين، لا في ألمانيا فحسب، بل في إنجلترا وأمريكا أيضا، سائلا إياهم أن يتعاونوا من أجل تحقيق الأهداف الثقافية والسياسية التي ألف من أجلها هذا الكتاب، ورغم أن شعوري بأن ضيق نطاق دائرة قرائي - وهو أمر تحتمه طبيعة الموضوع - لا يمكنني إلا من المساهمة بنصيب محدود في سبيل تحقيق هذا الهدف، فإني مع ذلك أرى أن إمكان تحقيق هدفي هذا هو المشجع لي على الاضطلاع بهذه المهمة، والمبرر لقيامي بها.
وأخيرا، ينبغي أن أذكر أنه كان من حسن حظي أن أكون علاقات شخصية مع عدد كبير من الفلاسفة الإنجليز، ومنهم بوجه خاص كثير من الذين تناولهم هذا الكتاب، وقد أتيحت لي فرصة ذهبية لتحقيق هذا الهدف في مؤتمر الفلسفة الدولي السابع، الذي انعقد في أكسفورد في سبتمبر 1930، وخلال تلك الفترة الطويلة التي أقمتها في إنجلترا بمناسبة هذا المؤتمر، والواقع أن ما اكتسبته بالاتصال الشخصي والتبادل المباشر للأفكار كان أكبر قيمة في كثير من الأحيان من دراسة طويلة للكتب؛ فإلى جميع أولئك الذين عاونوني على هذا النحو، أود الآن أن أقدم آيات العرفان، وأخص منهم بالذكر صديقي ر. أ. آرون أستاذ الفلسفة في كلية ويلز الجامعية في آبريستويث والأستاذ «ت. أ. جيسوب» بكلية «هل» الجامعية، والمرحوم الدكتور «ف. ك. س. شيلر» بكلية «كوربوس كريستي» في أكسفورد؛ فقد ساهموا بالكثير في هذا الكتاب بما قدموه من معونة لم يكونوا يضنون بها علي في أي وقت، وبنصائحهم القيمة وتشجيعهم الدائم. وأخيرا - ولكن ليس آخرا - أود أن أشكر زوجتي على عطفها الحنون وتشجيعها الدائم وتعاونها الفعال خلال السنوات التي قضيتها في إعداد هذا الكتاب. وينبغي في الختام أن أذكر أن «جمعية مساعدة العلوم الألمانية» قد قدمت الأساس المادي لظهور هذا الكتاب بتبرع سخي من أجل سداد تكاليف الطباعة؛ فإليها يزجي المؤلف والناشر كل ما هي جديرة به من الشكر.
رودلف متس
هيدلبرج
نوفمبر 1934
অজানা পৃষ্ঠা
الباب الأول
المدارس الفكرية المتقدمة
القرن التاسع عشر
الفصل الأول
المدرسة الاسكتلندية
سميت المدرسة الفكرية التي أسسها «توماس ريد
Thomas Reid » (1710-1796)، في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، باسم المدرسة الاسكتلندية، تبعا للموقع الجغرافي للمنطقة التي ظهرت فيها، وموطن ممثليها البارزين، أما بالنسبة إلى محتوى تعاليمها، فيطلق عليها عادة اسم «فلسفة الموقف الطبيعي
»
1
وهي تكون اتجاها متفرعا عن المذهب التجريبي الإنجليزي، وإن كانت قد نشأت عن المعارضة الواعية لمدرسة الفكر التجريبي التي يمثلها باركلي وهيوم، وقد استمدت هذه الفلسفة مادتها الفكرية من الموضوعات الرئيسية والمشاكل التي عالجتها المدرسة التجريبية، وهي المدرسة التي أخذت على عاتقها محاربتها وتفنيدها، غير أنها لم تتمكن من القضاء على هذه الموضوعات الرئيسية والمشاكل من الداخل، ولا من إضافة مادة فكرية جديدة إليها من الخارج، وإنما اكتفت باستعراض وتشويه المشكلات التقليدية وحلولها، وإن لم تتجاوز قط نطاق النتائج التي بلغتها الفلسفة الإنجليزية في عصرها الكلاسيكي، فهذه المدرسة لم تتخل عن الاتجاه الفكري السابق، وإنما انحرفت عنه ودفعته إلى طريق جانبي، وتعد أهميتها المذهبية أقل كثيرا من الأعمال الكلاسيكية الكبرى في الفلسفة الإنجليزية، وهي الأعمال التي ترتبط بها ارتباطا وثيقا، ولا يمكن فهمها بدونها، وهي في عودتها إلى الفهم البشري السليم تنطوي على تراخ في الحماسة الفلسفية، وتدهور في تلك القوة التأملية النظرية التي نبعت منها تلك الصدمة الهائلة التي حفزت هيوم إلى التفكير، فلم تكن تلك المدرسة كفؤا لعظمة الموقف التاريخي الذي وجدت نفسها فيه، وإنما كانت عاجزة عن التصرف بكفاءة في التركة التي خلفها لها هيوم. وهكذا لم يسفر الصراع الباسل الذي قام به ريد ضد هيوم عن انتصار فعلي له على خصمه، ولم يكن الرد الذي أتى به على التحدي الشكاك من جانب هيوم معينا للتفكير الفلسفي، وإنما انتهى به إلى طريق مسدود؛ فقد استيقظ ريد - مثل كانت - من سباته القطعي بفضل هيوم، غير أن المفكر الألماني هو وحده الذي تمكن من أن يحول التأثير الهائل الذي أحس به الاثنان إلى نتيجة مثمرة، ويتجه به إلى حركة فكرية جديدة ضخمة، أما ريد وزملاؤه فلم يدخلوا على الفكر تجديدا خلاقا، وظلوا خلفاء مغمورين لمفكرين عظماء، ولم يسهموا في الفكر بنصيب ملحوظ.
অজানা পৃষ্ঠা
ومع ذلك فإن التأثير التاريخي للمدرسة الاسكتلندية وانتشارها لم يكن بالأمر القليل الأهمية، فقد توطدت دعائم مذهب ريد في الجامعة الاسكتلندية، واستقر فيها كأنه نوع من المذهب المدرسي، وظل على الدوام يجتذب أتباعا جددا إلى دائرة نفوذه، كما عبر البحر إلى فرنسا، حيث كان هو القوة الملهمة لكثير من المفكرين الذين خلفوا «مين دي بيران
Maine de Biran » (مثل روايية كولار
Royer-Collard ، وكوزان
Cousin ، وجوفروا
Jouffroy ، وجارنييه
Garnier ، وداميرون
Damiron
ودي ريموزا
De Rémusat ، وغيرهم)،
2
অজানা পৃষ্ঠা
وفي أمريكا استمر تراثها حيا بفضل ج. مكوش
J. M’ Coch (انظر فيما بعد [الباب الأول: المدارس الفكرية المتقدمة - الفصل الثاني: المدرسة النفعية التجريبية]) ونوح بورتر
Noah Porter
وغيرهما، فهذه المدرسة تمثل أول حالة تصادف فيها مدرسة حقيقية للتعليم الفلسفي في تاريخ الفكر الإنجليزي باستثناء المدرسة المسماة بمدرسة كيمبردج، والتي تبلور فيها بعث التعاليم الأفلاطونية في القرن الثامن عشر، ولأول مرة نرى مذهبا فكريا موحدا وقد أدمج في المناهج الأكاديمية، وظل طوال عشرات طويلة من السنين يمثل ويعلم ويوسع بفضل تعاون مجموعة غير قليلة من الأتباع، وكان للمدرسة التي أسسها ريد في اسكتلندا مقابلها في إنجلترا، حيث ظهرت مدرسة هامة تركزت حول بنتام
Bantham ، وظل الاثنان يتنافسان طويلا، وتركزت حولهما معظم الطاقات الفلسفية الموجودة في ذلك الحين.
ولا يدخل التاريخ المبكر للفلسفة الاسكتلندية في نطاق هذا الكتاب، ومن ثم فليس في وسعنا هنا إلا أن نقدم مجملا سريعا لمراحلها الرئيسية، فقد انتقلت زعامة المدرسة - حتى قبل وفاة ريد - إلى دوجالد ستيوارت
Dugald Stewart (1753-1828)، وهو أقدر تلاميذه الأولين، وكان ستيوارت معلما أكاديميا لامعا، كان لمحاضراته البليغة الأسلوب تأثير تعليمي عظيم في الجيل الاسكتلندي الناشئ عندئذ، وقد شغل منذ 1785 حتى 1810 كرسي الفلسفة الأخلاقية في جامعة إدنبرة، التي كانت هي المركز الروحي للفلسفة الاسكتلندية طوال أجيال عديدة، وتتلمذ على يديه شبان كثيرون قدر لهم فيما بعد أن يبلغوا أوج الشهرة في ميادين عظيمة التباين في الحياة السياسية والعقلية، فكان منهم شخصيات ضخمة مثل السير وولتر سكوت
Sir Walter Scott ، ورئيسا وزراء مقبلان هما بالمرستون
ورسل
Russell ، وقد اقتفى - في النقاط الرئيسية لمذهبه - أثر ريد، ولم يختلف معه إلا في بعض المسائل الجزئية، وانحصرت مساهمته الوحيدة في الميدان النظري في محاولته وضع تعاليم أستاذه في صورة مذهبية أدق، وتطبيقها على نطاق أوسع، وكان رجلا ذا ثقافة عقلية رفيعة، عرف كيف يضع أفكار ريد الجافة المصوغة بعبارات جامدة في قالب أدبي زاه مصقول، ولكن من الأمور الجديرة بالملاحظة أن ستيوارت - الذي كان في ذلك الحين أقوى شخصية قادرة على إذاعة الثقافة الفلسفية في بريطانيا - لم يكن متنبها على الإطلاق إلى التقدم العظيم الذي طرأ على الفلسفة الألمانية أثناء حياته، وعلى أية حال فقد كان ستيوارت من بعد ريد هو الممثل الأكاديمي الرئيسي للمذهب الاسكتلندي، وقد حمل لواء تراثه حتى القرن التاسع عشر، وكان ممثلا له من القوة والتأثير ما جعل هذا المذهب يظل صامدا حتى انعقد لبنتام لواء الزعامة في ميدان الفلسفة.
অজানা পৃষ্ঠা
ويرتبط توماس براون
Thomas Brown (1778-1820) - تلميذ ستيوارت وخليفته في إدنبرة - بالمدرسة الاسكتلندية ارتباطا وثيقا، وإن لم يكن قد قبل جميع أفكارها، ويمثل موقفه الفلسفي نوعا من التوفيق بين الاتجاهات الترابطية في المذهب التجريبي الأقدم عهدا، وبين الآراء الحدسية عند ريد، وهو بذلك يمثل معبرا بين فلسفة الموقف الطبيعي (الإدراك المشترك) وبين المذهب التجريبي المتأخر، وبالتالي المذاهب النفسية لدى جون وجيمس مل، وبين
Bain
وسبنسر، وكانت أهم مساهماته في ميدان الفلسفة جهوده في مشكلتي الإدراك الحسي والعلية، وهي جهود أدت أحيانا إلى اتخاذه موقفا معارضا بعنف لموقف ريد؛ فعلى الرغم من أنه التزم الافتراض القائل بوجود مبادئ اعتقادية حدسية معينة، فإنه ازداد اقترابا من آراء المذهب الحسي فيما يتعلق بمشكلة الإدراك الحسي، ومن آراء هيوم فيما يتعلق بالعلية، مع رفضه النتائج الشكاكة التي انتهى إليها هيوم. وقد تناول المشكلة الأخيرة في مؤلف شامل خاض فيه مناقشة نقدية مع هيوم، وقد ظهرت الطبعة الأولى لهذا المؤلف عام 1805، وظهرت طبعته الثالثة، التي زيدت زيادة كبيرة في 1817، بعنوان: «بحث في العلاقة بين العلة والمعلول
An Inquiry Into the Relation of Cause and Effect .
وكان براون مفكرا أقوى بكثير من ستيوارت، وكانت لديه ملكات نقدية سليمة، وقد أبدى - منذ ذلك الوقت المبكر - اهتماما ب «كانت» وكتب عن فلسفته أول الأبحاث التي ظهرت بالإنجليزية (وقد نشر في المجلد الأول من «مجلة إدنبرة
Edinburgh Review »، في 1802، وكان - مثل ستيوارت - معلما فلسفيا مبجلا ناجحا، وإلى هذه الصفة يرجع - في المحل الأول - ذلك النجاح الأدبي غير العادي الذي أحرزته محاضراته في إدنبرة، وقد نشرت هذه المحاضرات بعد وقت قليل من وفاته السابقة للأوان بعنوان: محاضرات في فلسفة الذهن البشري
Lectures on the Phil of the Human Mind (1820)، وطبعت، في مدى ثلاثين عاما، ما لا يقل عن تسع عشرة طبعة.
أما السير جيمس ماكنتوش
Sir James Mackintosh (1765-1832) فكانت علاقته بأفكار المدرسة الاسكتلندية أقل وثوقا، ولقد أحرز - بوصفه سياسيا ومؤرخا - شهرة تفوق شهرته بوصفه فيلسوفا. والمؤلف الوحيد الذي يستحق من أجله أن يذكر هنا هو: «بحث في تقدم الفلسفة الأخلاقية، ولا سيما في القرنين 17، 18
অজানা পৃষ্ঠা
Dissertation on the Progress of Ethical Philosophy Chiefly during the XVII and XVII Centuries
وقد نشر لأول مرة في 1830، بوصفه مقدمة للطبعة الرابعة من «دائرة المعارف البريطانية»، وسرعان ما انتشر على نطاق واسع (فطبعت منه عشر طبعات حتى 1870)، وقد اجتذب عند ظهوره اهتماما عظيما، وحفز جيمس مل
James Mill
على أن يقدم ردا قاسيا عليه «كلمة عن ماكنتوش
A Fragment on Mackintosh » (1835).
في هذا البحث، الذي قدم فيه ماكنتوش رأيا جامعا شاملا عن المذاهب الأخلاقية في القرنين السابقين، حاول القيام بنوع من التوفيق بين مذهب المنفعة والمذهب الحدسي في الأخلاق، ولم يرفض فيه مبدأ المنفعة، ولكنه أزاحه عن مركز الصدارة، وجعل السلوك الأخلاقي يرتكز على الضمير والتعاطف أكثر مما يرتكز على الطابع المفيد لهذا السلوك.
كل هؤلاء المفكرين ومجموعة أخرى غيرهم ممن استحقت أسماؤهم أن تطوى منذ وقت طويل في زوايا النسيان
3
قد طغت عليهم جميعا شخصية مفكر أهم وأعمق بكثير، هو السير وليام هاملتن
Sir William Hamilton (1788-1856)، فقد أكسب هاملتن الفلسفة الاسكتلندية قوة دافعة جديدة، وإليه يرجع الفضل الأول في عودة مكانها إلى العلو مرة ثانية، وتفوقها على جميع المدارس الفلسفية الأخرى، وقد دام لها هذا الامتياز من حوالي سنة 1830 إلى حوالي سنة 1860. وقد شغل هاملتن منذ 1836 حتى وفاته كرسي المنطق والميتافيزيقا بجامعة إدنبرة، وكان اسمه وشهرته قد ذاعا في الفلسفة، حتى قبل تعيينه، بفضل مساهماته العديدة في «مجلة إدنبرة»، وامتدت شهرته خارج حدود اسكتلندا، بل لقد وصلت إلى داخل القارة الأوروبية ذاتها، وهناك ثلاثة من مؤلفاته كانت لها أهمية خاصة؛ إذ إنها تحوي أهم أفكاره، واجتذبت أعظم الاهتمام من معاصريه، وهي: كتابات كوزان وفلسفته في المطلق اللامشروط
অজানা পৃষ্ঠা
Cousin’s Writings & Philosophy of The Unconditional » (1829)، وكتابات براون وفلسفته في الإدراك الحسي
Brown’s Writings & Philosophy of Perception (1830). والمنطق
Logic (1833)، وقد عرض في البحث الأول المبادئ الرئيسية للميتافيزيقا، وفي الثاني المبادئ الرئيسية لنظرية المعرفة، وفي الثالث المنطق، ثم أعيد طبع هذه الأبحاث في كتابه: «مناقشات في الفلسفة والأدب والتعليم والإصلاح الجامعي
Discussions on Phil. and Literature, Eduction & University Reform » (1852). وكان من المعالم البارزة في تاريخ المدرسة الاسكتلندية، طبعته لمؤلفات ريد (التي بدأت في 1846، وتمت 1863)، مع شروح دقيقة واستطرادات وملاحظات عديدة تجلى فيها علم هاملتن الغزير، ثم ظهرت بعد ذلك طبعة لمؤلفات دوجالد ستيوارت (في أحد عشر مجلدا، 1854-1858)، وقد استنفد هذا الجهد الجزء الأكبر من نشاط هاملتن التأليفي، بالإضافة إلى كتابه: «محاضرات في الميتافيزيقا والمنطق
Lectures on Metaphysics & Logic » وهو كتاب لم يتمكن هو ذاته من إعداده للطبع، ونشره بعد وفاته تلميذاه مانسل
Mansel
وفيتش
Veitch (في أربعة مجلدات، 1858-1860).
وعلى يد هاملتن، دخلت الفلسفة الاسكتلندية المرحلة الأخيرة من تطورها؛ إذ بدأت معه عملية الانحلال الباطن والانتقال إلى وجهات فكرية أخرى، غير أن أينع ثمار هذه الفلسفة لم تقطف إلا قبل النهاية مباشرة، عندما بلغت شهرتها أقصى مداها، وعبرت عن نفسها أدق تعبير أكاديمي، وحققت أعظم أعمالها في ميدان النقد والتأمل النظري، ولكنها لم تبلغ هذا المدى بفضل مواردها الخاصة، وإنما عن طريق توسيع نطاق مشاكلها وإدخال أفكار جديدة. ويرجع الفضل في هذه الإضافة إلى علم هاملتن الغزير، فقد كانت قراءاته في الفلسفة وغيرها من الفروع تفوق بكثير قراءات جميع المفكرين الإنجليز السابقين عليه، وكانت مستمدة من مصادر متنوعة، أهمها الفلسفة الألمانية التي كان الإنجليز قد اكتشفوها حديثا في ذلك الحين. وسنوضح فيما بعد كيف تأثر هاملتن إيجابيا بفلسفة كانت، وسلبيا بالفلسفة التالية لكانت، وحسبنا الآن أن نقول: إن فتح آفاق جديدة - عن طريق الأخذ بأفكار كانتية في المحل الأول - كان يعني زعزعة الكيان الأصلي للمدرسة الاسكتلندية، أي إن قيام هاملتن بتوسيع نطاق المذهب الاسكتلندي وتعميقه، قد تحقق على حساب بقاء هذا المذهب نقيا.
ولنضرب مثلا يوضح ذلك بإيجاز، فقد ظهرت فلسفة ريد من خلال معارضته للنظرية الظاهرية
অজানা পৃষ্ঠা
للمعرفة في المذهب التجريبي الأقدم عهدا، ولا سيما النتائج الشكاكة التي استخلصها هيوم منها، فعندما نعرف العالم الخارجي، يكشف لنا التحليل عن الفعل الذهني من جهة، وعن الموضوع الحقيقي من جهة أخرى، ويكون الموضوع - بما هو خارجي - حاضرا مباشرة في الإدراك الحسي، ولا يحتاج إلى صورة أو تمثلات معترضة تتوسط بيننا وبين حقيقة الأشياء الخارجية، وعلى ذلك فإن ريد يرفض ما يسمى بالنظرية التمثيلية
Representative
في الإدراك الحسي أو المعرفة، ويرفض جهاز التمثلات بأسره (من أفكار وانطباعات)؛ ذلك لأن معرفتنا للأشياء الخارجية على نحو مباشر في الإدراك الحسي، هي أحد المبادئ الأساسية للفهم البشري السليم، وهو مبدأ نوقن به حدسيا، ولا مجال لدينا للشك في حقيقته، وبالمثل يبدأ هاملتن بقبول «الواقعية الطبيعية
Natural realism » التي تضمنتها نظرية المعرفة عند ريد، غير أن مذهبه يتضمن منذ البداية تقدما هاما بالنسبة إلى ريد؛ إذ هو لا يحاول بلوغ هذه النتيجة بالإهابة بالفهم السليم لذهن الإنسان العادي فحسب، وإنما عن طريق التحليل النقدي لعملية المعرفة أيضا، وهو في رفضه الصريح لهذه الإهابة يعود ثانية إلى أرض البحث الفلسفي الحقيقي. وهكذا أحل النقدية الكانتية محل قطعية ريد، غير أن هذا ينطوي على تغيير في وضع المشكلة، فمشكلة المعرفة لا تحل بمجرد تأكيدنا أننا نشعر «مباشرة» بالواقع المادي على أنه شيء مختلف عنا أو عن أحوالنا الذهنية، والقول بأن الموضوع بما هو كذلك ماثل في الوعي، هذا القول إذا ما نظر إليه على أنه يعني أن وجود الموضوع ينبغي أن يكون في هوية مع الصفة أو الكيفية المجربة، لكان من الواضح أن هذا الشرط لا يتوافر في حالات كثيرة؛ ولذلك كنا في حاجة إلى اختبار نقدي دقيق لمفهوم الحضور المباشر
Immediacy ، ومثل هذا الاختبار كفيل بأن ينبئنا مثلا بأن كل معرفة عن طريق التذكر لا يمكن أن تكون مباشرة على نفس النحو الذي تكون عليه المعرفة الآتية من الإدراك الحسي مباشرة؛ إذ إن الموضوع الذي مضى لا يعود ماثلا، والذي يكون ماثلا مباشرة في هذه الحالة إنما هو صورة متذكرة نستخلص منها استدلالات عن الشيء الذي كان ماثلا من قبل، وعلى ذلك فالمعرفة المباشرة لا تكون ممكنة إلا في حالة الإدراك الحسي، ولكن حتى في هذه الحالة يكشف لنا تحليل هاملتن النقدي عن استحالة الإبقاء على فكرة «المباشرة» في صورتها الساذجة في كثير من الأحيان؛ لذلك رأى نفسه مضطرا إلى التحول عن نظرية الموقف الطبيعي
Common-Sense
الأصلية بمقدار لا يقل عن مقدار تحوله عن النظريات الظاهرية
التي وجهت ضدها نظرية الموقف الطبيعي، والنتيجة النهائية هي أن كل ما يمكننا أن نعرفه عن العالم الخارجي ليس إلا محتويات للوعي، وأن الوعي بالتالي هو الدليل الوحيد الموثوق به، على وجود الأشياء الخارجية، وبهذا لا يبقى من واقعية ريد الطبيعية سوى مجرد معرفتنا أن الوعي لا يكشف عن الأنا وأفعاله النفسية فحسب، بل يكشف أيضا عن اللاأنا وعلاقاته بالأنا، ولكن هذا يعني أن نظرية الموقف الطبيعي التي وضعها ريد لتكون حائلا دون النزعة الذاتية والنزعة الشكية، قد تغيرت على يد هاملتن إلى حد أنها عادت إلى الرأي القائل بأن معرفتنا الحقة لا يمكنها أن تمتد إلى ما وراء الظواهر العابرة للوعي، وهكذا عادت الواقعية الطبيعية القهقرى إلى نفس المذهب الظاهري الذي لم تظهر أصلا إلا لتفنيده.
ومن الواضح أن هذه الحجج قد استمدت من كانت أكثر مما استمدت من باركلي أو هيوم، ومن ثم فإنها لا تمثل مجرد رجوع إلى النظريات التي حاربها ريد، وإنما تمثل تقدما عليها، وانتقالا إلى النظرية النقدية للمعرفة كما قال بها ذلك المفكر الألماني، ويتضح ذلك إذا أدركنا أن مبدأ النسبية يرتبط عند هاملتن بنظرية الإدراك الحسي، وأن هذا المبدأ هو ذاته محور ارتكاز فلسفته بأسرها. ويتلخص موقفه العام في نظرية الإدراك الحسي في القول بأننا ندرك مباشرة في وعينا الكيفيات الأولى للأشياء على الأقل، وأن لنا الحق في القول إنها توجد على نحو ما ندركها حسيا، وإلى هذا الحد تكون معرفتنا للأشياء الخارجية مباشرة حاضرة، لا توسط فيها ولا إنابة، غير أن المبدأ الأساسي القائل بنسبية المعرفة ينطوي على القول بأننا لا نعرف شيئا كما هو في ذاته، وأننا بالتالي نقتصر على معرفة الظواهر، وأن الأشياء في ذاتها مختفية عنا، وواضح أن بين الاثنين تناقضا لا يرفع، ومع ذلك، فإن النظر في الأمر يبين أن نظرية الإدراك الحسي هي التي ينبغي أن تفسر في ضوء مبدأ النسبية، لا العكس؛ ذلك لأنه يتضح آخر الأمر أن الكيفيات الأولى التي نعرفها مباشرة، والتي تشهد بوجود عالم مستقل عن الوعي، لا تعدو أن تكون ظواهر، وهذا معناه أنها نسبية متوقفة على قدراتنا في المعرفة، وأن هذه تعدلها على نطاق واسع، وبالتالي فإن هذه الكيفيات عاجزة عن إظهار الواقع في ذاته. وهكذا ينتهي مذهب هاملتن آخر الأمر إلى الموقف القائل بأن العالم الخارجي، من حيث هو عالم قابل للمعرفة، لا يوجد مستقلا عن الذات العارفة.
ولهذه النظرية نتائج تؤدي إلى اللاأدرية، التي تقترب في نواح عديدة من المذهب الكانتي، أو على الأصح من التفسير السائد لتعاليم كانت، وهو التفسير الذي يهتم أكثر مما ينبغي بالعناصر الظاهرية
অজানা পৃষ্ঠা
في نقد كانت للمعرفة، ويتجاهل النتائج الميتافيزيقية التي ينطوي عليها، كما تؤدي هذه النظرية إلى رفض كل ميتافيزيقا، وإلى التخلي عن أي نوع من المعرفة النظرية للمطلق، أو على حد تعبير هاملتن في بحثه المشهور الصادر في 1829، إلى رفض كل «فلسفة اللامشروط»، غير أن هذا لا يرتبط عند هاملتن بعدم المبالاة بالمعتقدات الدينية أو العداء لها، كما هي الحال عند سبنسر وهكسلي وغيرهما، بل إنه ينطوي لديه على تأكيد أقوى لهذه المعتقدات، وهكذا فإن العقائد التي تعجز أمامها معرفتنا ، والتي هي عند هاملتن نهاية كل فلسفة، هي أيضا بداية اللاهوت، وعندما يهيب هاملتن بالذهن أن يلتزم حدوده، فإنه يحاول إعطاء الإيمان حقوقه الصحيحة، وهو إيمان يعتقد أن موضوعه الصحيح هو ذلك الذي يكون بطبيعته غير قابل للفهم، وهكذا فطالما كانت الفلسفة تلتزم حدودها وترفض الادعاءات الغريرة للعقل بأن لديه معرفة مطلقة، فإنها تعد في رأيه المبرر الحقيقي للدين.
على أن مذهب هاملتن - الذي لا نستطيع هنا أن نمضي فيه أبعد من ذلك - يعاني من انعدام الاتساق الناجم عن محاولة إيجاد حل مشترك بين نظريتين بينهما من الاختلاف بقدر ما بين نظريتي ريد وكانت، ونتيجة ذلك أنه - من جهة - يزيف إلى حد بعيد النوايا الأصلية لريد، ويفسر معاني كانت - من جهة أخرى - تفسيرا متحيزا إلى أبعد حد. وهكذا كانت فلسفته في مجموعها محاولة للتوفيق لا تنصف أيا من الطرفين، وبالتالي فهي تكشف عن ضعفها الباطن، ومع ذلك فليس لهذا تأثير في الأهمية التاريخية لفلسفة هاملتن وفي الأثر الذي أحدثته؛ فقد كان له - مع كل هذا - الفضل الأكبر في أنه كان أول فيلسوف أكاديمي مرموق يفتح ذهنه لتأثير الأفكار الألمانية، وبالتالي يخطو خطوة حاسمة نحو إنهاء عزلة الفكر الإنجليزي. وتزداد أهمية هذه الخطوة إذا أدركنا أنها تمت على يد رجل كانت له خلال العقدين اللذين قضاهما في التدريس في إدنبرة مكانة في ميدان الفلسفة تفوق مكانة أي من معاصريه، فقد كان هاملتن - بوصفه زعيما للمدرسة الاسكتلندية - أشبه بديكتاتور فلسفي لا تقف سلطته عند حدود دائرته الخاصة، ويتبعه تلاميذه اتباعا أعمى، ويتمتع باحترام عظيم في أوساط تبعد كثيرا عن حدود مدرسته، وقد ظل طوال حياته محتفظا بشهرته على ما هي عليه تقريبا، ولم يظهر أي منافس حقيقي له على النفوذ والسيطرة، ولم يكن أحد يجرؤ على مهاجمته، إلى أن بدأ الهجوم على مذهبه من جهتين، بعد تسع سنوات من وفاته، وقد أتى أشهر هذين الهجومين من جانب جون ستيوارت مل، باسم المذهب التجريبي، ولقد أدى نقد مل لهاملتن، المتضمن في كتابه «اختبار لفلسفة السير وليام هاملتن
An Examination of William Hamilton’s Philosophy » (1865) وهو نقد كان شاملا، ولكنه كان من نواح عديدة جائرا ومبنيا على سوء فهم، أدى هذا النقد إلى النيل من مهابة الفلسفة الاسكتلندية، وإلى الإضرار بسمعتها إلى حد أن حيويتها قد ظلت هابطة منذ ذلك الحين، وأصبحت مهددة بالزوال. أما الهجوم الثاني، الذي أسهم في تحقيق هذه النتيجة، فقد حدث في نفس العام، ومن مصدر مختلف تماما؛ ذلك لأن السير جون هتشسون سترلنج
John Hutchison Stirling ، الذي يمكن أن يقال عنه إنه أتى بالهيجلية إلى إنجلترا، قد هاجم هاملتن، معلنا احتجاجه على موقفه السلبي من المذاهب الكبرى التالية لكانت، وذلك في كتاب له تأثير هائل، هو: «سر هيجل
the Secret of Hegel »، وفي كتاب مستقل هو: «السير وليام هاملتن، أو فلسفة الإدراك الحسي
Sir William Hamilton, Being the Philosophy of Perception » (ظهر الكتابان سنة 1865)، وهكذا فإن الحركة المثالية، التي سرعان ما أصبحت قوية، قد ناصبت هاملتن العداء منذ البداية، وأدت فيما بعد إلى تجاهل شبه تام لفلسفته، ولم يعد في الإمكان قبول تفسير هاملتن لمذهب كانت؛ إذ لم يكن من الممكن التوفيق بينه وبين اتجاهات هؤلاء المفكرين، التي كانت هيجلية في أساسها، بل إن هؤلاء المفكرين لم يعترفوا اعترافا كافيا بفضله التاريخي حين أدخل أفكار كانت وغيره من الألمان، وهكذا ففي عام 1865 كاد أن يتوقف الاتجاه الفكري الذي بدأه هاملتن والمدرسة الاسكتلندية، إن لم يكن قد انتهى بالفعل.
ولقد كان أعظم تلاميذ هاملتن شهرة هو المفكر اللاهوتي هنري ل مانسل
Henry L. Monsel (1820-1871)، وقد رسم مانسل كاهنا، ثم عين محاضرا في اللاهوت في كلية «مودلن» وبعد ذلك عين أستاذا للتاريخ الكنسي في أكسفورد، وأخيرا عين أسقفا لكاتدرائية «سانت بول» (القديس بولس). وقد عمل مانسل على إدخال فلسفة هاملتن في إنجلترا، ودرسها ونشرها بحماسة ونجاح في جامعة أكسفورد. وقد ألف في البداية كتابين في المنطق، ثم كتب في الميتافيزيقا، محاولا صياغة الأفكار الرئيسية في مذهب هاملتن في صورة أدق وأكثر تنظيما مما كانت عليه لدى أستاذه (وذلك في بحث عنوانه «الميتافيزيقا أو فلسفة الوعي
Metaphysics or the Phil. of Consciousness » وظهر أولا في عام 1857 في الطبعة الثامنة لدائرة المعارف البريطانية، ثم ظهر بعد ذلك في صورة كتاب عام 1860، ثم ألف بعد ذلك «فلسفة المشروط
» في 1866، وفيه حاول الدفاع عن هاملتن وعن نفسه ضد هجوم مل) غير أن أقوى كتاباته تأثيرا كان «حدود الفكر الديني
অজানা পৃষ্ঠা
The Limits of Religious Thought » (1858)، وهو في الأصل محاضرات بامتون
Bampton
التي ألقاها مانسل، وقد استلفت الكتاب الأنظار بقوة، وأثار جدلا عنيفا، وأذاع شهرته على نطاق واسع. وترجع الأهمية الكبرى لهذه المحاضرات إلى أنها أوضحت بجلاء موقف المدرسة من المسائل الدينية التي تركها هاملتن غامضة رغم كثرة تلميحاته إليها، فاستخلص مانسل في هذه المحاضرات لأول مرة - وبوضوح تام - النتائج اللاهوتية التي كانت مختفية في مذهب هاملتن المرتكز على الظاهرية واللاأدرية، وحاول - مستندا إلى مبدأ نسبية المعرفة - أن يبين أن جميع الجهود التي نبذلها لنكتشف بواسطة الفكر أي شيء عن الطبيعة الإلهية المطلقة مآلها حتما إلى الفشل، فالمطلق واللامتناهي بعيدان تماما عن متناول الذهن البشري المتناهي، وكل محاولة للتفكير في المطلق أو فهمه بأية وسيلة عقلية تؤدي إلى حشد من التناقض والتضارب لا قبل للعقل بحله؛ فالفكر عاجز تماما في موضوعات الإيمان، وينبغي في النهاية أن يعترف بإفلاسه؛ لذلك يعلن مانسل أن جميع الحجج النظرية ضد عقائد الدين غير صحيحة، وبذلك يخلص نفسه بأسرع وأبسط طريقة من جميع أعداء الإيمان ومهاجميه؛ فليس من مهمة العقل أن يتدخل في الأمور المقدسة، وليس هناك ما يدعونا إلى الأسف على ذلك، بل إن من واجبنا لصالح الدين أن نرحب كل الترحيب بعزوف العقل هذا. وهكذا يبني مانسل كل معرفة لما فوق المحسوس على الوحي الإلهي، وتكون المهمة الوحيدة التي يتعين على العقل النقدي القيام بها عندما يقرر قبول التعاليم الدينية أو رفضها غير متعلقة بمحتوى هذه التعاليم، وإنما بالأدلة التي يمكن الإتيان بها للبرهنة على أن لها أصلا إلهيا فحسب. وهو في هذا الصدد يعزو إلى الحجة الأخلاقية أهمية ثانوية إلى حد ما، وعلى الرغم من أن هذه الحجة عاجزة عن البت في أمر حقيقة موحى بها، فإن في وسعنا أن نحصل، من معايير القيمة الأخلاقية لدينا ، على شواهد مفيدة نستعين بها في الحكم على الأفكار الدينية.
وهكذا كان الاتجاه الذي حول إليه مانسل نظرية المعرفة الكانتية، أوغل في باب اللاأدرية الشكاكة من الاتجاه الذي حولها إليه هاملتن، كما أن الأول أخضع هذه النظرية لأغراض الدين الموحى به، وتم على يديه أقوى انفصال - منذ أيام بيكن - بين الإيمان والمعرفة، وبين الدين والفلسفة، وعادت الفكرة القديمة القائلة: «أومن لأن موضوع إيماني ممتنع عقلا
Credo quis absurdum » إلى مكانتها الأولى، وقد اكتسب المذهب اللاأدري عند سبنسر تأييدا حاسما من هذه التعاليم، وظهر هذا المذهب على أنه مجرد صبغ لهذه التعاليم بصبغة دنيوية تامة، فالشقة كانت قريبة ما بين لاهوت الوحي عند مانسل، وبين عدم اكتراث سبنسر بالدين، على أن الطريقة التي استمد بها أشد المذاهب تمسكا بحرفية الدين أسلحة لنفسه من مدرسة هي من أشد مدارس الفكر تقدما، ثم عاد فحمل بها على الفكر ذاته حملة شعواء؛ هذه الطريقة كانت من الغرابة بحيث هوجمت بنقد قوي من جهات متباينة كل التباين. وقد أثار الجدل الذي احتدم نتيجة لمحاضرات مانسل المسماة بمحاضرات «بامتون
Bampton »، والذي اشترك فيه بنفس القوة فلاسفة ولاهوتيون؛
4
أثار عاصفة شديدة، وعلى الرغم من أن النتائج التي أسفر عنها لم تكن ذات أهمية كبيرة، فقد ازداد - إلى حد بعيد - اهتمام الجمهور بالمسائل التي كانت موضوع المناقشة، وأصبح الجو ممهدا لتلك النهضة الملحوظة التي بلغتها الدراسات الفلسفية بعد ذلك بوقت قصير.
وبعد هاملتن ومانسل، انحدرت الفلسفة الاسكتلندية انحدارا شديدا، ولا يوجد ضمن أولئك الذين خرجوا من المدرسة أو انتموا إليها سوى أسماء قليلة هامة تمثل المذهب في صورته الخالصة؛ إذ يظهر - حتى لدى جون د. مورل
John D. Morell (1816-1891) - ذلك الميل إلى التباعد عن التعاليم الأصلية للمدرسة، وهو الميل الذي ازداد قوة بالتدريج في المستقبل. صحيح أن «مورل» كانت له جذور عميقة في تراث المدرسة الاسكتلندية، التي تلقى فيها تعليمه الفلسفي الأول، غير أنه تعرض لمؤثرات عديدة من مدارس فكرية أخرى، وتأثر - بوجه خاص - بالمذاهب الألمانية التي عرفها لأول مرة خلال رحلة قام بها في ألمانيا وهو طالب. وقد كتب مورل - الذي كان مثل هاملتن قراءة ذا ذهن متفتح - بعض المؤلفات في تاريخ الفلسفة، منها كتابه: «نظرة تاريخية ونقدية إلى الفلسفة التأملية في أوروبا في القرن التاسع عشر
অজানা পৃষ্ঠা
Historical and Critical View of the Speculative Phil. of Europe in the XIX Century » (1846) وقد اكتسب هذا الكتاب - عن حق - اهتماما كبيرا، وأسهم في توسيع أفق الإنجليز الفلسفي، كما ألف كتابا في الأخلاق عن فشته (1848)، غير أن مؤلفه الرئيسي هو «فلسفة الدين
» (1818) الذي نستطيع أن نلمح فيه تأثير شليرماخر
Schleiermacher
و. ر. روته
R. Rothe
وله كتاب آخر هو «مدخل إلى الفلسفة الذهنية باستخدام المنهج الاستقرائي
Introduction to Mental Phil. on the Inductive Method » نشر عام 1862.
وهناك مفكر آخر في مدرسة هاملتن، هو جيمس ماكوش
J. M’cosh (1811-1894) الذي كان غزير التأليف في الفلسفة، وسافر إلى أمريكا عام 1868، فنقل إليها فلسفة الموقف الطبيعي (الإدراك المشترك) ونجح في تحقيق شيء من الاعتراف بها. وقد ألف ماكوش كتبا منهجية، فضلا عن كتابته لتاريخ كامل للفلسفة الاسكتلندية الفلسفة الاسكتلندية من هتشسون إلى هاملتن
Scottish Phil. from Hutcheson to Hamilton (1875).
অজানা পৃষ্ঠা
5
أما هنري كالدروود
Henry Calderwood (1830-1897) الذي كان في البداية قسيسا اسكتلنديا، ثم أصبح منذ عام 1868 أستاذا للفلسفة الأخلاقية في إدنبرة، فقد بدأ تلميذا لهاملتن، ولكنه حتى في كتابه الأول (فلسفة اللامتناهي
1854، والطبعة الثانية 1861) الذي نشره وهو ما زال طالبا، قد أظهر استقلالا يدعو إلى الدهشة عن أستاذه الذي كان لا يزال حيا، فقد قدم في هذا الكتاب نقدا عميقا لمذهب هاملتن، وكشف عن نقاط ضعفه بلا رحمة، وكان يرمي إلى إعادة مذهب الموقف الطبيعي إلى مكانته الأولى بفصله عن تلك العناصر اللاأدرية التي أقحمها فيه هاملتن ومانسل، وكان هدفه الأساسي هو تفنيد حجة هاملتن القائلة: إن الذهن البشري لما كان متناهيا، فإنه يعجز عن معرفة اللامتناهي، فقد بدا له أن الدين الذي يشيد مذابح لإله مجهول لا يمكن أن يعرف، ويستبعد التفكير العقلي من مجاله؛ لا يعدو أن يكون خرافة، ولا ينطوي على تبجيل حقيقي للطبيعة الإلهية. وفي مقابل النسبية اللاأدرية، التي كانت كامنة لدى هاملتن، ولكنها أصبحت مبدأ فلسفيا أساسيا لأول مرة على يد مانسل وسبنسر، عاد كالدروود إلى المذهب الحدسي الأصيل الذي قال به المذهب الاسكتلندي الأقدم عهدا؛ فلدينا بالله وعي مباشر بوصفه موجودا شامل الحكمة والقوة والخير، وهذه المعرفة مستقلة عن جميع الاعتبارات العقلية، وهي شفيفة مؤكدة، ومن ثم فهي حدسية، كذلك قال كالدروود بمذهب حدسي مماثل في الأخلاق، عرضه في كتاب ناجح هو «الموجز في الفلسفة الأخلاقية
Handbook of Moral Phil.
1872، الطبعة الرابعة عشرة في 1888)، ومع مهاجمته للنزعة الطبيعية ومذهب اللذة، فقد أكد الحاجة إلى قانون مطلق السلوك وهدف مطلق له، وهذا الهدف لم يكن في رأيه السعادة ولا اللذة، وإنما الاستخدام الكامل المنسجم لجميع القوى والمواهب حتى يمكن الوفاء بأغراضها الطبيعية.
وأخيرا ينبغي أن نلاحظ هذه الحقيقة، فالمذهب الاسكتلندي الذي كان مركز الحياة الفلسفية في إنجلترا في أواسط القرن التاسع عشر، قد وجد نفسه في العقود التالية في مركز متدهور بالتدريج، كما وقع تحت ضغط خصمين، هما الداروينية والمثالية، اللتان كان يتعين عليه الدفاع عن نفسه ضدهما، وعلى حين أن فيتش
Veitch (انظر أدناه) قد أخذ على عاتقه الدفاع عنه ضد المثالية، فقد تولى كالدروود مهمة الدفاع ضد الداروينية، ففي كتابه المنهجي الأخير «الداروينية ومركز الإنسان في الطبيعة
Darwinism and Man’s Place In Nature » 1893، وقد أعيدت كتابته بشكل كامل في 1896، دخل في الجدل الذي احتدم حول المذاهب الداروينية التطورية، ومع اعترافه بالقيمة الكبرى لنتائج الأبحاث البيولوجية الأخيرة، فقد أدرك نقطة الضعف في تطبيقها على المشاكل العامة للفلسفة، وانتهى إلى أن كون الإنسان منحدرا من الحيوان هو أمر لا يمكن أن يفسر العناصر العقلية والأخلاقية في طبيعته، فافترض وجود عقل عال هو العلة المشتركة للتطور الأخلاقي والكوني معا، وعلى هذا النحو حاول الدفاع عن الفلسفة الاسكتلندية التي قامت دائما على الدين ضد هجمات النزعات المعادية للدين داخل المذهب الدارويني.
ونستطيع أن نقول أخيرا: إن «جون فيتش
অজানা পৃষ্ঠা
John Veitch » (1829-1894) كان آخر ممثل للمدرسة الاسكتلندية، بمعنى أنه كان آخر من التزم تعاليمها بإخلاص، وكان فيتش أستاذا للمنطق والبلاغة بجامعة جلاسجو، ومن المقربين كثيرا إلى هاملتن، وقد تتلمذ عليه بإخلاص، ثم أصبح مساعدا له، واشترك بعد وفاته في نشر محاضراته، وألف ثلاثة كتب على الأقل في تخليد ذكراه وشرح تعاليمه ونشرها «ذكريات عن هاملتن
Memoirs of H. »، و«هاملتن» في سلسلة بلاكوود للكلاسيكيات الفلسفية، 1879، وهاملتن، شخصيته وفلسفته
H. the Man and His
1884)، ويكفينا هنا أن نذكر من مؤلفاته المستقلة بحثه في «المعرفة والوجود
Knowledge & Being » (1889) وتوجد قائمة كاملة لمؤلفاته في كتاب نشر بعد وفاته، ونشره «ونلي
R. M. Wenley » وعنوانه «الثنائية والواحدية
Dualism & Monism »، 1895، انظر [مقدمة المترجم لهذا الكتاب وما يليها]، وقد عرض فيتش في هذا الكتاب مذهبه الخاص، واشتبك في خصومة دائمة مع النظريات المثالية لمدرسة كانت وهيجل، وحاول فيه الدفاع عن المواقع الأخيرة للتراث الاسكتلندي ضد هجوم الحركة الفكرية الجديدة، غير أن فيتش كان يحارب في جبهات خاسرة، وفي سبيل قضية خاسرة، ولا شيء يكشف الانهيار التام لهذه الجبهة التي كانت قوية وقتا ما، بمثل الوضوح الذي تكشفه به هذه المقاومة التي كانت تبديها قوات المؤخرة، كما تتبدى لدى هذا الممثل الأخير لتراث عظيم، فهنا يهيب المفكر ببساطة الموقف الطبيعي وسطحيته ضد الأفكار العميقة لكانت وهيجل، ويحاول فيتش بنظريته الواقعية الفجة في المعرفة أن ينال من أعمال نقد العقل الخالص والتأمل النظري المثالي. وتنطوي واقعيته الساذجة على عود إلى ريد، بل وإلى ما قبل ذلك. وعلى الرغم من أنه قد تتلمذ في مدرسة هاملتن، فإنه يفتقر تماما إلى حذر هاملتن النقدي، كما أنه يفتقر إلى الفهم المتعاطف للمعنى الحقيقي للمشاكل الجديدة ولمقتضيات حلها، وهو فهم نصادفه لدى هاملتن، على الرغم من مظاهر سوء الفهم العديدة لديه، وقد وجه فيتش انتقاداته - في المحل الأول - إلى نظرية العلاقات عند جرين، وإلى مذهبه في الوعي الذاتي الأزلي، فقال - ضد الأولى - بواقعيته البسيطة الخشنة النسيج (كقوله: إن الواقع الذي ندركه حسيا أو نعرفه يوجد خارج وعينا، وهو مستقل عنه، سواء عرفنا هذا الواقع أم لم نعرفه، وهذه حقيقة ينبغي قبولها على أنها معطاة فحسب)، وقال ضد المذهب الأخير بالأنا الفردي الواقعي وبالتحليل السيكولوجي لمحتواه، وقد ظل طوال ذلك يحارب بوسائل غير كافية، ويقيس بميزان معيب، وفي كل ذلك كان يكشف بمزيد من الوضوح عن الانهيار الكامل للفلسفة الاسكتلندية.
وعلى الرغم من أن آخر ممثلي المدرسة الاسكتلندية (وهم مورل
Morell
وماكوش
অজানা পৃষ্ঠা
M’ coch ، وتوماس سبنسر بينز
T. S. Baynes ، وفيتش وكالدروود) كانوا لا يزالون أحياء في الأعوام العشرين الأخيرة من القرن الماضي، فلا يمكن القول: إن التراث الاسكتلندي قد ظل محفوظا بانتظام بعد السنوات الأولى من العقد الثامن من ذلك القرن؛ إذ إن الفكر الاسكتلندي قد انحل بعد ذلك أو اندمج في مدارس أقوى وأقرب إلى الطابع العصري، وهو ما زال يمارس تأثيره هنا وهناك، ولكنه لم يعد يستطيع الوقوف على قدميه مستقلا، وقد بدأ هذا الميل إلى التباعد عن الخط الأصلي للمدرسة حتى لدى مفكرين يمكن أن يعدوا أعضاء في المدرسة، وانفصل غيرهم عنها في وقت مبكر، وساروا إما في طريقهم الخاص، أو انضموا إلى معسكرات أخرى، وهكذا اعترف «فرييه
Ferrier » مثلا بأنه قد تعلم من هاملتن أكثر مما تعلم من كل الفلاسفة الآخرين مجتمعين، غير أن تفكيره التالي قد سار في اتجاه بعيد عنه، وغرق في خضم من التأملات النظرية العميقة، ضمنها صراع حاد ضد كانت وهيجل (انظر فيما بعد القسم الأول من الفصل الأول من الباب الثاني)، وسار لوري
Laurie
بعد ذلك بمدة طويلة في طريق مماثل؛ إذ تباعد بدوره كثيرا عن أصله الاسكتلندي، وكون لنفسه اتجاها ميتافيزيقيا لا يكاد يشترك في شيء مع نقطة بدايته الفلسفية [انظر فيما بعد القسم الثامن من الفصل الأول من الباب الثاني.] وعلى يد فريزر
Fraser ، تلميذ هاملتن وخليفته في إدنبرة، انحرف الاتجاه الاسكتلندي الأصلي في اتجاه فلسفة باركلي (انظر فيما بعد الصفحات الأخيرة من الباب الأول)، غير أن بعض مبادئ الفلسفة الاسكتلندية قد انتقل إلى مذاهب فكرية لم تكن في الأصل مرتبطة بها، مثال ذلك أن النزعة الحدسية تتمثل في الأخلاق والفلسفة الدينية عند مارتينو
Martineau
ولدى فلاسفة «حركة أكسفورد» ج. ه. نيومان
Newman
وو. ج. وورد
অজানা পৃষ্ঠা