وإنما حينما تخترق سلطتهن الفضاء العمومي والعلاقات الخارجية؛ حينما يتخذن قرارات هامة تتعلق بالجماعة، ومنها أساسا سلطة معيرة/ضبط ومراقبة السلوك الجنسي لدى الرجال. ويقود هذا أيضا إلى سلطة تحديد القيم والأنظمة الرمزية. هكذا ترى نادية أن إنجلز قد فشل وأخطأ في حكمه على مجتمعات ما قبل التاريخ لهذا الاعتبار، غير أن خطأه لا يعني بطلان المنهجية التي استخدمها، والتي نلخصها فيما يلي:
أولا: ربط وضعية النساء بالسياق المادي، الاقتصادي، والاجتماعي، وبالتقسيم الجنسي للعمل، وبمساهمة كل جنس في تغذية القبيلة. ثم؛ وهذا مناسب تماما؛ بعد معرفة أن إعادة الإنتاج البيولوجي والاجتماعي كعامل ورهان هامان بالمقارنة مع الإنتاج المادي. إنه نقاش راهن في الحركة النسوية، وفي مدارس المادية الجدلية، والتي تعيد النظر حاليا في قيمة العمل: الإنتاج وإعادة الإنتاج في الموجة الثالثة للرأسمالية.
وبحسب الدراسات الأنثروبولوجية المعاصرة، يوجد في كل الحضارات المعروفة في التاريخ شهادات مكتوبة حول اضطهاد النساء ابتداء من 1500 سنة قبل الميلاد؛ ولهذا تفحص نادية مرحلة ما قبل التاريخ، والتي تمتد ما بين 35 ألف و6000 سنة قبل الحضارات، والمسماة بالعصر الحجري القديم جدا، حيث لا توجد لدينا أي شهادات مكتوبة.
كيف حدد المؤرخون والأنثروبولوجيون هذه المرحلة؟
تستند نادية على قول ج. ليرنر
G. Lerner : «نربط بين القطع (أدوات، مقابر، فخار، ما تبقى من المباني، هياكل عظمية ...) والأساطير التي وصلتنا شفويا، ونقارنه مع ما نتعلمه من الشعوب البدائية التي لا تزال موجودة اليوم».
ليس لدينا إذن أدلة دامغة، بل نقدم فقط افتراضات، ونحاول بفضل هذه الدراسات العلمية القيام بتغذية المادية التاريخية بوضع نساء ورجال ما قبل التاريخ في سياق جغرافي وبيئي. حيث كانت المجتمعات البشرية الأولى تتشكل من مجموعات صغيرة (عشائر، قبائل ...) غير مهيكلة، بدوية، مع تنظيم محكم للعمل. كانوا يعيشون من جني الثمار وصيد الأسماك والطرائد الصغيرة؛ وهو صيد يشارك فيه الجميع، ويستهلك الجميع كل ما يصطادونه، دون أن يحصل هناك أي فائض.
بدأ أول تقسيم للعمل (احتمالا) مع صيد الطرائد الكبيرة - بالتزامن مع التطور التكنولوجي في إنتاج الأسلحة - الذي يتطلب اللحاق بها مدة طويلة، وأحيانا غيابا غير متوقع، وهو ما يصعب التوفيق بينه وبين الحمل والرضاعة. هذا ناهيك عن أن النساء يتفرغن لإعادة الإنتاج الطبيعي للعشيرة، ومن غير المناسب وضع حياتهن في خطر.
بدأ تقسيم العمل وظيفيا، ولا يرتبط «بالقدرات الفيزيائية»؛ ففي الواقع هناك على سبيل المثال مشاركة الإناث العزباوات اللواتي لا يملكن أطفالا؛ في الصيد. لا تلغي الفروق الجنسية المساهمة المشتركة لكلا الجنسين في الحفاظ على بقاء الجماعة، كما لا تقلل من قيمة جنس لحساب جنس آخر. وأكثر من ذلك، ففي معظم مجتمعات الصيد وجني الثمار، في الحاضر كما في الماضي، لا يمثل الصيد إلا نشاطا مساعدا وعرضيا؛ حيث تساهم النساء ب 60٪ من الغذاء. وللقيام بذلك عليهن أن يتحركن على مساحات كبيرة من الأراضي حاملات أطفالهن. وتتطلب أنشطتهن المتنوعة معرفة عميقة بالوسط، وبالنباتات والمناخ، وبخصائصها الغذائية والطبية: الحفاظ على النار، اختراع الأواني وامتهان الفخار. ناهيك عن كل الأعمال المرتبطة بالطرائد الكبيرة التي يجلبها الرجال في الصيد (الطبخ، الحفاظ على المئونة، الخياطة ...)
هناك شيئان ساهما بشكل أساسي في ضمان بقاء القبيلة: إنتاج الغذاء، وإعادة الإنتاج الطبيعي؛ حيث لعبت النساء دورا قياديا، علاقة غامضة بالحياة وبالموت، لقد وجدن في مختلف الأماكن مجموعة من تماثيل «الأمهات الإله» والتي تشهد على عبادة النساء اللواتي يتمتعن بالقدرة على إعادة الإنتاج، وبالاحترام خشية من سلطة المرأة التي يمكن أن يستوحيها الرجال.
অজানা পৃষ্ঠা