জার্মান দর্শন: একটি খুব সংক্ষিপ্ত পরিচিতি
الفلسفة الألمانية: مقدمة قصيرة جدا
জনগুলি
لا يتخلى نيتشه عن ارتباطه بفكرة ديونيسوس؛ فبوصفه الإله الممزق والمعاد صنعه، ديونيسوس هو رمز الحاجة للهدم من أجل صنع شيء جديد، ولكن بعد «مولد التراجيديا» يبدأ نيتشه بالتشكيك في أهداف وفرضيات الفلسفة نفسها، الأمر الذي يقوده إلى محاولاته للهدم والتجديد. وهو ينتقل مبدئيا في أعمال مثل «إنساني مفرط في إنسانيته» (1878) إلى موقف أكثر اتساقا مع التفاؤل «الوضعي» في القرن التاسع عشر بشأن قدرة العلم على الإجابة عن الأسئلة الميتافيزيقية، وأصبحت مثل هذه التحولات الراديكالية في الموقف أمرا نمطيا؛ حيث نجده في «مولد التراجيديا» يرى العلم كنوع آخر من الخرافة، وهو يحدث أحيانا تلك التحولات داخل النص نفسه. ويطرح عزوف نيتشه عن أن يكون متسقا تساؤلا عما إن كان الاتساق المنطقي هو الفضيلة الفلسفية القصوى، أو إن كان هدف الفلسفة ينبغي أن يكون أثرا «أدائيا»، يؤثر على توجه القارئ في الحياة بطرق ملموسة. وخلال ثمانينيات القرن التاسع عشر، أصبح تشككه أكثر راديكالية، وأخرج أهم أعماله مثل: «العلم الجذل» (نشر عام 1882، ثم في نسخة مزيدة عام 1887) و«ما وراء الخير والشر» (1886) و«أصل الأخلاق وفصلها» (1887) و«المسيح الدجال» (نشر للمرة الأولى عام 1894). ثم يهوي إلى حافة الجنون عام 1889، ويبقى السبب الدقيق لهذا الجنون مثار جدل.
إن استخدام فرضيات الفلسفة الأكاديمية السائدة لتقييم نيتشه يمكن أن يخطئ مقصد ما يقوم به، إلا أنه من الصعب أيضا كما يشاع طرح أسئلة راديكالية عن أهداف الفلسفة التي تمارس على طريقة نيتشه، دون الافتراض مقدما برغبة المرء في معارضته؛ ففي النقاشات الحديثة عن «النظرية» في الإنسانيات - على سبيل المثال - غالبا ما يوصم «أنصار ما بعد الحداثة» المتأثرون بنيتشه بأنهم «ينكرون الحقيقة»، فهم يرون ما يعتقد أنه حق - بما في ذلك نظريات العلوم الطبيعية المؤكدة تماما - على أنه نتاج علاقات القوة في المجتمع. ومن السهل إذن التساؤل عن إن كان من الصواب الزعم بأن علاقات القوة هي التي تحدد ما يعتقد أنه حق. ويتجه أنصار ما بعد الحداثة إلى تقويض أنفسهم أو مناقضتها؛ لأن تأكيداتهم بشأن الحقيقة ستكون وليدة الرغبة في القوة (الأمر الذي لا يبطل بالضرورة تأكيداتهم). ويمكن لهذا الطرح الذي يستوجب افتراض الحقيقة مقدما أثناء فعل التأكيد نفسه أن يبطل المقاربات رديئة الصياغة في قضايا الحق والقوة. لكن، على الرغم من أن نيتشه نفسه يمكن أن يجادل بطريقة مشكوك فيها - عندما أطلق على سبيل المثال مزاعم إيجابية من قبيل أن «الحقيقة هي في الواقع شيء مبهم»، مثل «جيش متحرك من المجازات اللغوية» التي نجدها مفيدة للسيطرة على العالم (وهل هذه الدعوى نفسها هي مجرد مجاز لغوي آخر؟) - فلا يزال من الممكن أن يكون تشككه موحيا.
عندما تفقد السلطة التقليدية شرعيتها، فإن قضية الأيديولوجيا تصبح أمرا لا مفر منه؛ لأنه على الناس محاولة إرساء أشكال جديدة من القوة لإضفاء شرعية على أفعالهم، وهذا يعني أن النزاعات حول الحقيقة والقيمة دائما ما تتصل في السياقات الاجتماعية الملموسة بتلك المحاولات في إضفاء الشرعية، حتى على الرغم من أنه لا يمكن اختزال مضمون المزاعم بشأن الحقيقة والقيمة في محفزات تلك المزاعم. ولعل الادعاء الأكثر تمييزا لنيتشه هو أن التصورات الأخلاقية ما هي إلا تعبيرات عن علاقات القوة المتغيرة في المجتمع، وهو يقترح إمكانية إبطال المحاولات الفلسفية التقليدية لتمييز جوهر الخير والشر، عن طريق إظهار مدى الاختلاف الذي تطبق به المصطلحات في السياقات التاريخية والاجتماعية المختلفة. لكن مزاعمه أنه يدشن ل «إعادة تقييم جميع القيم» عن طريق هذا النهج هي محل شك كبير؛ فالقيم المسيحية التي يسعى لتقويضها تبدو - من وجهة نظر التاريخ اللاحق - أكثر قابلية للدفاع عنها مقارنة بالبدائل التي قدمها.
إن مقاربات نيتشه فيما يخص قضايا الحقيقة والقيمة أحيانا ما تؤدي إلى الشعور بأنه لا شيء أقرب إلى منظور الحقيقة من ممارسة القوة على «الآخر»، سواء كان ذلك الآخر هو الطبيعة أم الآخرون. وبوصفها دعوى فلسفية صريحة، فلا يمكن الدفاع عن هذا الزعم، إلا أن نيتشه - كما رأينا - لا يقدم بالضرورة مجرد دعاوى فلسفية؛ ففي فترات لاحقة، ساعد ميشيل فوكو في إحداث ثورة في تاريخ العلم عندما أظهر - في أبحاث تاريخية مفصلة - أن القضية الرئيسية هي في الأغلب «لماذا» يعتقد الناس في صحة الأفكار، وليس ما يعتقد في صحته بالفعل. وأوضح التاريخ أن الأخير غالبا ما يكون له عمر افتراضي محدود، حتى في العلوم الطبيعية.
إن أبحاث فوكو هي تطور لأحد الاهتمامات الجوهرية لنيتشه، وهي «قيمة» الحقيقة. ويوحي الجانب المتجهم من الوجود الإنساني بسبب أهمية السؤال عن قيمة الحقيقة؛ فعلى سبيل المثال، هل تريد حقا أن تعرف حقيقة ما إذا كان لديك مرض عضال لا يرجى شفاؤه؟ قد يبدو شغف الفلسفة الحديثة بالإبستمولوجيا والرد على المتشككين محل شك؛ لأنه يهمل الطرق التي لا تكون المعرفة فيها دوما الطريقة الأكثر فاعلية للتجاوب مع العالم. لكن ما الجديد على وجه الخصوص بشأن التشكك في القيمة السابقة للحقيقة؟ في التراجيديا اليونانية، يمكن لمعرفة الحقيقة أن تولد الكارثة بالفعل بدلا من تجنبها، ويمكن الاستدلال على ذلك بأوديب. وتشير الأفكار التي تبناها نيتشه في بداياته عن إحياء التراجيديا إلى سبب تبنيه هذا الرأي؛ فهو من البداية كان يناهض الآراء الخلاصية الأفلاطونية والمسيحية تجاه الميتافيزيقا والحقيقة، التي ترى أن المعاناة في هذه الحياة ستحقق مقصدها في السماء، وأن التمثيل الحقيقي للعالم هو الهدف الأقصى للمعرفة.
إن مقاربة نيتشه اللاحقة لهذه القضايا ملخصة ببراعة في جزء من «أفول الأصنام» (المنشور عام 1889)، ولا يفضل أن ننظر لهذا الجزء باعتباره حجة تنتقل من مقدمات إلى نتائج بشأن «العالم الحقيقي»؛ فهو مهم من حيث «صياغته» الأدبية بقدر ما هو مهم في «مضمونه» الفلسفي:
كيف غدا «العالم الحقيقي» خرافة
تاريخ خطأ (1) العالم الحقيقي: الذي يسهل بلوغه على الإنسان الحكيم، الورع، الفاضل، يحيا فيه، إنه هذا العالم. (أقدم شكل للفكرة، أنها فطنة نسبيا، ساذجة، مقنعة نسبيا. تفسير العبارة: «أنا، أفلاطون هو الحقيقة».) (2) العالم الحقيقي: المنيع الآن، لكنه الموعود به الإنسان الحكيم، الورع، الفاضل («المذنب الذي يتوب»). (تطور الفكرة: تترقى، تمسي أكثر استهواء، أكثر انفلاتا؛ تصبح امرأة، تصبح مسيحية ...) (3) العالم الحقيقي: المنيع، الذي لا يمكن إدراكه، ولا إقامة الدليل عليه، ولا الوعد به، لكن الذي يكون مجرد التفكير فيه عزاء، التزاما، أمرا قطعيا. (الشمس القديمة في القعر لكن المخترقة للضباب والشكوكية: الفكرة وقد أضحت رائعة، شفافة، شمالية، كونيجسبرجية.) (4) العالم الحقيقي: منيع، غير مدرك بعد على أية حال. وبما أنه غير مدرك، فهو مجهول، لا يمثل عزاء ولا خلاصا ولا التزاما: فيم سنلزم من طرف شيء نجهله؟! (فجر رمادي، أول تثاؤب للعقل، صيحة ديك الوضعية.) (5) «العالم الحقيقي»: فكرة لم تعد صالحة لأي شيء، لم تعد تدعو لأي شيء؛ فكرة غير نافعة، غير مجدية، إذن فكرة مرفوضة: لنبطلها! (طلع النهار، فطور، عودة الحس السليم والمرح، حمرة خجل تعلو جبين أفلاطون، كل العقول الحرة تحدث ضجيجا فظيعا.) (6) لقد أبطلنا العالم الحقيقي: أي عالم تبقى؟ لعله العالم الظاهر؟! لكن لا! لقد أبطلنا عالم المظاهر مع العالم الحقيقي في الآن ذاته! (الظهيرة، لحظة الظل الأقصر، نهاية أطول خطأ، ذروة البشرية، مستهل زرادشت.) [زرادشت هو الشخصية التي وظفها نيتشه لنقل فكرة «السوبرمان» الذي يتفوق على الميتافيزيقا المسيحية.]
ترجمة حسان بورقية ومحمد الناجي، أفريقيا الشرق، 1996
إن إعطاء تعليق مفصل على تلك الفقرة أمر أشبه قليلا بشرح مزحة؛ إذ يمكن أن يحجب آثار الصياغة بمحاولة شرح المضمون. ويوضح نيتشه الانتقال من وجهة نظر أفلاطون في أن حقيقة العالم تكمن في الأشكال الخالدة للأشياء، وليس في الطريقة التي تظهر بها، إلى الترجمة المسيحية لرؤية أفلاطون إلى فكرة السماء والحياة الآخرة كتعويضات عن نقائص هذه الحياة، إلى وضع كانط للأخلاق في العالم المعقول الخالد، إلى هجمات الوضعيين في القرن التاسع عشر على المزاعم الميتافيزيقية باسم العلم «الوضعي» الذي يمكن التحقق منه، إلى إدراك أن الفلسفة وقفت حجر عثرة في سبيل العيش في الحاضر، إلى نهاية الميتافيزيقا كبحث عن عالم حقيقي واحد. ومع ذلك، فهل من الضروري أو المستحب أن تهجر تماما طرق فهم الحقيقة التي يقوضها نيتشه بسخرية هنا؟ ثمة تفسيران أساسيان لكيفية مقاربة مواقف نيتشه اللاحقة.
অজানা পৃষ্ঠা