ভারতীয় দর্শন: খুব সংক্ষিপ্ত পরিচিতি
الفلسفة الهندية: مقدمة قصيرة جدا
জনগুলি
مقدمة
ملاحظة على اللغات المستخدمة
1 - التفكير والاعتقاد
2 - البدايات البرهمية
3 - هجر المنظومة البرهمية
4 - الموضوعات والمبررات
5 - الفئات والطريقة
6 - الأشياء واللاأشياء
7 - الشاهد والمشهود: يوجا وسانكيا
8 - الكلمة والكتاب
অজানা পৃষ্ঠা
تعقيب من الفكر الكلاسيكي إلى الوقت الحاضر
قراءات إضافية
مصادر الصور
مقدمة
ملاحظة على اللغات المستخدمة
1 - التفكير والاعتقاد
2 - البدايات البرهمية
3 - هجر المنظومة البرهمية
4 - الموضوعات والمبررات
5 - الفئات والطريقة
অজানা পৃষ্ঠা
6 - الأشياء واللاأشياء
7 - الشاهد والمشهود: يوجا وسانكيا
8 - الكلمة والكتاب
تعقيب من الفكر الكلاسيكي إلى الوقت الحاضر
قراءات إضافية
مصادر الصور
الفلسفة الهندية
الفلسفة الهندية
مقدمة قصيرة جدا
تأليف
অজানা পৃষ্ঠা
سو هاميلتون
ترجمة
صفية مختار
مراجعة
هبة عبد العزيز غانم
مقدمة
الفلسفة الهندية في حوالي 35 ألف كلمة؟! كثيرون قد يرون هذا الأمر مستحيلا، ومن المؤكد أن الأشخاص الذين قد يقتنعون ويحاولون تأليف مثل هذا العمل، لن يتناول اثنان منهم الموضوع بالطريقة نفسها. وقد شرحت في الفصل الأول المنهج الذي اتبعته لتطويع هذه المادة المتنوعة لتناسب أغراض هذا الكتاب. وعلى أية حال، فالأهداف الأساسية من سلسلة «مقدمة قصيرة جدا» هي إعطاء نبذة، وتوجيه القارئ المهتم إلى موضوع أكبر وأكثر تعقيدا مما يمكن للكتاب تغطيته على نحو شامل، وجعل مثل هذا الموضوع في متناول الشخص المبتدئ. كانت هذه هي الخطة التي سرت على هداها، وآمل أن يثير هذا الكتاب تفكير القارئ أيضا؛ أولا من ناحية تقديم أساليب تفكير مختلفة جدا للعالم الذي نعيش فيه، وثانيا من ناحية دفع المهتمين بالموضوع إلى مزيد من التحقيق فيه. ومن أجل هذا الهدف توجد قائمة بالكتب الإضافية الموصى بقراءتها في نهاية الكتاب.
عند تناول فكر فلسفي بطريقة تمهيدية، وعند العمل بالاستعانة بنصوص مكتوبة بغير لغة المؤلف، يواجه المؤلف مشكلتين عمليتين؛ ألا وهما الحاجة إلى استخدام مصطلحات تقنية مرتبطة بالموضوعات الفلسفية، وكذلك الطريقة المثلى لترجمة الكلمات المفتاحية والاقتباسات النصية. وقد حاولت استخدام المصطلحات التقنية في أضيق الحدود، لكني وضعت مربعات نصية مفسرة لمعناها في الأجزاء التي يكون من المهم للغاية استخدام المصطلح فيها حين يتطلب الأمر تعريف المبتدئ به. وعلى أية حال، يجب أن نتذكر أن معرفة المصطلحات نفسها أقل أهمية من فهم ما تشير إليه.
وفيما يتعلق بالترجمة، ففي بعض الأحيان تكون الكلمة المفتاحية لا يمكن ترجمتها إلى اللغة المستهدفة على نحو واضح المعنى، وفي مثل هذه الحالات تركتها بصيغتها الأصلية المكتوبة باللغة السنسكريتية أو البالية. وأود أن أطلب من القارئ ألا ينزعج من غرابة تلك الكلمات؛ فمعظم المجالات المعرفية والعلوم - كما هو الحال في اللاتينية والإغريقية والأعمال التراثية الكبرى اللغوية أو الثقافية، والرياضيات والفيزياء، والتكنولوجيا المعاصرة وعلوم الكمبيوتر - تتطلب قبول وتعلم القليل من المصطلحات الأساسية التي قد تبدو غريبة في البداية. والكلمات غير المترجمة قليلة العدد في هذا الكتاب، وفي كل حالة من حالات ورود هذه الكلمات أعتقد أن السياق الواضح المستخدمة فيه هذه الكلمات سوف يساعد القارئ على فهمها.
وعندما يتطلب الأمر اقتباس مقتطفات طويلة من نصوص أولية تظهر مشكلة أكبر تتعلق بكيفية الترجمة الحرفية لهذه المقتطفات، والفكرة ليست فقط في أن الالتزام بالقواعد النحوية وطريقة صياغة النص الأصلي يؤدي في أغلب الأحيان إلى لغة صعبة ومتكلفة، ولا في أن كثيرا من كلمات النص ببساطة ليس لها مرادف ذو معنى في اللغة المترجم إليها، بل أيضا في أن الترجمة الحرفية تفشل في الغالب في إيصال المعنى المقصود. وبعد أخذ كل هذه الأمور بعين الاعتبار، وجدت أنه يفضل نقل الفقرات الأصلية إلى اللغة المستهدفة بأسلوب مفهوم كلما أمكن ذلك؛ ولهذا السبب حاولت استخدام أسلوب عادي معاصر، وحرصا على وضوح المعنى لم أحجم في بعض الحالات عن إعادة الصياغة بدلا من الترجمة على نحو رسمي للغاية. وفي العموم، كان هدفي هو توصيل النقاط المفاهيمية التي ينطوي عليها الجزء المقتطف بأكبر قدر ممكن من الوضوح. ويمكن للقراء - إذا شاءوا - أن يستعينوا بترجمات أخرى منشورة لهذه النصوص؛ إما بغرض المقارنة، أو الاطلاع على معالجات بديلة للنص. وكل الترجمات أو المعالجات النصية الواردة في هذا الكتاب خاصة بي ما لم أذكر خلاف ذلك.
অজানা পৃষ্ঠা
أود أن أتوجه بالشكر إلى جورج ميلر من مطبعة جامعة أكسفورد لتشجيعه لي على تأليف هذا الكتاب، ولتوجيهه اللطيف واقتراحاته. وأوجه الشكر أيضا إلى تريسي ميلر على نصائحها التي لا تقدر بثمن خلال عملية التحرير. وأتقدم بوافر الامتنان إلى كلية كينجز كوليدج في لندن لسماحها لي بأخذ إجازة لمدة سنة لتأليف هذا الكتاب في وقت كان فيه كل الأكاديميين تحت ضغط هائل لنشر قدر ضخم من «الأبحاث الأولية».
وأتوجه بكثير من الشكر أيضا إلى مورييل أندرسون، وسيسيليا ستور، وجاي واتسون؛ على وقتهم الثمين الذي قضوه في قراءة المسودة الأصلية للكتاب والتعليق عليها، كما أنني أتحمل كامل المسئولية عن النسخة النهائية. إلى ريتشارد جومبريتش، الزميل والصديق: شكرا لك على القدر الهائل من النصح والنقد والدعم، ليس فقط في سياق هذا المشروع وحده. وأدين أيضا بالشكر لكلير بالمر التي طالما كانت آراؤها مقياسا رائعا لنجاح أعمالي، وتبادلت معها الأفكار والخواطر، وإليها أهدي الفصل السابع.
ملاحظة على اللغات المستخدمة
يتناول الكتاب لغتين مستخدمتين من قبل التراث الهندي، وهما: اللغة السنسكريتية واللغة البالية. وكما هو موضح في الفصول الأولى، بدأ التراث عندما هاجر أناس أطلقوا على أنفسهم اسم الآريين من وسط أوراسيا إلى شمال الهند، عن طريق باكستان الحالية، منذ مئات السنوات قبل الميلاد، وكانت اللغة التي استخدموها في حفظ ممارساتهم الشعائرية هي السنسكريتية، وقد نظمت هذه اللغة في وقت لاحق في شكلها «الكلاسيكي» على يد نحوي يدعى بانيني (انظر الفصل الرابع). وتعرف اللغة السنسكريتية في تاريخ اللغات باللغة «الهندو- آرية القديمة»، وهي اللغة المدون بها معظم المواد الفلسفية الهندية. وبمرور الوقت ظهرت - بالإضافة إلى السنسكريتية الكلاسيكية - صور أخرى متنوعة وأكثر شيوعا من اللغة، وتعرف حاليا إجمالا باسم اللغات «الهندو-آرية الوسطى». وإحدى هذه اللغات هي اللغة البالية، وهي اللغة المحفوظ بها كثير من النصوص البوذية الأولية. ويتضح الارتباط الوثيق بين اللغتين في الكلمة السنسكريتية «دارما» التي ترادفها كلمة «داما» في اللغة البالية، وكذلك كلمة «نيرفانا» التي تصبح «نيبانا» في اللغة البالية (أو نيرفانا كما تستخدم في الإنجليزية).
اللغة السنسكريتية واللغة البالية كلتاهما لغتان صوتيتان تعتمدان على الأبجدية نفسها، وهذه الأبجدية أطول إلى حد ما من الأبجدية الرومانية المعروفة، وكثير من الحروف الإضافية يمثل بإضافة ما يعرف باسم «علامات التشكيل»؛ فمثلا بعض الحروف تختلف طريقة نطقها باختلاف علامة التشكيل، ونجد في بعض الأحيان أن الأعمال المترجمة تنقل هذه الكلمات وفقا لصوت الحرف لا لشكله، ورغم ذلك فالنطق يصبح أكثر دقة في حالة وجود علامات التشكيل؛ ولذلك اخترت استخدام الأبجدية السنسكريتية والبالية كاملة في هذا الكتاب.
إن التعود على طريقة النطق يمكن أن يساعد في التغلب على الشعور بالغرابة الذي قد يراود المرء في البداية عند نطق هذه الكلمات.
إن التمرن على نطق الأمثلة القليلة التالية سوف يساعد في التعود على طريقة النطق، فجرب نطق الكلمات التالية:
ريشي، هيمالايا، داما، سانسارا، ناجارجونا، بهارتريهاري، أنفيكشيكي، أتمان، ميمانسا، دارشانا، موكشا، فايشيشيكا، شانكارا، سانكايا، فيشيشتا أدفايتا فيدانتا.
الفصل الأول
التفكير والاعتقاد
অজানা পৃষ্ঠা
الثراء والتنوع في الفكر الهندي
تزخر الهند بتراث طويل وثري ومتنوع من الفكر الفلسفي يمتد لما يقرب من ألفيتين ونصف الألفية، ويتضمن العديد من التقاليد الدينية الكبرى. ويحظى الدين في السياق الفلسفي بأهمية كبيرة؛ لأن العادة في الهند جرت على اعتقاد أن دور الفلسفة - أو بالأحرى محاولة فهم طبيعة ما يركز المرء عليه - يرتبط ارتباطا مباشرا بالمصير الشخصي للفرد؛ ومن ثم فإن الفلسفة لا تعتبر نشاطا فكريا احترافيا يمكن ممارسته في نهاية يوم العمل، بل محاولة لفهم الطبيعة الحقيقية للواقع باعتبارها مطلبا داخليا روحيا. ويمكن القول إن ما يطلق عليهما الغربيون الدين والفلسفة يجتمعان في الهند في محاولات الأشخاص فهم معنى وتركيبة الحياة بالمعنى الأوسع. وتشبه هذه المحاولات طريقة سقراط أكثر مما تشبه الدين بصفته إيمانا بالوحي، وأكثر مما تشبه الفلسفة بصفتها مادة أكاديمية.
التفكير والإيمان
إن مسألة طبيعة الفلسفة الهندية من المسائل التي يهمنا فهمها من البداية؛ ومن ثم فهي تستحق الاستفاضة فيها بعض الشيء. في الغرب، بالتأكيد منذ أن فصل الفيلسوف الألماني العظيم إيمانويل كانط بين الرب وبين ما اعتقد أنه من الممكن معرفته عن طبيعة الأشياء من خلال التفكير، أصبح يوجد فرق واضح بين الفلسفة والدين، وأصبح الدين يعتبر مجالا لا يسمح فيه فحسب ب «الإيمان بالغيبيات»، بل يطلب هذا الأمر في بعض الأحيان، وقد تعطى الأولوية لما يزعم صحته أشخاص معينون فقط بسبب مواقعهم وهوياتهم (وهذا يعني الإيمان بصحة كلامهم بغض النظر عما إذا كانت صحته ممكنة الإثبات أو حتى مثيرة للجدل)؛ وأصبحت توجد مستويات متفاوتة من «الغيرية»؛ مثل وجود إله متعال، أو كائنات ذات مكانة أو معرفة تفوق البشر أو تخرق الطبيعة، أو وجود أنواع مختلفة من مصادر القوى الفائقة للبشر أو الخارقة للطبيعة، وكل هذه العوامل أو أي منها «يؤمن» بها معتنقو التقاليد الدينية المختلفة؛ إما إيمانا مطلقا لا يخالطه شك، أو في إطار الشك والتساؤل، ويسمى هؤلاء الأشخاص ب «المؤمنين».
وتوجد نقطة أساسية لهؤلاء المؤمنين تتمثل في أنهم يعتقدون أيضا أن ممارسة دينهم ترتبط ارتباطا مباشرا بمصيرهم. وتختلف تفاصيل هذه العلاقة؛ فبعضهم يعتقدون أن حياتهم في المكان والزمان الحاليين تتأثر بمعتقداتهم وممارساتهم الدينية، وبعضهم يعتقدون أنهم يحصدون نتائج تلك المعتقدات والممارسات بعد الموت فقط، وبعضهم يعتقدون أن ما يحدث لهم في الحياة الحالية وكذلك بعد الموت ينتج مباشرة عن معتقداتهم وممارساتهم الشخصية، بينما يعتقد آخرون أن مصائرهم تحددها تماما القوة «الغيرية» المتعالية الفائقة للبشر التي يؤمنون بها، وأخيرا يعتقد البعض أن مصائرهم يحددها مزيج من الاثنتين. وبغض النظر عن التفاصيل المفهومة، فإن وجود هذه العلاقة بين المعتقدات والممارسات الدينية ومصير الفرد - خاصة بعد الموت - هو السبب في أن يشار إلى الأديان بأنها سوتريولوجيا أو «أنظمة خلاص». «الدين باعتباره سوتريولوجيا»:
كلمة سوتريولوجيا مشتقة من كلمة إغريقية هي «سوتر» وتعني «المخلص». وفي الاستخدام الشائع، ليس من الضروري لأحد النظم العقائدية أن يكون لديه شخصية مخلص فعلية كي يوصف النظام نفسه بأنه سوتريولوجيا؛ فالنقطة الأساسية هي أن مصير المؤمنين بهذا النظام العقائدي يعتقد أنه يرتبط ارتباطا مباشرا بمعتقداتهم وممارساتهم.
وعلى النقيض من هذه النظرة، فمنذ كانط أصبح مبحث الفلسفة مهتما على نحو أساسي بالبحث عما يمكن معرفته عن طبيعة وتركيبة الحقيقة من خلال النقاش العقلاني وحده، وهذا يعني أنه أيا كانت الموضوعات المحددة التي يشغل الفلاسفة أنفسهم بها، فإنه يجب أن تكون طريقتهم في مناقشتها شديدة المنطقية؛ بمعنى أنه لا يسمح بالإيمان بما لا يمكن إثباته، ولا توجد كلمة تعلو على كلمة العقل، وليس ثمة جزء في هذه الممارسة يعتبر أي شيء غير كونه محاولة فكرية بشرية. علاوة على ذلك، يعتبر التفلسف، بغض النظر عن الموضوع الذي يناقشه، محض غاية فكرية في حد ذاته، وليس له أي أثر على الفرد مطلقا؛ فالفلسفة ببساطة ليست لها علاقة بالسوتريولوجيا، وفي واقع الأمر هذه سمة مهمة تميزها عن الدين.
توجد ملاحظتان مهمتان عن الفرق بين الدين والفلسفة؛ أولى هاتين الملاحظتين هي أنه على الرغم من الاختلاف بين الدين والفلسفة، فإن كلا المجالين يتشاركان في عدد من الاهتمامات المشتركة، والملاحظة الثانية هي أنه حتى في الغرب لم يكن هذا الفرق واضحا دائما. وتكمن أوجه التشابه في أن كلا من الدين والفلسفة يهتمان في الأساس بطبيعة الحقيقة؛ فعلى سبيل المثال، لنفترض أن أحد الأديان يقر التعاليم التالية: هناك رب يقره هذا الدين، وهذا الرب متعال تماما عن الكون الذي نعرفه، وهو خالق كل شيء، والعالم المخلوق يشمل بشرا بأرواح خالدة، وسلوك الفرد يؤثر على حياته الآخرة. حتى من هذا القدر القليل من المعلومات يمكننا أن نعرف أنه وفقا لهذا الدين فإن الحقيقة تتكون من نوعين من الكائنات المستقلة تماما بعضها عن بعض (وهما في هذه الحالة الإله، وغير الإله)، وأنه لا يمكن أن يوجد أي شيء آخر؛ لأن الرب هو خالق كل شيء. ونعلم أيضا أن جزءا على الأقل من الكائنات غير الإلهية يتسم بأنه جماعي (أي يجمع كل الأرواح الفردية) وأنه خالد كذلك. وببساطة، فهذه النقطة الأخيرة تخبرنا بشيء مهم عن طبيعة البشر، فهم في أنفسهم جزء من الحقيقة يمكن أن يتكون بأي عدد من الطرق. وبالإضافة إلى ذلك، فإننا نعلم أن نوعا من الأنظمة السببية يربط السلوك الحالي بشكل مجهول من أشكال الوجود المستقبلي .
وعلى الرغم من وجود جوانب أخرى كثيرة عن طبيعة الحقيقة قد يهتم المرء بمعرفتها، وقد يكون للدين ما يقوله عنها أيضا، وعلى الرغم من أن هذا المثال يتسم بالعمومية؛ فإن ما يذكره يتناول اثنين من الموضوعات الأساسية التي تهم الفلسفة أيضا، وهما: كيفية تكون الحقيقة في الأساس، وطبيعة البشر.
ومن الاهتمامات الأخرى المشتركة بين الدين والفلسفة طريقة توصل المرء لمعرفة إجابات مثل هذه الأسئلة الرئيسية؛ ففي حالة ذلك الدين المفترض، لو كانت التعاليم تعطى عن طريق رب يفوق البشر يسلم المؤمنون بكلامه بوصفه الحقيقة، فإن هذه المعرفة مكتسبة من خلال «الوحي» أو ما يمكن أن نسميه «الشهادة اللفظية». وفي الحقيقة، كلنا نعتمد على الشهادة اللفظية إلى حد كبير في حياتنا اليومية؛ فالأشخاص الذين لم يسافروا مطلقا إلى قارة أنتاركتيكا، على سبيل المثال، يسلمون بصحة روايات الأشخاص الذين رأوا القارة في المكان الذي تحدده الخريطة. وكون المخاض عملية مؤلمة يعد أمرا مسلما به لدى الأشخاص الذين لم ينجبوا؛ اعتمادا على كلام أولئك الذين خاضوا هذه التجربة. وجميعنا نطلع على كل أنواع الأشياء على نحو منتظم على أساس شهادة المراسلين الصحفيين والمعلمين والكتاب والعلماء والباحثين الخبراء وغيرهم. وفي المواقف اليومية، من الممكن التأكد من صحة المعلومات المكتسبة بهذه الطريقة ولو مبدئيا على أقل تقدير. وما يجعل الموقف الديني مختلفا ليس وسيلة المعرفة إنما هو استحالة التأكد من صحة المعلومات المكتسبة؛ فالمعلومات التي يقدمها معلم الدين لا يمكن سوى التسليم بصحتها على أساس الثقة أو «الإيمان بها». والفيلسوف سيعتبر عدم القدرة على التحقق من المعلومة أمرا غير مقبول، ولن يعتبر المعلومة التي تتحدث عن طبيعة الحقيقة صحيحة. وعند تناول الموضوعات نفسها، سوف يعتمد الفيلسوف فقط على عمليات المعرفة العقلانية أو المنطقية. والفلسفة بهذه الطريقة تهتم على وجه التحديد بما يعرف باسم «حدود المعرفة»، وهذا يعني أن الفلسفة تسعى إلى وضع معايير يمكن وفقا لها تحديد ما إذا كان من الممكن اعتبار أن البيانات معرفة مقبولة على أساس مشروع أم لا. ويشار إلى نظريات المعرفة (الطريقة التي نعرف بها) باسم الإبستيمولوجيا.
অজানা পৃষ্ঠা
شيء يهم كلا من الدين والفلسفة
تتعلق «الميتافيزيقا» (ما وراء الطبيعة) بطبيعة الحقيقة ككل؛ فهي تتساءل عن طريقة تكوين الحقيقة في الأساس، وعن أنواع وطبيعة المكونات التي قد تكون موجودة، وعلاقة بعضها ببعض. ومن الموضوعات المهمة فيها: العالم/الفضاء/الكون؛ البشر، وغيرهم من الكائنات، والسببية. «إبستيمولوجيا» (مشتقة من الكلمة الإغريقية «إبستيمي»، وتعني «المعرفة») تهتم بوسائل المعرفة، وتتضمن وسائل المعرفة الشائعة: النقاش المنطقي أو التفكير، والاستنتاج، والشهادة، والإدراك الحسي.
وفيما يخص النقطة الثانية المذكورة آنفا المتمثلة في أنه لم يوجد دائما ذلك الفصل واضح المعالم بين ما هو دين وما هو فلسفة؛ فلقد بدأ التراث الفلسفي الغربي في اليونان في فترة ما قبل المسيحية، في مكان وزمان كان فيهما كثيرون يسعون إلى معرفة المزيد عن طبيعة الحقيقة، وكان الهدف والغرض من ذلك آنذاك تحقيق الحكمة في هذا الصدد، وأي معلومة ذات علاقة بحقيقة الحقيقة كانوا يرونها في ضوء اكتساب الحكمة؛ ومن ثم أصبحت الفلسفة هي «حب الحكمة». ولم تكن الفلسفة تتضمن أي مفهوم متعلق بالسوتريولوجيا كما نفهمها، ورغم ذلك، فإن الافتراضات المختلفة المتعلقة بطبيعة الحقيقة التي قدمها الفلاسفة الإغريق القدماء شملت موضوعات يمكن أن نجدها أيضا جزءا من التعاليم الدينية. لقد شغلوا أنفسهم بطبيعة العالم والبشر، وأهمية سعي البشر وراء الحصول على الحكمة، ورأوا أن هذا هو أسمى نشاط ممكن للبشر، وأنه من الضروري أن يطمح إليه البشر، إذا أمكن ذلك. وقدم البعض أيضا - لا سيما سقراط - اقتراحات حول كيفية الجمع بين السعي وراء الحكمة وعيش حياة جيدة على نحو مثالي.
وبعد الإغريق، ظلت الفلسفة الغربية في الحقبة المسيحية واقعة لقرون عديدة تحت سيطرة أشخاص كانوا أيضا غاية في التدين، وكانوا يسعون لفهم المزيد عن «عالم الرب». وكان الفلاسفة أصحاب القدرة الهائلة على الاستبصار والتأثير العظيم، أمثال أوغسطين وأنسلم وتوما الأكويني وديكارت وهيجل، كلهم مسيحيين ممارسين للشعائر، وسعوا لحل المشاكل الدينية والفلسفية بدلا من الفصل بينها. وفي حين أن اهتمامات هؤلاء المفكرين العظماء كانت واسعة النطاق للغاية، فقد كان من الموضوعات ذات الأهمية الكبيرة بالنسبة لهم كيفية وجود الرب ضمن منظومة الحقيقة. لقد كان وجود الرب، كما هو مفهوم في التراث المسيحي، مقبولا كحقيقة بديهية باعتباره عقيدة راسخة، لكن هؤلاء الفلاسفة حاولوا أيضا إثبات وجود الرب بالاستعانة بالنقاش العقلاني؛ وبهذه الطريقة سيصبح الإيمان متوافقا مع العقل بدلا من أن يكون متناقضا معه. وقالوا أيضا - لا سيما ديكارت - إن طبيعة الرب تتمثل في أنه يمكن للمرء أن يعتمد بأمان على مساعدته وحدها في التغلب على جوانب القصور في التفكير. بذلك انضم الإيمان إلى التفكير في السعي الهادف للفهم، وبالفعل وسع نطاق احتمالات الفهم. لقد كان هؤلاء الفلاسفة واعين جيدا لما يفعلون، لكنهم ظنوا أن طريقتهم طريقة مشروعة تماما، وكان أول فيلسوف في الغرب المسيحي يشكك جديا في مشروعية الخلط بين الإيمان والتفكير في السعي وراء المعرفة هو كانط، وأكد كانط على أن ما يمكن للمرء أن يعرفه معرفة يقينية يقتصر تماما على ما يمكن تأكيده من خلال التفكير، وأن هذا لا يشمل أي شيء له علاقة بالرب. وكان كانط - بصفته مسيحيا ورعا - مؤمنا بوجود الرب، ورغم ذلك، فصل هذا الإيمان بالرب عن المنطق الفلسفي، وقال إن المرء لا يمكنه أبدا الوصول لمعرفة يقينية عن المسائل الإيمانية، وإن هذه المسائل كانت وستظل دائما معتقدات، وإن المعرفة اليقينية تخص الفلسفة.
وبهذه الطريقة يزعم التراث الفلسفي الغربي في الوقت الحاضر أنه يهتم فقط بالمعرفة اليقينية ويحقق فقط في تلك الموضوعات التي يمكن التفكير فيها من خلال أساليب النقاش المنطقي. وأصبح هذا المعيار المنهجي مفروضا على نحو صارم، لدرجة أنه منذ أوائل القرن العشرين لم يشغل غالبية الفلاسفة أنفسهم بأسئلة ميتافيزيقية كبيرة مثل: ماذا يوجد هناك؟ وما الموجود؟ وما الحقيقة المطلقة فيما يتعلق بطبيعة الحقيقة؟ ويقول البعض إن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة تتضمن استنتاجات تخمينية للغاية على نحو يجعلها غير مقبولة على نحو آمن ضمن حدود الفهم الممكن؛ ولذلك من الأفضل الإعراض عن تلك الموضوعات. وقال البعض الآخر إن الأسئلة المتعلقة بأي شيء قد يتجاوز التجربة البشرية التجريبية هي أسئلة عبثية بطبيعتها. وعلى هذا النحو يبدو أن الفلسفة الحديثة تشغل نفسها بالأسئلة المفصلة والتقنية المتعلقة بكافة أنواع التحليلات المنطقية واللغوية. أما الموضوعات على شاكلة الأخلاقيات والخير التي ناقشها الفلاسفة الأوائل في سياق الطريقة التي يجب أن يعيشوا بها حياتهم أثناء سعيهم إلى الحكمة أو الفهم، فتتناولها الفلسفة المعاصرة وتناقشها باعتبارها مجردات فكرية. وأصبحت الفلسفة الاحترافية منفصلة عن السعي الشخصي، وبالنسبة للكثيرين أصبحت الفلسفة في حد ذاتها مفهومة فقط بهذا المعنى الحديث.
عند تناول أصول وتطور التراث الفلسفي الهندي، يحتاج المرء إلى فهم دور الفلسفة بقدر أكبر بمعناها التقليدي أو الأصلي، كما ذكرنا في السابق، بدلا مما أصبح مفهوما عنها في العصر الحديث. وتعنى الفلسفة في الهند بالسعي إلى فهم طبيعة الحقيقة. علاوة على ذلك، فالهدف من القيام بذلك هو اعتقاد أن فهم الحقيقة له أثر عميق على مصير الفرد. ويعد هذا الهدف سوتريولوجيا على نحو مباشر بالنسبة للبعض، بينما يراه البعض الآخر غير ذي صلة بالسوتريولوجيا، لكنه بالنسبة للجميع مهمة روحية ونشاط مرتبط بالتراث الديني. وفي واقع الأمر، فإن الفصل الذي نتحدث عنه بين الدين والفلسفة لم يكن مفهوما في الهند حتى الفترات الأخيرة، عندما بدأت الإرساليات الغربية وبدأ الأكاديميون الغربيون في الفصل الجبري بين السمات المختلفة للموروثات الهندية من أجل أن تصبح مقبولة على نحو أيسر ضمن إطار التصور الغربي.
وقبل تناول بعض ملامح الإطار الهندي بمزيد من التفصيل يلزم توخي الحذر مما يلي: ربما بسبب التداخل بين الفلسفة والدين في الهند يوجد ميل في الغرب إلى اعتبار الفكر الهندي «صوفيا» بل «سحريا»، على النقيض من «عقلانية» الغرب، وهذا خطأ؛ فهذه النظرة جاءت من إضفاء صورة خيالية على الأنظمة الفكرية التي نشأت في مكان آخر وقدمت نفسها على نحو مختلف، فضلا عن نعت كل ما هو غير مألوف بالغرابة والشذوذ. ويوجد في واقع الأمر تراث قوي من النقاش العقلاني في الهند، وكان هذا التراث مهما لمناصري الأنظمة الفكرية المتعددة في الهند مثلما كان مهما لفلاسفة الغرب الكبار.
عندما يتناول الغربيون التراث الهندي لأول مرة، سواء أكان مقصدهم دينيا في الأساس أم فلسفيا، فإنهم يواجهون مشكلتين متساويتين ومتناقضتين؛ تتمثل الأولى في إيجاد شيء قابل للإدراك وسط هذه التعددية المحيرة على نحو واضح، وتتمثل المشكلة الثانية في عدم فرض مثل هذا القيد على المادة بحيث نغفل جوانب مهمة في هذه التعددية. والمثال التقليدي للمشكلة الثانية هو «الهندوسية»؛ فبسبب هذا الاسم (الهندوسية) توقع الغربيون وجود فكرة موحدة مثلها مثل بقية «المعتقدات» الأخرى، وظلوا في حيرة مما وجدوا، إلى أن اكتشفوا أن الهندوسية هي مصطلح أطلق في القرن التاسع عشر على مجموعة أنظمة فكرية معقدة ومتعددة للغاية، وكان من أطلقه هو غيرهم من الغربيين الذين لم يقدروا ذلك التعقيد. فكر في المنطقة التي تغطي أوروبا والشرق الأوسط في وقت بداية التقويم الميلادي، وافترض أن غرباء أطلقوا مصطلحا واحدا على «دين» هذا الزمن وهذه المنطقة. هذا التصور سوف يعطي فكرة عما حدث عندما أطلق على «دين» الهند اسم الهندوسية، وعدد الأمور اللازم تفسيرها كي نفهم هذا التراث وفقا لمفاهيمه الخاصة.
لكن مثلما يتشارك الكثير من جوانب دين وفكر أوروبا والشرق الأوسط في أصول وموضوعات وأنظمة معينة، ومثلما تتشارك إلى حد كبير في رؤية العالم والإطار التصوري؛ فإن الأمر نفسه ينطبق على الهند؛ ومن ثم فما يجب على المرء فعله لفك هذا التعقيد وجعله قابلا للإدراك هو العثور على تلك الأصول والموضوعات والأنظمة المشتركة، وأن يألف رؤية العالم والإطار التصوري اللذين يدور في فلكهما الفكر الهندي. ولحسن الحظ فإن الهند لديها فترة تعد نظيرة للفترة الإغريقية القديمة، وتلك هي الفترة التي بدأ فيها التراث الفلسفي الهندي. وعلى الرغم من أن المفكرين الهنود القدماء كانوا يستعينون حتى بأفكار وتصورات أكثر قدما ويطورونها، وبعض هذه الأفكار والتصورات معروفة لنا، فإنه خلال القرن الخامس قبل الميلاد بدأت مدارس فكرية يمكن تحديدها على نحو واضح في اعتراف بعضها ببعض، والتفاعل والجدل والسعي إلى تفنيد الرؤى، والاندماج في بعض الأحيان. وبداية من هذه الفترة عاشت المناهج المختلفة جنبا إلى جنب، وظل بعضها داخل إطار التراث الذي أطلق عليه الغربيون بعد ما يقرب من ألفي سنة اسم «الهندوسية»؛ اعتمادا على فهمهم القديم له، والبعض الآخر أسس تعاليم أخرى مثل البوذية والجاينية. وستكون هذه الفترة القديمة موضوع الفصلين الثاني والثالث.
استبصار الحقيقة
অজানা পৃষ্ঠা
كان يشار إلى الفلسفة الهندية قديما باسم «دارشانا»، وهذا المصطلح نفسه يعطينا إشارة إلى رؤية العالم والإطار التصوري اللذين تعمل الفلسفة الهندية خلالهما، فالمعنى الحرفي لمصطلح «دارشانا» هو «الرؤية»؛ أي امتلاك «البصيرة» المعرفية لشيء، أما المعنى الضمني الذي ينطوي عليه هذا المصطلح فهو أن ما «يرى» أو «يبصر» هو حقيقة طبيعة الحقيقة، وهذا يوضح أن فهم طبيعة الحقيقة هو هدف الفلسفة في الهند. وكان يشار إلى المعلمين الأوائل المرتبطين بأنواع محددة من فلسفة الدارشانا باسم «ريشي»؛ وتعني «الناظرين».
ومن هذا المنطلق فإن مصطلح «دارشانا» يشير أيضا إلى شيوع التسليم بأن البشر قادرون على اكتساب رؤية فعلية، بمعنى معرفة تجريبية للحقيقة الميتافيزيقية؛ فالبصيرة، أو الحكمة، لا تقتصر في الفكر الهندي على المعرفة الفكرية. وبينما يلعب النقاش العقلاني والنقاش الفكري دورا غاية في الأهمية في الفلسفات الهندية - في بعضها على حساب بعض العوامل الأخرى تقريبا - فإنه من المقبول أيضا في هذه الفلسفات اعتقاد أنه من خلال تمارين الضبط الذهني مختلفة الأنواع يمكن أن يتحسن الإدراك المعرفي للمرء وأن يتغير، بحيث يستطيع المرء الرؤية بطرق تفوق ما يستطيع رؤيته «على نحو طبيعي». وسوف نرى أن أنواعا محددة من الدارشانا تقوم تعاليمها وحججها على ما أقره الناظرون القدماء من واقع رؤاهم الماورائية، وتعتبر شهادة هؤلاء الناظرين صحيحة على نحو مطلق؛ صحيحة كما لو كان المرء رآها بنفسه، أو كما لو كانوا توصلوا لهذه الفكرة عن طريق النقاش المنطقي وحده. وبالنسبة للأنواع الأخرى من الدارشانا، ترى أن الهدف من تعليم الدارشانا هو أن كل من يتبعها يجب أن يكون قادرا بنفسه على «رؤية» الحقيقة. ومن الناحية النظرية، يعتقد أن القدرة على اكتساب بصيرة ميتافيزيقية هي سمة بشرية عامة، ولا تعني أن الأشخاص الذين يزعمون اكتسابها يعتبرون خارقين بأي حال. إن إعادة توجيه الملكات المعرفية، كي تصبح هذه البصيرة ممكنة، هي السبب وراء ممارسة اليوجا، ويطلق على البصيرة الناتجة عنها الإدراك اليوجي.
هذه من أكبر الاختلافات بين رؤية العالم التي يقوم عليها الفكر الهندي وبين رؤية العالم لدى الغرب، وربما هذه هي نقطة الخلاف التي يجدها الغربيون من أصعب النقاط من حيث إمكانية التفهم، وربما بسببها يميل فلاسفة الغرب إلى التركيز فقط على الجوانب الأخرى من الفلسفة الهندية المتعلقة بموضوعات النقاش المنطقي، وربما أسهمت هذه النقطة أيضا في جعل الآخرين ينسبون صفات سحرية أو صوفية للفكر الهندي. ورغم ذلك، وفقا لرؤية العالم من المنظور الهندي، فإن إمكانية تغيير الإدراك المعرفي للفرد هي أمر يعتبر ممكنا من الناحية المنهجية، من خلال تمارين الضبط الذهني المنتظمة على نحو لا يختلف إطلاقا عن الاكتساب المنهجي للقدرة على العزف على إحدى الآلات الموسيقية؛ فكلتا العمليتين تتطلب مثابرة وممارسة طويلة الأجل، وتتضمن إتقان جوانب عديدة من التنسيق البدني والذهني، ولا يوجد أي شيء سحري في كلتا العمليتين؛ فكلتاهما تعتبر مهارات.
الكارما والميلاد المتكرر
الكارما والميلاد المتكرر من السمات المميزة لرؤية العالم في الفلسفة الهندية، والكارما مشتقة من الكلمة السنسكريتية «كارمان»، ومعناها الحرفي «الفعل». وتوحي طريقة استخدام المصطلح بوجود عواقب لكل فعل، وتشير الكارما إلى آليات عواقب الفعل التي تعد أحد قوانين الطبيعة. والمصطلح نفسه حيادي، لكن الثقافات باختلاف أنواعها تربط القيم بهذا المصطلح بطرق مختلفة. وعلى نحو مشابه، يختلف مركز آلية عواقب الفعل باختلاف الثقافات. أما عن أسباب ارتباط كلمة كارما بعواقب الفعل، فهي مرتبطة بطقوس تقديم القرابين؛ إذ كان يعتقد أن القيام بتقديم القرابين يحقق عواقب محددة بعينها تجعل الكون يسير على أفضل وجه. وكانت الأفعال الشعائرية المرتبطة بها عواقب معينة إما مادية أو لفظية (فقد كان يعتبر إصدار الأصوات «فعلا» من الأفعال)، وكانت الدقة ضرورية كي تكون الآليات فعالة. وعلى هذا النحو، فالذي كان يجعل أحد الأفعال سليما أو صالحا هو دقته، وكانت القيم المرتبطة بهذا الفهم للكارما ليست قيما متعلقة بالأخلاقيات.
وفي القرن الخامس قبل الميلاد، بالإضافة إلى الفهم السابق للكارما، ساد أيضا مبدأ يقول إن عيش المرء لحياته وفقا للواجبات التي يذكرها المعلمون الدينيون - «تنفيذ» الواجبات التي تشمل أداء طقوس القرابين ولا تقتصر عليها - سوف يكون ذا نتائج نافعة للمرء. وعند هذه المرحلة أصبحت الكارما مرتبطة بفكرة الميلاد المتكرر؛ إذ ساد الاعتقاد بأن العواقب الإيجابية أو السلبية لطريقة أداء الفرد لواجباته قد تلحق به في أي حياة من حيواته الكثيرة المستقبلية، التي تتحدد حالة كل منها على هذا النحو. وفيما يتعلق بالكارما كفعل شعائري، فإن ربط العواقب بأداء الواجبات الموصوفة حمل أيضا معيار قيمة الدقة وليس قيمة الأخلاق. وفي مرحلة لاحقة من تطور هذا الفرع من التراث الديني الهندي تأكدت هذه النقطة، عندما كرر معلمون مهمون قول إنه من الأفضل للمرء أن ينجز واجباته على نحو سيئ بدلا من أن ينجز واجبات غيره على نحو جيد؛ وإنه من الأفضل بلا شك أن يقوم المرء بواجبه، بغض النظر عن أن ذلك الواجب قد يبدو غير أخلاقي، بدلا من إهمال إنجازه بسبب مبدأ أخلاقي.
ومن ضمن التفسيرات الأخرى لآلية عمل الكارما التي كانت تعلم في القرن الخامس قبل الميلاد؛ تفسيرات الجاينيين والبوذيين؛ فقد قال الجاينيون إن كل الأفعال - التي صنفوها إلى لفظية ومادية وذهنية - تسبب جزيئات مادية تلتصق بروح الشخص، وتثقلها وتجعلها تبعث باستمرار في دائرة الميلاد المتكرر. ونظرا لأن الجاينيين آمنوا أيضا بضرورة سعي المرء لتحرير روحه من مأزق الولادة المتكررة، فقد تضمنت تعاليمهم أن كل الكارما هي كارما سيئة، وأنه لا يمكن أن توجد عاقبة «جيدة» لفعل ما. على النقيض من ذلك، يرى بوذا أن عمل الكارما أخلاقي في الأساس؛ إذ إن ما يأتي بالعاقبة هو نية المرء. وقال بوذا فيما يتعلق بالكارما إن نوايا المرء «هي» أفعاله، فليس المهم هو ما يفعله المرء خارجيا وظاهريا، بل المهم هو حالته الذهنية؛ ولذلك في هذا الصدد لا تكمن آلية الكارما فيما يقصد عادة ب «الأفعال».
وعلى هذا النحو فإن الكارما هي تطبيق لآليات امتلاك أي فعل لعواقب. وعلى الرغم من اختلاف تفسيراتها في المدارس الفكرية المختلفة فإنها تعد جزءا أساسيا من الرؤية الهندية للعالم في العموم، يلقى قبولا من الجميع باستثناء مدرسة فكرية صغيرة نسبيا تضم الماديين المتطرفين. ومنذ القرن الخامس قبل الميلاد، أصبحت فكرة الكارما مرتبطة عموما بمعتقد أن الأفراد يشهدون ولادات متكررة متعاقبة. وتعمل آلية امتلاك أي فعل لعواقب بمثابة الوقود الذي يؤدي إلى استمرار الميلاد المتكرر، وترتبط الظروف المميزة لكل ولادة جديدة بتفاصيل الأفعال في الحيوات السابقة.
ومن الضروري أن نفهم هذا الجانب في الرؤية الهندية للعالم؛ والسبب الأساسي لذلك هو طريقة ارتباط الكارما برؤية طبيعة الواقع الحقيقية. وتقول معظم أنظمة الفكر الهندية إن اكتساب تلك الرؤية يؤدي إلى تحرير الفرد من استمرار الكارما. وهذا هو الهدف والغرض الأساسي من مهمة الفلسفة، وهو أيضا السبب الذي يجعل «الفلسفة» مرتبطة ب «الدين». وعند تقديم الدارشانا «لرؤيتها» للحقيقة، يكون كل نوع منها كما لو كان يصف الحقيقة التي سوف «يراها» ممارسو هذا النوع من الدارشانا. وأهمية الهدف من فلسفة الدارشانا - الذي يسميه الغربيون «الخلاص» - تفسر لماذا تعتقد كل المدارس الفكرية أنه من المهم للغاية تحقيق التجانس والصحة والكفاءة في تعاليمها.
التعقيد والتنوع: اختيار محتوى الكتاب
অজানা পৃষ্ঠা
كانت البيئة الجدلية التي تطورت مع مرور الوقت ونوقشت فيها عدة رؤى متنافسة عن العالم؛ بيئة متنوعة، وشديدة التعقيد والابتكار، ومتعددة الجوانب. وهذا يعني أنه في هذا الكتاب الذي يمثل مقدمة قصيرة جدا كان من الضروري اتخاذ قرارات صعبة بشأن الموضوعات التي سيتضمنها والموضوعات التي ستحذف منه. ومن أبرز الموضوعات التي حذفتها من هذا الكتاب الديانة الجاينية الفلسفية التي ذكرتها سالفا. وكان ماهافيرا - مؤسس الجاينية - معاصرا لبوذا، وكانت تعاليمه مبتكرة ومثيرة، وترك التقليد أثرا بالفعل على التراث الهندي الديني الفلسفي، ورغم ذلك يمكن حذف الحديث عن الجاينية دون التأثير على الفلسفة الهندية الأشمل في مجملها. وحذفت أيضا تقليد الكارفاكا، الذي كون مدرسة فكرية مادية، ولم أذكرها إلا ذكرا عارضا. وتكمن أهمية هذا التقليد في أنه كون تحديات للمدارس الفكرية المعارضة، وقدم إسهامات مثيرة لمناخ الجدل الفلسفي. ورغم ذلك، وكما هو الحال مع الجاينية، فإن حذف الحديث المطنب عن الكارفاكا لا يثير مشاكل في فهم الصورة الكاملة للفلسفة الهندية. ومن أبرز الموضوعات التي حذفتها الشيفية، وتمثل الشيفية جانبا من جوانب الفلسفة الهندية مهما ومعقدا ومؤثرا للغاية، لكنه يتضمن مجالا متشعبا للغاية ومتنوعا في ذاته لدرجة تجعل تناوله على نحو موجز للغاية لن يسهم إلا في تشويهه فحسب.
بالإضافة إلى حذف هذه التقاليد المهمة، فإن طبيعة هذا الكتاب الموجز لا تسمح بسرد مفصل للطرق التي تطورت بها كل مدرسة من مدارس الفكر الفلسفي المختلفة والطريقة التي تفرعت بها داخليا كل منها على مر الزمان، وعادة ما يكون هذا التفرع نتيجة للتفسيرات المختلفة للأفكار الأساسية والنصوص الرئيسية للمدرسة الفكرية. وكان هذا التفرع شائعا للغاية في هذا المناخ الجدلي الذي ازدهرت فيه هذه التقاليد؛ لأن أتباع كل مدرسة سعوا إلى طرق جديدة لرفض مزاعم الآخرين دون الانحراف عن مصادرهم الأساسية. وكانت طبيعة تلك النصوص تعني أيضا أن التفسيرات المختلفة لها كانت محتملة على أية حال. وفي الغالب، كان ذلك بسبب أن تلك المصادر كانت مدونة باقتضاب شديد وبأسلوب مبهم، يتطلب خبيرا أو معلما لينقل لطالبه المعنى الكامل لهذه النصوص. وأحيانا، كما في حالة المدارس الفكرية القائمة على تأويلات نصوص مقدسة تسمى كتابات الأوبانيشاد، كان سبب اختلاف التفاسير هو أن المادة النصية نفسها كانت متشعبة للغاية لدرجة أن المناهج المختلفة واختلاف الاهتمامات أدى كلاهما إلى تفسيرات مختلفة تماما في المجمل. وعندما أجد أن السمات الأساسية للفروع الكبرى للتقليد من الممكن تقديمها على نحو واضح ومختصر فإنني أقدمها في الكتاب. أما إذا أراد القارئ سردا للغالبية العظمى من التطورات المفصلة للتقليد؛ فأوصيه في هذه الحالة بالاستعانة بكتاب آخر أكثر شمولية. «التأويلات» هي تفسير المادة النصية، وقد يفسر المؤولون المختلفون النص نفسه على نحو مختلف، وهذا يعني أن كلا منهم قد يزعم معنى مختلفا للنص نفسه أو للفقرة نفسها، وهذا يؤدي إلى أن يستنتجوا، فيما بعد، تفسيرات شديدة الاختلاف أحيانا من المصدر الأساسي نفسه.
أما ما يركز عليه الكتاب فهو أولا سرد للفترة التي بدأ خلالها التراث الديني الفلسفي الهندي على نحو محدد الملامح، وكان ذلك في القرن الخامس قبل الميلاد، ويركز أيضا على السمات الرئيسية للأفكار والممارسات السائدة في ذلك الوقت. ويناقش الكتاب السبب الذي جعل موضوعات معينة تبدو ذات أهمية حتمية لمدارس فكرية معينة، وهذا يساعد في معرفة السياق الذي جعل المدارس الفكرية المختلفة إما تركز على أمور مختلفة أو تتشارك الاهتمام بالعوامل المشتركة عند تفسيرها على نحو مختلف. وهذا يمهد الطريق لفهم كيف ولماذا أصبح الجدل محوريا في طريقة ازدهار التقليد لاحقا. وسوف نرى أيضا الغرض من الجدل، ونقاط الجدل والخلاف، وطريقة وضع المعايير المنهجية للجدل، وأهمية أن يطرح كل تقليد حجته.
ويقدم النقاش التالي ترتيبا زمنيا عاما للأفكار المطروحة؛ كي يمكن أن تفهم التطورات في سياقها. أما التقاليد والمدارس الفكرية القديمة التي يناقشها الكتاب على نحو مفصل فهي ديانة الفيدا القربانية والأفكار والممارسات المدونة في كتابات الأوبانيشاد القديمة. ولا تعد ديانة الفيدا القربانية والأفكار والممارسات المدونة في الأوبانيشاد «الذراعين» - إن جاز التعبير - لدين كهنة البراهما في الهند القديمة فحسب، بل هما أيضا تمثلان المصدر الأساسي للعديد من المدارس الفكرية الفلسفية التالية، وتمثلان أيضا الأساس الذي قامت عليه الحاجة إلى وضع أساسيات للجدل الفلسفي. علاوة على ذلك، فقد عارض الآخرون المرجعية المهيمنة التي أسسها هذا التقليد منذ وقت مبكر، وقدم هؤلاء أفكارا وتعاليم معارضة له. وكان بوذا من أشهر هؤلاء المعارضين، وقد عاش لمدة ثمانين عاما خلال القرن الخامس قبل الميلاد. ونظرا لقلة تواجد البوذية في الهند في الوقت الحاضر، وعدم تواجدها في الوقت الذي أطلق فيه على التقاليد الدينية في الهند مصطلح «الهندوسية»؛ فإن دور البوذية في التراث الديني الفلسفي الهندي ككل في الغالب لا يلقى تقديرا. ازدهرت البوذية في الهند، ومنذ البداية لعبت دورا مهما على قدر هائل ومؤثرا أيضا في تحدي وجهات نظر الآخرين وتطوير أفكار مختلفة. ولاقت البوذية بدورها انتقادا شديدا من قبل الآخرين. وتوجد في الكتاب فصول مخصصة للتحدث عن كل من الفترة الأولى للبوذية والطريقة التي قدمت بها الأفكار البوذية لأول مرة، والتطورات المنهجية أكاديميا وفلسفيا في الفكر البوذي التي ظهرت على مدار القرون التالية.
ومع مرور الوقت، غلب الطابع المنهجي واضح المعالم على العديد من المدارس الفكرية التي ترتبط أصولها وعلاقاتها، بطريقة أو بأخرى، بالتراث الفيدي الأوبانيشادي للبرهمية ارتباطا مباشرا. وأصبحت ست من هذه المدارس الفكرية هي السائدة، وأصبحت تعرف باسم الأنواع الستة الكلاسيكية لفلسفة الدارشانا الهندية. وفي أغلب الأحيان يطلق عليها مدارس الدارشانا «الهندوسية» الست، وعلى الرغم من أن استخدام مصطلح «الهندوسية» في الإشارة لهذه المدارس الست يعد مغالطة تاريخية فضلا عن أننا لن نستخدمه في هذا الكتاب؛ فإنه يفيد في تمييز تلك المدارس عن التراث البوذي وغيره من التقاليد الأخرى، مثل الجاينية، التي لا تشترك معها في السلالة المباشرة نفسها. أما ما جعل البوذية والجاينية نوعين منفصلين من التراث في حد ذاتهما فهو رفضهما الصريح والتام لسلطة وتعاليم كهنة البرهمية والمزاعم التي قالها كهنة البرهمية حول مكانة مصادرهم الأولية. وعلى النقيض من البوذية والجاينية، نجد أن أصحاب مدارس الدارشانا الست، على الرغم من انخراطهم في المحاجة والجدل وتقديم تعاليم ووجهات نظر تختلف أحيانا اختلافا كبيرا، قبلوا الهيمنة البرهمية؛ ومن ثم ظلوا تحت مظلتهم.
علم الوجود
يهتم علم الوجود بالموجودات؛ فهو يتعلق بالأمور الموجودة، ويمكن أن يكون جوابا على كافة المستويات من المستويات بالغة الصغر وحتى بالغة الكبر على سؤال: ماذا يوجد؟ ومهما كانت طريقة المرء في تناول الموضوعات الوجودية (ماذا يوجد؟) فالهدف هو إثبات «حالة وجود» الشيء الموجود، ويطلق على ذلك «الحالة الوجودية». فإذا تأمل المرء، على سبيل المثال، حديقة رآها في الحلم وأخرى في المتجر الذي يتسوق منه، فمن الممكن أن يرى المرء بسهولة أن كلتيهما لديها حالة وجود مختلفة؛ فالحالة الوجودية مختلفة. وبالمثل ، فالواحة التي يراها المرء في السراب حالتها الوجودية مختلفة عن الواحة التي يمكن أن يحدد المرء موقعها على الخريطة. فأي شيء موجود له حالة وجودية، ولا يشترط أن تكون هذه الحالة واضحة على الفور؛ فأثناء الحلم وأثناء تجربة السراب تبدو الحالتان الوجوديتان للحديقة والواحة مماثلتين لحالتيهما الوجوديتين عند رؤيتهما في المتجر أو على الخريطة، أما في واقع الأمر فإن وضعهما مختلف، ويمكن أن يفهم هذا الاختلاف في ضوء الحقيقة أو الواقعية. إن حديقة المتجر «أكثر واقعية» من الحديقة المرئية في الحلم، والواحة المبينة على الخريطة «أكثر واقعية» من الواحة المرئية في السراب، لكن الحديقة في الحلم وواحة السراب لديهما أيضا نوع من الواقعية أو الحالية؛ فالمرء يشعر «أنهما واقعيتان»، وفقط من خلال الإدراك المتأخر يمكن للمرء أن يدرك أنهما «أقل واقعية» من الحديقة والواحة المرئيتين في المتجر وعلى الخريطة. أما في سياق رؤية العالم أو النظام الفلسفي، فالحالة الوجودية هي ما تحدد الأمر الموجود في الواقع - حتى لو كنا لا نستطيع رؤيته على الفور - دون الارتباط بالتفسيرات الخاطئة المحتمل أن نأتي بها كما فعلنا في حالة الحلم والسراب. وعلى مدار العصور في الشرق والغرب، قدم الكثير من الحالات الوجودية المختلفة، وبعض هذه الحالات أقر أن ما نراه هو الموجود في واقع الأمر؛ والبعض الآخر قال إن حالة اليقظة العادية تشبه حالة الحلم، وإن الموجود فعلا يختلف عن ذلك.
يطلق على أنظمة الدارشانا الستة الكلاسيكية التي يتناولها الكتاب: نيايا، فايشيشيكا، يوجا، سانكيا، ميمانسا، فيدانتا. وجرت العادة على التعامل مع هذه الأنظمة الستة على أنها ثلاثة أزواج، كل زوج منها يتسم بسمات أساسية متوافقة أو متشابهة؛ فنجد أن الزوج الأول المتمثل في نيايا وفايشيشيكا يتشارك في الحالة الوجودية (انظر المربع السابق) التي يقدمها النظام الثاني (فايشيشيكا) وتتوافق معها طريقة الأول (نيايا)؛ ونجد أن الزوج الثاني المتمثل في يوجا وسانكيا يتشارك إلى حد كبير في الحالة الوجودية التي يقدمها النظام الثاني (سانكيا)، ومرة أخرى يتوافق معها منهج الأول (يوجا)؛ والزوج الثالث هو ميمانسا وفيدانتا، ويتشاركان في المنهج التأويلي للأجزاء المختلفة من صلب المادة النصية نفسها، التي ينسبان إليها نفس الحالة الأساسية. ويتبع الكتاب هذا الأسلوب التقليدي المتمثل في تقسيمها إلى أزواج، ويخصص فصولا منفصلة لكل زوج. ورغم ذلك، فعندما يكون الأمر مناسبا من ناحية الترتيب الزمني، فسوف تضم الفصول إشارات إلى مراحل رئيسية في التقاليد الأخرى؛ كي يظل القارئ مستوعبا كيف تطورت المدارس الفكرية المختلفة من خلال تفاعل بعضها مع بعض.
الفصل الثاني
البدايات البرهمية
অজানা পৃষ্ঠা
القرابين والتأمل الكوني ووحدة الوجود
ستكون بداية القرن الخامس قبل الميلاد نقطة الانطلاق التي سنتناول من عندها الفكر الفلسفي الهندي من خلال إلقاء نظرة على الأفكار والممارسات التي أسس لها كهنة البرهمية في وسط شمال الهند في ذلك الوقت. وتعد هذه نقطة انطلاق جيدة لعدة أسباب؛ أولا: كان التقليد البرهمي يسود في شمال الهند في هذه الفترة، وقد ظل التقليد الوحيد الذي فرض هيمنته على التركيبة الاجتماعية الدينية للبلاد لفترة طويلة. وعلى الرغم من زيادة نفوذ أفكار وممارسات التقاليد الأخرى في فترات معينة، فقد ظل التقليد البرهمي يسيطر على المعايير المحددة لقيم المجتمع. ثانيا: في بداية القرن الخامس قبل الميلاد، وجد منهجان محددا المعالم على نحو واضح داخل هذا التقليد، ونحن نعلم معلومات كافية عن هذين المنهجين على نحو يمكننا من إبراز السمات والمساوئ الرئيسية في كل منهما. أما السبب الثالث، ولعله السبب الأهم بالنسبة لأغراضنا، فهو أننا من خلال مناقشة هذين المنهجين يمكننا أن نرى كيف أسهم كلاهما في انتشار التشكيك والجدل ومحاولات تفنيد أفكار الآخرين. وعند توضيح هذه النقاط، سوف نرى أيضا كيف ظهر هذان المنهجان في المراحل الأولية من هذا التقليد.
القرابين
كان كهنة البرهمية في القرن الخامس قبل الميلاد منحدرين من شعب اسمه الشعب الآري، جاءوا من أوراسيا الوسطى واستقروا في شمال غرب الهند منذ عدة قرون، وجلبوا معهم ممارساتهم وأفكارهم. كان لديهم لوقت طويل جدا ديانة تقوم على القرابين والطقوس، وكانوا يحفظون التفاصيل المقدسة لهذه القرابين والطقوس ويدونونها في «صحف» الطقوس. ونظرا لأن الكتابة كانت غير معروفة لهم في ذلك الوقت، فقد تولت عائلات مختلفة من الكهنة البرهميين، أسهمت كل منها في الطقوس، مسئولية الحفظ الشفهي للنصوص المتعلقة بواجباتهم الشعائرية، وتعاملوا مع هذه المسئولية بجدية بالغة؛ لأن فعالية القربان كانت تعتمد على دقة الحفظ، وأتقنوا أساليب متعددة للحفظ، وفي ضوء الأدلة الموجودة لدينا الآن، نعتقد أنه من المحتمل أنهم حققوا درجة عالية جدا من الدقة.
تأريخ زمني
2000-1500 قبل الميلاد تقريبا:
دخل تقليد تقديم القرابين الفيدي، القائم على الأفعال الشعائرية، إلى شمال غرب الهند على يد الآريين. وحافظ كهنة البرهمية على هذا التقليد وتولوا مهمة تنفيذه.
800-500 قبل الميلاد تقريبا:
اعتنق التقليد البرهمي التعاليم المدونة في كتابات الأوبانيشاد القديمة، التي قالت إن المعرفة ذات أهمية مطلقة.
بحلول عام 500 قبل الميلاد:
অজানা পৃষ্ঠা
وجود الفرع الشعائري والفرع المعرفي من التقليد البرهمي جنبا إلى جنب.
وعلى الرغم من أن طقوس تقديم القرابين الفيدية تعتبر الآن نشاطا دينيا، فإن هذه الطقوس كانت تؤدى إلى حد كبير لأهداف دنيوية، وهذا يعني أن الغرض الأساسي من القربان كان أن يستمر الكون في العمل بأفضل مستوى كفاءة في الوقت الراهن. وكانت تقدم القرابين إلى عناصر النظام الطبيعي للكون مثل الشمس والمطر والبرق والرياح وغيرها، وكانت تقدم أيضا لمبادئ مجردة مثل العهود والنذور. وفي العموم كان يطلق على ما يقدم له القربان «ديفا». وكان المنطق وراء هذه الممارسة هو أنه إذا أدى الإنسان طقوس تقديم القربان على نحو صحيح، فإن «الديفا» سوف يرد بأداء وظيفته الكونية على أكمل وجه. وبهذه الطريقة استمر النظام الكوني، الذي أصبح معروفا فيما بعد باسم «دارما». أما ما فرض على كهنة البرهمية ضرورة القيام بالطقوس فهو صحف الطقوس، وتمثل هذه الصحف الأجزاء القديمة من مجموعة النصوص المعروفة باسم فيدا؛ ولذلك يمكن الإشارة إليها باسم صحف الطقوس الفيدية، وأحيانا يشار لهذا الدين القرباني باسم الدين الفيدي القرباني.
كانت «طقوس تقديم القرابين» التي جلبها الآريون تتم على يد أشخاص متخصصين (كهنة البرهمية)، نيابة عن أشخاص يحق لهم ويجب عليهم توظيف كهنة البرهمية للقيام بالطقوس. وكان تقديم القرابين يتم في مكان معد خصوصا لذلك، منظم حول نار أو نيران موجودة في المنتصف. وبالإضافة إلى الكلمات والأصوات التي يتمتمون بها أو يتحدثون بها أو ينشدونها، كانوا يستخدمون أيضا أدوات معدنية عند وضع القربان في النار، وكان القربان من مواد مثل الحبوب المطهوة والزيت. وكانت كل الأمور المتعلقة بالقربان، بداية من مساحة المكان إلى نوع القربان الواجب تقديمه والكلمات المستخدمة، موصوفة في صحف الطقوس.
كلمة «فيدا» تعني «المعرفة»؛ فهي تشير إلى اعتقاد أن الأسلاف القدماء للكهنة البرهميين في القرن الخامس قبل الميلاد عرفوا أو «رأوا» الحقيقة التي تتضمنها الفيدا (ولهذا السبب أطلق عليهم الناظرون). وهذا المعتقد لم يكن مفهوما مطلقا على أنه حقيقة مكتشفة خاصة بالمعلمين، بل فهموا أنها حقيقة كونية أبدية وغير مرتبطة بشخص بعينه، وأن الناظرين كانوا مجرد أداة لتدوينها للأجيال القادمة. وبهذه الطريقة أصبحت مكانة نصوص تقديم القرابين الفيدية ذات أهمية بالغة، واعتبر أي شيء مفروض على الإنسان بموجب مجموعة هذه النصوص صحيحا لذاته؛ إذ يجب تنفيذه لأنه يجب تنفيذه؛ فهذا جزء من الحقيقة الأبدية. وعلى هذا الأساس فإن الاهتمام بالدقة لضمان الفعالية عززه الاعتقاد الذي يقول إن الأداء الصحيح لكل طقس من الطقوس هو جزء من الواجب الكوني.
شكل : أدوات الطقوس المستخدمة في القربان الفيدي.
شكل : ما زالت طقوس القربان الفيدي تقام إلى يومنا الحالي، ولم تتغير عن الأوقات القديمة إلا قليلا.
بالإضافة إلى الأفعال الشعائرية البدنية، وصفت صحف الطقوس مجموعة من الكلمات والأصوات التي يمكن أن يشار إليها جميعا بأنها صيغ لا بد من نطقها أو التمتمة بها أو إنشادها عند تقديم القربان. وكان كل من الفعل البدني والصوت يسهمان في نتائج التضحية؛ فقد كانا من «الأفعال» ذات العواقب، أو ما يطلق عليه كارما. وكانت اللغة السنسكريتية هي اللغة المكونة لهذه الصيغ، ونتيجة لذلك اعتبرت اللغة أداة مقدسة ذات قدرة هائلة أكثر من كونها مجرد وسيلة للتواصل. وفي واقع الأمر، لقد اعتبرت تجسيدا في صورة صوتية لتجلي الكون.
اللغة السنسكريتية
تشترك كلمة «سنسكريت» مع كلمة كارما في جذر الفعل «كري»، أما البادئة «سنس» فتعطي معنى «المكونة جيدا» أو «المبنية جيدا»، وهذا يوضح الارتباط بين النطق الصحيح الواضح للكلمات السنسكريتية وبين الكون المتجلي الذي تشير إليه.
شكل : مقتطف من ريج فيدا، مخطوطة يعود تاريخها إلى عام 1434 للميلاد.
অজানা পৃষ্ঠা
ونظرا لمكانة وقوة النصوص الفيدية واللغة السنسكريتية، فقد كان كهنة البرهمية يحرصون على معرفتهما معرفة وثيقة دون غيرهم من الناس، وأراد كهنة البرهمية إضفاء الشرعية على هذه المعرفة الحصرية فتعللوا بأن مثل هذه النصوص تحتاج إلى الحماية، لكن هذا في الوقت نفسه وضع الكهنة أنفسهم في موقع السيطرة المطلقة على المجتمع في ذلك الوقت، وكان المجتمع نفسه منظما بطريقة تحافظ على هذه السيطرة. أما أصول ما يعرف الآن بالنظام الطبقي الهندي فهي مدونة في صحف الطقوس الفيدية، وفيها كان الناس يقسمون وفقا لتسلسل هرمي على حسب النقاء الشعائري، وكان كهنة البرهمية، الأنقى، يحتلون القمة. إن نقاء كهنة البرهمية جعلهم مستحقين ومخولين بالتعامل بأمان وكفاءة مع الطقوس المقدسة ولغة القربان.
وهكذا فقد كانت السمات الأساسية للدين القرباني الفيدي تقوم على الطقوس الشعائرية، البدنية واللفظية أيضا، وكانت الدقة والإتقان في أداء هذه الطقوس ضروريين لضمان فعاليتها، وكان كهنة البرهمية يحفظون هذه الطقوس ويشرفون على القيام بها بالكامل، وكان الهدف من أداء هذه الممارسات الشعائرية هو الحفاظ على استمرار الكون، وكانوا يعتقدون أن الأفعال القربانية المختلفة - البدنية واللفظية - ترتبط بنتائجها بالتبعية.
التأمل الكوني
على الرغم من أن هذا النظام كان دنيويا إلى حد كبير، فإن كثيرا من النصوص الفيدية تسجل أن بعض القدماء المتخصصين في الطقوس كانوا يتأملون على نحو معقد في طبيعة الكون الذي يسعون إلى استمراره، وأدركوا أن الأدوار التي يلعبها الديفات التي يقدمون إليها القرابين كانت أدوارا مقتصرة على المكان المحدد والدور المحدد لكل منها في هذا الكون، وتفكروا أيضا في احتمالية وجود ما هو أعظم من الديفات. كما أرادوا أيضا معرفة المزيد عن أصول الكون نفسه؛ كيف بدأ كل هذا؟ من أو ماذا (إذا كان يوجد شخص أو شيء) خلقه؟ هل بدأ كجنين ذهبي؟ هل شيد على يد مهندس سماوي؟ هل نشأ عن قربان كوني؟ ما الدور الذي لعبه الكلام (أي صوت اللغة المقدسة)؟ هل النفس هو ما منح الحياة لكل شيء؟ أم كان الزمن هو ما بدأ كل شيء؟ ماذا كان يوجد من قبل؟ وربما السؤال الأهم هو: من يعلم ذلك؟
لم يكن يوجد عدم ولا وجود في ذلك الوقت، ولم يكن يوجد الفضاء ولا السماء التي وراءه. ما الذي بدأ كل شيء؟ وأين؟ وفي حماية من؟ هل كان يوجد ماء سحيق العمق؟
لم يكن يوجد موت ولا خلود في ذلك الوقت، لم تكن توجد علامة مميزة لليل أو النهار، أحدهم كان يتنفس ذاتيا، بلا هواء، وفيما عدا ذلك لم يكن يوجد شيء.
كان الظلام يخفيه الظلام في البداية، ولم توجد علامة مميزة، وكان كل شيء ماء. قوة الحياة التي كانت مغطاة بالخواء، أيقظها ذلك الكيان من خلال قوة الحرارة ...
من يعلم حقا؟ من سيعلن هنا؟ من أين جاء العالم؟ من أين جاء الخلق؟ الديفات أتت فيما بعد، مع خلق هذا الكون، فمن إذن يعلم من أين نشأ العالم؟
من أين نشأ هذا الخلق؟ ربما خلق نفسه، وربما لم يفعل ... الكيان الذي ينظر مراقبا من السماء العليا وحده يعلم، أو ربما لا يعلم. «ريج فيدا»، المجلد 10، من كتاب «مقتطفات من الريج فيدا»،
تحرير وترجمة ويندي دونيجر أوفليرتي، هارموندسوورث: بنجوين، 1981
অজানা পৃষ্ঠা
تاريخ «الريج فيدا» غير مؤكد، لكن يعتقد أنها كانت قبل القرن الخامس قبل الميلاد بوقت كبير، ومن الممكن أن يعود تاريخها إلى قرابة 1500 قبل الميلاد.
يعد تأمل القدماء استثنائيا في مداه وعمقه، ويشير إلى قدر هائل من التفكير التحليلي من جانب ممارسي الطقوس عن طبيعة ما كانوا يقومون به. ولا يوجد لدينا دليل على ما إذا كان هذا التأمل قد أثر على الطقوس نفسها؛ وفي واقع الأمر سيكون من غير المحتمل أن يكون هذا التأمل قد أثر عليها؛ لأن الطقوس كانت مدونة بدقة صارمة، لكن من الممكن أن يكون هذا التساؤل المستمر قد أسهم في ظهور مجموعة ثانية من الأفكار والممارسات الدينية التي تبناها التقليد البرهمي. وإلى جانب استمرار غالبية الكهنة في ممارسة طقوس القربان الظاهرة والمرئية، تسجل النصوص الفيدية أن بعض الكهنة بدءوا يعتكفون للتأمل في طبيعة القربان بمزيد من العمق، وفي النهاية توصل بعض هؤلاء إلى اعتقاد أن القربان يمكن أن «يصبح باطنيا»؛ أي أن يمارس من خلال وسائل التركيز والتخيل.
والتطور التدريجي لهذا الاتجاه مسجل في كتب مجموعة النصوص الفيدية، المعروفة باسم البراهمانات والأرانياكات (انظر المربع التالي)، لكن في كتابات الأوبانيشاد توجد التعاليم التي قد تمثل، على نحو محدد، ذروة هذا الاتجاه. وتكون كتابات الأوبانيشاد الجزء الأخير من الشريعة الفيدية - ويطلقون عليها «نهاية الفيدا» - وجمعت محتوياتها في العائلات البرهمية نفسها التي جمعت النصوص الشعائرية.
كانت النصوص الفيدية محفوظة في عائلات برهمية مختلفة، ومع مرور الزمن أكملت «الأجزاء» الأربعة من «الصحف الشعائرية»، التي كان يستخدمها مختلف أنواع كهنة البرهمية، بكل من «البراهمانات» و«الأرانياكات» وأخيرا كتابات «الأوبانيشاد».
وكانت الأجزاء الشعائرية الأربعة هي:
ريج فيدا
ساما فيدا
ياجور فيدا
أتهارفا فيدا
ودمجت هذه العائلات نصوص «البراهمانا» و«الأرانياكا»، التي كانت تضم أفكارا حول طبيعة القربان و«تحويل القربان إلى قربان باطني».
অজানা পৃষ্ঠা
وتمثل كتابات «الأوبانيشاد» ملحقات للنصوص القديمة، وتضم ما يلي: «كاوشي تاكي» «تشاندوجيا» «تايتيريا» «مونداكا» «براشنا» «بريهادارانياكا» «كينا» «كاتها» «إيشا» «شفيتاشفاتارا»
تحتوي كتابات الأوبانيشاد على الكثير من الأحاديث التأملية والتعليمية، حول طبيعة أداء الطقوس القربانية والهدف منها وضرورتها. أما ما يميزها عن النصوص البرهمية الأولى فهو أنها تحتوي أيضا على تعاليم وأفكار تقلل من مكانة الهدف من الطقوس وتجعله مجرد التزام بالسعي لفهم طبيعة البشر. بالإضافة إلى ذلك، فالمعرفة التي كانت تسعى إليها كانت معرفة شخصية وباطنية - معرفة «روحانية» داخلية - في مقابل معرفة القربان الطقسية العلنية. وهذا يمثل تحولا في التقليد من اهتماماته السابقة التي كانت متمحورة حول الكون إلى الاهتمام بموضوعات متمحورة حول الإنسان على نحو أكبر؛ أو أنه يركز على الفرد على نحو أكثر تحديدا داخل إطار الصورة الكونية الأوسع نطاقا المتعلقة بالفترة القديمة التي كانت خالصة للطقوس. تضم كتابات الأوبانيشاد أول تسجيل لفكرة أن البشر يولدون مرارا وتكرارا في ظروف تتوقف على أفعالهم في الحيوات السابقة. وتقول الكتابات إن الأداء المتقن والصحيح للقرابين لن يحقق العواقب التي من أجلها قدمت القرابين فحسب، بل سوف يؤثر تأثيرا مفيدا على ظروف الحياة التالية للشخص، وهذا هو قانون الكارما (الفعل) الذي لا ينطبق على آليات الطقوس فحسب، بل ينطبق أيضا على آليات التجربة البشرية.
ورغم ذلك، فأهم شيء يجب أن يطمح المرء إليه هو اكتساب معرفة طبيعة ذاته الجوهرية أو روحه، التي تسمى «أتمان» باللغة السنسكريتية. وتقول نصوص الأوبانيشاد إن الذات والكون شيء واحد، وتقول على نحو متكرر إن أتمان المرء لا تنفصل عن كل الموجودات. ويعرف ذلك على نحو مشهور بهذه الجملة: «تات تفام أسي»: «أنت [كل] ذلك» («تشاندوجيا أوبانيشاد»، المجلد 6). ويجب السعي إلى اكتساب معرفة تجريبية عن هذه الهوية؛ لأن مثل هذه المعرفة تؤثر على خلاص المرء (الخلاص يعني «موكشا» بالسنسكريتية) من الميلاد المتكرر. ويقدم هذا المبدأ فكرة الخلاص إلى التقليد البرهمي لأول مرة، وعلى الرغم من استمرار ممارسة طقوس تقديم القرابين حتى الوقت الراهن، فإن تجربة الموكشا سرعان ما أصبحت الهدف الأسمى للوجود البشري. لقد أصبحت تعتبر معرفة إيجابية تماما مكنت المرء من الهروب من دوامة الميلاد المتكرر وجعلته يشهد الخلود: «إن المرء الذي يرى ذلك لا يشهد الموت أو المرض أو الضيق [بعد الآن].» («تشاندوجيا أوبانيشاد»، المجلد 7).
وحدة الوجود
إذا نظرنا من وجهة النظر العامة بدلا من وجهة النظر الخاصة وجدنا أن المبدأ القائل بتطابق الذات والكون يجيب أيضا عن التأمل الأولي المتعلق بطبيعة الكون. في كتابات الأوبانيشاد القديمة يشار إلى الكون بالمصطلح المحايد «براهمان» (لا تخلط بينه وبين صيغته المذكرة «براهما» الذي هو اسم ديفا مهم في هذا التقليد). ويعد براهمان المرادف لثابت غير شخصي يمكن أن يطلق عليه أيضا وحدة الوجود أو الوجود. وفي فقرة مهمة يعلم فيها أحد الآباء ابنه، فيقول:
في البداية، كان هذا الكون مجرد وجود؛ واحد فقط دون ثان. وصحيح أن بعض الناس يقولون إنه «في البداية كان هذا العالم مجرد لاوجود - واحد فقط دون ثان - ومن اللاوجود ظهر الوجود.» لكن كيف يمكن أن يكون هذا هو واقع الأمر؟ كيف يمكن أن يأتي الوجود من اللاوجود؟ على النقيض من ذلك، في البداية، كان هذا العالم مجرد وجود - واحد فقط دون ثان. «تشاندوجيا أوبانيشاد»، المجلد 6
يشار إلى المبدأ القائل إن الكون واحد بالمصطلح الوجودي «واحدية»، وهذا يعني أنه يوجد موجود واحد فقط، ولا يوجد شيء مغاير لهذا الموجود؛ إذن فكل ما هو موجود هو في النهاية شيء واحد، حتى إذا لم يبد لنا أن الأمر كذلك؛ فليس بالضرورة أن نكون قادرين على رؤية ذلك ليكون صحيحا. الواحدية مصطلح عددي وليس نوعيا. ويلزمنا معلومات إضافية لمعرفة طبيعة وسمات وحدة الوجود، في حال وجود تلك السمات.
الواحدية ليست مصطلحا إيمانيا أيضا، ويجب ألا يخلط بينها وبين مفهوم «التوحيد»؛ فالتوحيد ينص على وجود إله واحد، لكنه لا يخبرنا أي شيء آخر عن ذلك الموجود في حد ذاته، ولا ينص على أنه لا يوجد سوى وحدة الوجود. فإذا كان الكون واحديا، ففي إطار وحدة الوجود من الممكن أن يعتقد أنه يوجد شيء يبدو كإله - أو عدة آلهة في واقع الأمر - لكن ذلك لن يكون له علاقة بوحدة الوجود الأساسية سوى ذلك التعدد الظاهر في العالم التجريبي.
وتزخر كتابات الأوبانيشاد القديمة بجمل تفسر نتائج وحدة الوجود: «إنه من خلال الرؤية، والسمع، والتفكر، والتركيز على الذات الجوهرية للمرء (أتمان) يعرف العالم كله» («بريهادارانياكا أوبانيشاد»، المجلد 2). «الأتمان أسفل وأعلى، وفي الغرب والشرق والشمال والجنوب. الأتمان بالفعل هي العالم كله» («تشاندوجيا أوبانيشاد»، المجلد 7). وعلى نحو مباشر إلى حد كبير، فالتعبير «أتمان هي براهمان» يوحد على نحو واضح تماما بين الذات الجوهرية والكون، ويجعلهما في النهاية شيئا واحدا لا شيئين.
إن التركيز على هوية الذات الباطنية والكون يشير إلى أن التعاليم المذكورة في كتابات الأوبانيشاد يمكن اعتبارها ذروة تحويل القربان إلى قربان باطني، كما قلنا في السابق. إن الممارسات الخارجية والمرئية الموجهة نحو العالم الخارجي تحولت ببساطة إلى فهم شخصي داخلي للعالم. وتدعم كتابات الأوبانيشاد أيضا تقليد طقس القربان؛ إذ إنها لا تذكر في أية نقطة ما يشير إلى ضرورة هجر تلك الطقوس. على العكس من ذلك، فإن كتابات الأوبانيشاد تؤكد على الحاجة إلى أداء الطقوس وعلى النظام الاجتماعي الطبقي، القائم على النقاء الشعائري الذي من خلاله تؤدى تلك الطقوس، وبذلك كان ممكنا أن توجد كل من الطقوس وتعاليم الأوبانيشاد جنبا إلى جنب داخل التقليد البرهمي. أما المكانة العليا المخصصة لصحف الطقوس الفيدية فهي مخصصة بالمثل لكتابات الأوبانيشاد؛ إذ تعتبر كلتاهما متضمنة لتعاليم متعلقة بالحقيقة.
অজানা পৃষ্ঠা
يمكن للمرء أن يلاحظ على الفور أيضا كيف أن هذين الفرعين من التقليد يتضمنان موضوعات ووجهات نظر من المحتمل أن تسبب الخلاف والنزاع بين أتباع التقليد؛ فالتركيز والتأكيد في كتابات الأوبانيشاد لم يتحولا فحسب من الاهتمامات الدنيوية المتمثلة في الطقوس إلى الاهتمام بطبيعة ومصير الإنسان، كما وصفنا في السابق، بل أيضا اعتبر اكتساب المعرفة الباطنية ذا أهمية عليا، كما اعتبر هدفا أسمى من أداء الأفعال الشعائرية. علاوة على ذلك، وربما في غاية الأهمية، فإن ممارسة الطقوس الفيدية وسعي كتابات الأوبانيشاد إلى اكتساب المعرفة كليهما مدعومان بفهم مختلف لطبيعة الحقيقة؛ فكتابات الأوبانيشاد توضح أن تلك الطقوس، على الرغم من أهميتها، يجب أن تمارس فحسب وفق رؤية تفترض أن العالم المتعدد يتسم بالحقيقة المتسامية، وفي واقع الأمر فإن الغرض من الطقوس هو الحفاظ على العالم المتعدد. ورغم ذلك، ترى كتابات الأوبانيشاد أن تلك التعددية حقيقية فقط من الناحية التجريبية (أو من الناحية العرفية)، وأن معرفة الحقيقة الكبرى المتمثلة في وحدة الوجود الكامنة للعالم هي ما تؤدي إلى هدف الخلود الأعلى.
لا توجد تعددية هنا. إنه ينتقل من موت إلى موت من يؤمن بالتعددية في هذا الصدد. يجب أن يرى المرء واحدا فقط ... ومن خلال معرفة ذلك الواحد بعينه ، يمكن للبرهمي الحكيم أن يكتسب البصيرة بنفسه. «بريهادارانياكا أوبانيشاد»، المجلد 4
يطلق على الأشخاص الذين يقرون أن تعددية العالم من حولنا حقيقة مطلقة مصطلح «التعددين»، أما المصطلحات الأخرى التي تطلق على هذا المفهوم الوجودي فهي «الواقعية التعددية» و«الواقعية المتسامية»؛ وهذا يعني أن ما نراه - تعددية العالم التجريبي - حقيقي في حد ذاته، ومتسام (أو «خارج») عن أي شيء له علاقة بالإدراك البشري.
أما الأشخاص الذين يقولون إن التعددية التجريبية ليست حقيقية من جهة التسامي (وهذا سيشمل أولئك الذين يقولون إن الحقيقة واحدة) فإنهم لا ينكرون الحقيقة التجريبية، بل ما يقولونه هو أنه يوجد قدر أكبر من الحقيقة - الحقيقة المطلقة - يختلف عما نراه على السطح، والحقيقة التجريبية في هذا الصدد تكون «اصطلاحية».
في العقود الأولى من القرن الخامس قبل الميلاد لم يبد أن هذين المنهجين تعارضا فيما بينهما أو أنهما طرحا رؤيتين غير متوافقتين للعالم تتنافسان على السيادة، لكن هذا الوضع سرعان ما تغير، كما سنرى في الفصول المقبلة. فهذا القرن لم يشهد فحسب وجود بوذا وغيره من الذين تحدوا التعاليم البرهمية القائمة على كتابات الأوبانيشاد، بل سرعان ما أصبح من الضروري للمتخصصين في الطقوس أن يدافعوا عن رؤيتهم الواقعية للعالم ضد أولئك الذين سعوا إلى دحض الغرض من القربان أو السخرية منه، وفي سبيل القيام بذلك كانوا مضطرين إلى دحض أية فكرة متعلقة بالمكانة العرفية فحسب للعالم التجريبي كما تقول كتابات الأوبانيشاد، وكما يقول آخرون. وكان معنى ذلك أن أصبح التقليد البرهمي مضطرا للتصارع مع النقد الخارجي، وأيضا أصبح معرضا على نحو متزايد للتباين في الرأي بين أتباع التقليد استنادا إلى فرعي النصوص الأولية.
وفيما بعد، حاول أولئك المهتمون بعدم التشكيك في مشروعية وجود كلا المنهجين داخل التقليد نفسه التغلب على عدم التوافق بين المنهجين؛ عن طريق اقتراح ضرورة أداء الواجبات الشعائرية خلال فترة من حياة الفرد هي فترة زواجه وإنجابه للأطفال؛ وهذا يعني استمرار الحفاظ على العالم المعتمد على الطقوس، وكذلك إنتاج الأجيال المتعاقبة من الأبناء الذين يعتمد عليهم استمرار النظام الاجتماعي الطبقي الذي يقوده كهنة البرهمية. وبمجرد انقضاء هذه المرحلة من حياة المرء، يمكن تركيز الانتباه على السعي إلى تحرير المعرفة. وإلى وقتنا هذا، يرى الأشخاص الذين يهتمون في المقام الأول بالممارسة الدينية بدلا من النقاش الفلسفي أن هذا هو طريق الأرثوذكسية البرهمية التي تقر بالمكانة الجوهرية للفيدا ككل.
ومع ازدياد تطور النقاش الفلسفي والجدلي، شارك في النقاش مفكرون من تقاليد متنوعة، لكن من هذه النصوص الأولية مباشرة، بنت مدرستان من مدارس الدارشانا الفلسفية الكلاسيكية - هما ميمانسا وفيدانتا - تعاليمهما ورؤيتهما المختلفة للعالم على تأويلات نصوص تقديم القرابين الفيدية وعلى كتابات الأوبانيشاد على الترتيب. وأصبحت هاتان المجموعتان من النصوص، اللتان على أساسهما تعايش الفرعان الشعائري والمعرفي للتقليد البرهمي خلال أوائل القرن الخامس قبل الميلاد؛ معروفتين باسم «قسم الأفعال» («كارما كاندا») و«قسم المعرفة» («جنيانا كاندا») للفيدا لدى كل من الأشخاص الذين تحدوا التقليد، والأشخاص الذين وفقوا بين منهجي التقليد، والأشخاص الذين فسروا نصوص التقليد.
الفصل الثالث
هجر المنظومة البرهمية
الطريق الوسطي لبوذا
অজানা পৃষ্ঠা
المارق في مواجهة المعتنق
إن ارتباط السلطة الدينية بالتسلسل الهرمي الاجتماعي الذي يتولى كهنة البرهمية إدارته وحراسته بالقدر نفسه من الصرامة التي يديرون بها الطقوس القربانية ويحرسونها؛ جعل البعض يرون أن العيش وفق قيود المنظومة البرهمية سيكون قهريا، وسعى هؤلاء الناس إلى إيجاد طرق اجتماعية دينية بديلة، وأصبح يطلق عليهم في مجملهم المارقون («شرامانا»). وكان ما رفضه هؤلاء هو كل ما يتعلق بسلطة كهنة البرهمية ومبادئهم التوجيهية، لكن ما فهمه الآخرون على وجه التحديد عن «المارقين» هو أنهم على طرف نقيض من «المعتنقين» المنصوص عليهم في التقليد البرهمي بهدف ضمان استمرارية ذلك التقليد. فواجب المعتنق لا يتمثل في تقديم القرابين فحسب، بل يتمثل في وجوب أن يكون منتجا اقتصاديا وتناسليا داخل السلالات الجماعية التي كانت تستبعد الأشخاص الذين لا ينتمون للمستوى نفسه من النقاء الشعائري. على الجانب الآخر، كان المارقون متجولين ومتسولين ومتبتلين، وبعضهم تجمع حول قادة وقبل تعاليمهم ورؤاهم واتفق معها، بينما كان كثير منهم متجولين معزولين ، وكثير منهم مارسوا أيضا أساليب تقشف قاسية، وأخضعوا أنفسهم لمستويات متطرفة من درجات الحرارة والجوع والعطش وأشكال مؤلمة من التشويه الجسدي، بالإضافة إلى أنواع أخرى متعددة من نكران الذات. وكان المارقون يرون أن ذلك الزهد له هدف؛ إذ كانوا يعتقدون أنه يسهم في اكتساب البصيرة الروحانية من خلال التركيز الذهني المكتسب بطرق معينة غير معتادة.
خريطة 1: المركزان الحضريان الأساسيان لحضارة وادي السند؛ موهينجو دارو وهارابا. منظر لموقع موهينجو دارو الأثري.
تأريخ زمني
عام 2000 قبل الميلاد تقريبا:
التقليد القرباني الفيدي.
800-500 قبل الميلاد تقريبا:
كتابات الأوبانيشاد القديمة.
بحلول عام 500 قبل الميلاد:
وجود الفرع الشعائري والفرع المعرفي من التقليد البرهمي جنبا إلى جنب.
অজানা পৃষ্ঠা
مجتمع القرن الخامس قبل الميلاد:
في تناقض صارخ مع معتنقي الدين البرهمي كان المارقون - المتجولون والمتسولون والمتبتلون - يسعون إلى اكتساب المعرفة عن العالم وعن أنفسهم، ورفض المارقون كافة الأعراف البرهمية.
485-405 قبل الميلاد تقريبا:
تمثل هذه الفترة حياة بوذا. تسجل النصوص أن بوذا تحدى الممارسات والتعاليم البرهمية ومزاعمها القائلة بسلطة كهنة البرهمية، وأنه لم يجد بديلا مرضيا بين تعاليم المارقين. واعتمادا على رؤى اكتسبها من خلال تنويره شخصيا، تعلم بوذا طريقة وسطى بين طريقة المعتنقين وطريقة المارقين.
لا نعلم على وجه التحديد كيف أو متى أصبح وجود المارقين واضحا في مجتمع شمال الهند، الذي أخذت تزدهر فيه الرؤية البرهمية للعالم وأصبحت سائدة في الفترة السابقة للقرن الخامس قبل الميلاد. وخلال القرن العشرين، قدمت اكتشافات لحضارة موغلة في القدم كانت موجودة في السابق في وادي السند أدلة ترجح وجود تقليد قديم للغاية للسكان الأصليين للمنطقة ازدهر قبل وصول الآريين بفترة طويلة، وهذا يعني أن المارقين هم على الأرجح ورثة هذا التقليد، وأن منهج وممارسات هؤلاء المارقين على الأرجح لم ينشآ أثناء ازدهار التقليد الآري. وأيا كان المصدر، فإنه من المحتمل أن يكون الأمر متمثلا في أن بعض الأشخاص الذين كانوا يعيشون داخل المجتمع البرهمي سعوا إلى جعل هدف الشعائر القربانية وممارستها هدفا وممارسة باطنية، وأنهم سعوا أيضا إلى تجاوز القيود التي يفرضها تدخل الكهنة في إطار نظام اجتماعي محدد القواعد سلفا. ومن الممكن أيضا أن يكون الاتجاه نفسه إلى جعل القربان باطنيا قد أثاره الاحتكاك بممارسات السكان الأصليين.
شكل : منظر لموقع موهينجو دارو الأثري.
أما ما نعلمه، من مصادر متعددة يؤكد بعضها بعضا، فهو أنه في الوقت الذي كان فيه التقليد البرهمي يتبنى التعاليم الجديدة المدونة في كتابات الأوبانيشاد، كان يوجد عدد كبير من المارقين المتجولين الذين يسعون إلى اكتساب إجابات خاصة بهم لأسئلتهم الدينية الفلسفية. وكانت الأسئلة نفسها متعلقة، من عدة أوجه، بالموضوعات نفسها التي تناولتها النصوص التأملية الفيدية وكتابات الأوبانيشاد. وهذا يعني أن المارقين لم يكونوا يسعون إلى حقيقة مختلفة النوع كليا، بل كانوا فحسب يسعون إلى أجوبة بالاستعانة بوسائلهم الخاصة بدلا من الوسائل التي يعلمها كهنة البرهمية. وكان هدف الجميع تقريبا هو فهم طبيعة العالم وطبيعة الوجود البشري ممثلا في طبيعة الذات.
طبيعة الذات
تشير مصادرنا إلى وجود مجموعة كبيرة من النظريات المتعلقة بطبيعة الذات والعالم، ويختلف التأكيد على أحدهما أو كليهما باختلاف كل وجهة نظر. وتلخص هذه الأسئلة الكثيرة المتعلقة بالذات في النصوص البوذية القديمة على النحو التالي:
هل كنت موجودا في الماضي؟ ألم أكن موجودا في الماضي؟ ماذا كنت في الماضي؟ كيف كنت في الماضي؟ إذا كنت شيئا ما في الماضي، فماذا أصبحت في الماضي؟ هل سأكون موجودا في المستقبل؟ كيف سأكون موجودا في المستقبل؟ إذا كنت شيئا ما في الماضي، فماذا سأصبح في المستقبل؟ هل أنا موجود الآن؟ هل أنا لست موجودا الآن؟ ماذا أكون؟ كيف أكون؟ من أين أتى هذا الكيان؟ إلى أين سيذهب هذا الكيان؟
অজানা পৃষ্ঠা
ويكمل النص فيقدم إجابات مقبولة على هذا النحو:
لي ذات. ليس لي ذات. أنا أدرك ذاتي من خلال ذاتي. أنا أدرك عدم وجود ذاتي من خلال ذاتي. أدرك ذاتي من خلال عدمية ذاتي. ذاتي هذه التي تتحدث وتشعر، والتي تشهد عواقب الأفعال الجيدة والسيئة أحيانا هنا وأحيانا هناك، هذه الذات دائمة ومستقرة وأبدية وغير متغيرة، وهي كما هي دائما . «ماجيما نيكايا»، المجلد 1
لقد كانت الأسئلة التأملية عن الذات والكون متعددة للغاية، لدرجة أن كافة الاحتمالات أصبحت مدرجة في إحدى الصيغ في النصوص البوذية؛ على النحو التالي:
هل الكون أبدي أم لا؟ هل الكون نهائي أم لا؟ هل الذات مختلفة عن الجسد أم لا؟ عند اكتساب التحرر من الميلاد المتكرر، هل يكون المرء موجودا أم غير موجود، أم موجودا وغير موجود، أم ليس موجودا وليس غير موجود؟ «ساميوتا نيكايا»، المجلد 2، (مثال معادة صياغته)
من هذا الدليل وغيره من الأدلة المعممة يمكن استنتاج بعض الأنماط الفكرية المتنوعة، فقد تبنى بعض الأشخاص نظرة مادية للغاية تنادي بالمادية المتأصلة للبشر في عالم نهائي تماما ومحدود زمنيا. وقال البعض إنه على الرغم من احتمالية وجود ذات غير مادية إلى حد ما مرتبطة بالجسم المادي خلال فترة حياة المرء؛ فإن هذه الذات تنتهي للأبد عند الموت. وتطلق المصادر البوذية القديمة على الأشخاص الذين تبنوا هذه النظرة اسم العدميين؛ حيث إن الموت يتضمن «انعدام» الذات. ولم يجد العدميون ولا الماديون المتطرفون أهمية للتعامل الجدي مع فكرة وجود قانون كارمي يحكم البشر، ورغم ذلك فكثير من المارقين، ومن الممكن أن يكون معظمهم، قد درسوا رؤاهم في إطار يفترض أن البشر يشهدون سلسلة من الحيوات. وبعض هؤلاء، بالإضافة إلى كهنة البرهمية المتبعين لكتابات الأوبانيشاد، اعتقدوا أن الذات دائمة وغير متغيرة، وأطلق عليهم البوذيون اسم الأبديين، وكان الآخرون غير أبديين، لكنهم اعتقدوا في استمرارية الذات بشكل أو بآخر. وكل هؤلاء الأشخاص اعتقدوا أن الأفعال لها عواقب في الحيوات المستقبلية، وبالنسبة لهم كانت الفكرة كلها من السعي وراء إجابات لهذه الأسئلة هي اعتقاد أن هذه المعرفة بعينها - معرفة طبيعة الذات وسياقها الوجودي - تؤدي إلى التحرر (موكشا) من الميلاد المتكرر؛ ولهذا السبب كان بحثهم عن الإجابات حتميا، وظل اهتمامهم منصبا على الأسئلة المتعلقة بهذه الموضوعات.
من المهم فهم هذه النقطة؛ لأنها تمثل سمة أساسية للمجتمع الذي نحاول فهمه، ولشرحها على نحو أكثر وضوحا قد يكون من المفيد تناول الصورة من زاوية مختلفة نسبيا. وفي العموم، فإن لدينا مجتمعا يمكن للمرء أن يرى فيه أن الممارسات والاهتمامات المختلفة مرتبطة ارتباطا مباشرا برؤى للعالم مناسبة لكل منها.
فمن ناحية، كان يوجد أتباع التقليد البرهمي القديم المتعلق بالدين القرباني الفيدي، وفيه كان أداء الطقوس يرتبط ارتباطا مباشرا بالحفاظ على كون إن لم يكن تجريبيا تماما، فهو بالتأكيد متعدد وحقيقي. وتركز الاهتمام على دقة القربان؛ نظرا لارتباط الفعل بالنتيجة، وكان هذا التقليد القديم في ذلك الوقت على وشك أن ينازعه مكانته مناهج أخرى ممثلة في تعاليم كتابات الأوبانيشاد واهتمامات المارقين غير الماديين. ورغم ذلك، فقد كان التقليد البرهمي قد أصبح بالفعل حامل لواء التقليدية، وواضع الأعراف الاجتماعية التي ما زالت مستمرة حتى وقتنا هذا. ولم يكن وجود وتأثير ذلك التقليد لينحى جانبا مهما بلغت قوة ادعاء أفضلية المناهج البديلة.
أما الآخرون، مثل الماديين والعدميين، فقد تمسكوا برؤية للعالم استبعدت التركيز على أي شيء بخلاف المكان والزمان الحاليين. واهتم هؤلاء الأشخاص، في المقام الأول، بالدفاع عن وجهات نظرهم ومحاولة تفنيد كل ما رأوا أنه مزاعم وممارسات سخيفة لدى كل من الشعائريين وغير الماديين على حد سواء.
وعلى النقيض، كان يوجد أولئك الذين اعتقدوا أن الحياة عبارة عن دورة ميلاد متكرر تحكمها الكارما، وأن العالم ليس تجريبيا كما يتراءى لنا، أو على الأقل يحمل في ثناياه أكثر من هذا المظهر. وكان اهتمام هؤلاء منصبا على اكتساب المعرفة المتعلقة بالتركيبة الدقيقة للعالم في حقيقة الأمر وموقع البشر داخله. وهذا الاهتمام لم يمكنهم فحسب من قول ادعاءات متعالية تزعم معرفة الحقيقة الماورائية، بل منحهم أيضا واجبا وجوديا لإدراك وسائل تحقيق الخلاص من قيد الميلاد المتكرر. وكانوا يرون أنهم إذا أرادوا الحصول على ذلك الخلاص الذي يمثل أعلى المنح، فإن أهم ما عليهم معرفته أكثر من أي شيء آخر هو طبيعة الذات، وهكذا سيطر هذا المسعى على منهجهم، مستبعدا أي اهتمامات أو موضوعات أخرى.
جوتاما - بوذا
অজানা পৃষ্ঠা
هذه هي البيئة التي ولد فيها، حوالي عام 485 قبل الميلاد، رجل يسمى سيدهارتا جوتاما ، الذي أصبح فيما بعد معروفا باسم بوذا. وتعني كلمة بوذا حرفيا «اليقظ»، وتشير إلى مناسبة تنوير بوذا. وتصف النصوص المقدسة التنوير بأنه اكتساب الرؤية (ثلاث رؤى بالأحرى) التي كانت مهمة بما يكفي لأن تماثل اليقظة بعد النوم. وهذه النقطة تلفت الانتباه إلى الطريق البوذي، الذي يتفق مع تعاليم كهنة البرهمية أتباع كتابات الأوبانيشاد وكثير من المارقين في أنه يمثل الانتقال من الجهل إلى المعرفة. إن الجهل هو العامل الشرطي الأول الذي يدعم استمرار الميلاد المتكرر، الذي تتسم فيه كل حياة بعدم الرضا العميق المرتبط بالطبيعة المؤقتة لكل شيء يمكن للمرء أن يعايشه. أما المعرفة فهي العامل التمكيني الذي يمكن المرء من الوصول إلى إنهاء ذلك الميلاد المتكرر. ونظرا لأن المعلمين الأوائل لتلك التقاليد زعموا أنهم توصلوا لهذه المعرفة، فإن لدينا عددا هائلا من النظريات الميتافيزيقية المختلفة المتعلقة بهذه الفترة.
على الرغم من تداول الكثير من القصص الشعبية المستندة إلى التراث البوذي، الذي تقص أعماله الأدبية السردية سيرة حياة بوذا على نحو مبالغ في المديح، وتروي تعاليمه؛ فإننا لا نملك أية حقائق مؤكدة عن الحياة المبكرة لبوذا، فيما عدا أنه ولد لعائلة تعيش في مدينة كابيلافاتو (الموجودة في نيبال حاليا) ويبدو محتملا أن عائلته كانت ثرية وتتمتع بالنفوذ. وتروي النصوص أنه ترك منزله في أوائل الثلاثينيات من عمره بحثا عن إجابة لأسئلته المتعلقة بالطبيعة الوجودية للمصير البشري، وهذه الأسئلة هي: لماذا الوجود البشري على هذه الحال؟ لماذا يتسم بالمرض والشيخوخة والموت؟ أليس ثمة مفر من حالته تلك؟ هل يمكن للمرء فعل أي شيء حيال ذلك؟ هل يمكن للمرء حقا الهروب من مثل هذا الوجود؟
خريطة 2: المواقع المرتبطة ببوذا.
وسواء أكان لدى بوذا أي معرفة متعلقة بأي من التعاليم المذكورة في النصوص التي أشرنا إليها سابقا قبل مغادرته للمنزل أم لا (ونحن لا نعلم هذا)، فإن النصوص البوذية القديمة تخبرنا أنه بمجرد أن انطلق بوذا في سعيه قابل أشخاصا لديهم وجهات نظر شديدة التنوع. وفي واقع الأمر، تعد هذه النصوص واحدا من أهم مصادر المعلومات، بالإضافة إلى النصوص الجاينية المتعلقة بوجهات النظر المتعددة التي انتشرت في هذا المجتمع. وفي أثناء سعيه الباحث عن أجوبة لتلك الأسئلة المهمة، كان بوذا مهتما على نحو عملي بمقابلة الأشخاص المنطلقين في سعي مشابه، وتعلم ما ظنوا أن له علاقة بالموقف الإنساني وما يمكن أن يفعل حياله. ويبدو أنه أمضى بعض سنوات في الاستماع إلى نظرياتهم والتعلم منها واختبارها، من خلال السير على خطاهم في مختلف أنواع الممارسات التي مارسوها. ولم يشعر بوذا بأن أيا من هذه الممارسات تقدم الأجوبة الشافية التي كان يبحث عنها، وفي النهاية قرر أن يجرب أسلوبه الخاص في محاولة اكتساب الرؤى شديدة العمق التي كان يسعى إليها.
شكل : راهب بوذي يتأمل.
وباستخدام نوع من التأمل الثاقب قام بتعليمه للآخرين فيما بعد، زعم بوذا أنه اكتسب ثلاث معارف مكنته من فهم طبيعة الوجود البشري وسبب كونه على هذه الحال. وزعم أيضا أنه من خلال هذه المعارف الثلاث قد حقق الخلاص من أسر استمرار الوجود البشري، وتتمثل أولى هذه المعارف في أنه تمكن من رؤية حيواته السابقة، وطريقة تأثير كل منها على جودة وظروف الحيوات التالية؛ وهذا يعني أنه تمكن من رؤية تاريخ ميلاده المتكرر. وثانية هذه المعارف هي أنه رأى طريقة ولادة الموجودات الأخرى وطريقة ميلادها ثانية، وهذا أيضا وفقا لنتائج الأفعال التي قامت بها في الحيوات السابقة، وأثرت هذه النتائج بدورها على حيواتها التالية. وعلى هذا النحو فإن قبول بوذا لمبدأ الميلاد المتكرر والكارما وتدريسه كلا منهما لم يكونا قائمين على تبنيه لسمات رؤية العالم التي كانت سائدة آنذاك، بل كان قبول هذين المبدأين وتدريسهما قائمين على تجربته الشخصية. أما ثالثة تلك المعارف التي اكتسبها بوذا فكانت كيف يزيل من هذا الإطار المتصور ذهنيا تلك العوامل التي كان قادرا على أن يرى أنها تربطه بمنتهى القوة بالاستمرارية في هذا العالم؛ وتمثلت تلك العوامل المراد التخلص منها فيما يلي: الرغبات الشهوانية، والرغبة في الوجود المستمر، والجهل بالطبيعة الحقيقية للحقيقة، وتبني «وجهات نظر» متعنتة .
شكل : صورة بوذا وهو يلقي تعاليمه.
تنوير بوذا «بذهن مركز، وصاف، ونقي، وخال من التشتيت، ومرن ومحدد الهدف، وجهت عقلي نحو معرفة كيفية التخلص من «ميول الاستمرارية». تمكنت من رؤية السمة الأساسية للوجود البشري على حقيقتها، وكيف تنشأ، وعرفت أنها من الممكن أن تتوقف، وكيف السبيل إلى إيقافها، وعرفت ميول الاستمرارية على حقيقتها؛ نشأتها، وتوقفها، وكيفية إيقافها. ومن خلال هذه المعرفة وهذه الرؤية حقق عقلي التحرر من الآثار المقيدة لكل هذه الرغبات الشهوانية، ومن الآثار المقيدة للرغبة في استمرار الوجود، ومن الآثار المقيدة للتمسك بالآراء المتعنتة، ومن الآثار المقيدة للجهل. وبعد ذلك عرفت على نحو مؤكد أنني تحررت من الميلاد المتكرر، وأنني مارست ما كان من الضروري ممارسته، وفعلت ما كان من الضروري فعله، وأن حالتي الحالية لن تؤدي إلى استمرارية أخرى.» «فينايا»، المجلد 3 (فقرة معادة الصياغة)
انظر أيضا: «ماجيما نيكايا»، المجلد 1،
و«أنجوتارا نيكايا»، المجلد 2 والمجلد 4
অজানা পৃষ্ঠা
وفقا للنصوص المتاحة (انظر المربع السابق)، قبل أن يصف بوذا المعرفة الثالثة التي اكتسبها لخص ما تمكن من رؤيته في صيغة رباعية على النحو التالي: (1) الوجود البشري في حد ذاته له صفات جوهرية معينة. (2) توجد عوامل محددة تعزز استمراريته. (3) من الممكن إيقاف تلك الاستمرارية. (4) توجد طريقة تؤدي لهذا الإيقاف. إن رؤية وفهم السمات الأساسية لهذا الموقف لأمران ضروريان إذا كان ما يسعى المرء إليه هو التحرر من أسره. وكان هذا الفهم أساسيا إلى حد كبير؛ لدرجة أنه أصبح أول مبدأ فعلي يعلمه للآخرين، ويعرف باسم الحقائق الأربعة النبيلة، ويقال إنه تحدث عن تلك الحقائق في حديقة أيائل في فاراناسي.
الحقائق الأربعة النبيلة
تركيبة الحقائق الأربعة النبيلة بسيطة وواضحة؛ فهي تقول إن «س» هي الحالة القائمة بسبب «ص»، وسوف تتوقف «س» إذا توقفت «ص»، في حين أن «س» متأصلة في الوجود البشري. وما تشير إليه تلك الحقائق بالمصطلحات المفاهيمية ليس من السهل استنتاجه؛ والسبب في ذلك يعود، إلى حد ما، إلى الطبيعة الغامضة لتلك الحقائق، والسبب الآخر يتمثل في أن مصطلح «دوكها»، ذلك المصطلح المأخوذ من اللغة البالية المستخدم في الإشارة إلى السمة المتأصلة في الوجود البشري المحددة في الحقيقة النبيلة الأولى؛ معناه غير واضح إلى حد كبير. لطالما ترجم مصطلح دوكها إلى «معاناة»، أو «ألم»، أو «مرض»، لكن في الوقت الحاضر أدرك قطاع عريض من الناس أن هذه الترجمة تنسب لبوذا على نحو خاطئ رؤية سلبية للغاية عن الوجود البشري، ويسهل دحضها. والترجمة الأفضل هي «عدم الرضا» التي تربط مصطلح دوكها، من الناحية المفاهيمية، بمبدأ بوذا القائل إن كل عوامل عالم الوجود الظاهري غير دائمة. وفي تناقض مباشر مع مزاعم معلمي الأوبانيشاد في عصره، التي قالت إنه على الرغم من التعددية الواضحة في الكون فإنه من الممكن إدراك أن الكون عبارة عن وحدة جوهرية دائمة وغير متغيرة؛ علم بوذا أتباعه أن كل العوامل المدركة غير دائمة. ونظرا لأن تلك العوامل غير دائمة، فإنها غير مرضية في نهاية المطاف (فحتى أفضل التجارب والمواقف لا تدوم) على النقيض من نعيم الخلود المفترض، أو الديمومة المطلقة. ومن هذا المنطلق يفهم أن الحقائق النبيلة الأربعة تصنف عدم الإشباع الناجم عن الزوال بأنه السمة الأساسية للحياة المتكررة. ونظرا لأن المرء لا يقبل بعدم الدوام ويسعى ويرغب دائما في أن تكون الأشياء دائمة - الشباب والصحة والأحباء والممتلكات النفيسة وهكذا - فإن هذا السعي وهذه الرغبة يدعمان استمرار عدم الرضا؛ لأن كل رغبات الإنسان مصيرها خيبة الأمل. وتأكيدا على الحقيقة النبيلة الثانية، توضح البوذية أن آلية عملية الكارما تكمن في رغبات المرء الشهوانية؛ أي تكمن في الحالة الذهنية المتعمدة للمرء.
تعاليم بوذا
الحقائق النبيلة الأربعة
يتسم الوجود البشري بسمة متأصلة هي «دوكها».
تنشأ «دوكها» عن التوق والرغبات الشهوانية (سواء أكانت إيجابية أم سلبية).
من الممكن إيقاف «دوكها»، ويعرف هذا الإيقاف باسم «نيرفانا».
تتحقق «نيرفانا» من خلال اتباع الطريق الثماني النبيل. «ساميوتا نيكايا»، المجلد 4، (مثال معادة صياغته)
تعني كلمة نيرفانا «الإطفاء»، وتشير إلى إيقاف وقود الاستمرارية.
অজানা পৃষ্ঠা