وغلب على المأمون حتى لم يتقدمه أحد عنده من الناس جميعًا، وكانت كتب يحيى في الفقه أجل كتب وتركها الناس لطولها، وكان له كتب في الأصول أيضا، وكان من أدهى الناس واخبرهم بالأمور كان إذا رأى فقيهًا سأله عن
الحديث أو محدثًا سأله عن النحو أو نحويًا سأله عن الكلام فيخجله ويقطعه. كان ابن زيدان الكاتب يكتب بين يدي يحيى ابن اكتم وكان غلامًا متناهي الجمال، فقرص القاضي خده فخجل الغلام واستحيا وطرح القلم من يده، فقال له: خذ القلم واكتب فأملاه:
أبا قمرًا خمشته فتغضبا ... وأصبح لي من تيهه متجنبا
إذا كنت للتخميش والعض كارهًا ... فكن أبدًا يا سيدي متنقبا
ولا تظهر الأصداغ للناس فتنة ... وتجعل منها فوق خديك عقربا
فتقتل مسكينًا وتفتن ناسكًا ... وتترك قاضي المسلمين معذبًا
ولما تواتر النقل عن يحيى إلى المأمون في هذا المعنى أراد امتحانه، فأغرى به مملوكًا في غاية الجمال وذهب إلى الخلاء ثم تجسس عليه فسمعه يقول له: لولا انتم لكنا مؤمنين، فدخل المأمون وهو ينشد بيتي ابن حكيمة راشد بن إسحاق الكاتب:
وكنا نرجي أن نرى العدل ظاهرًا ... فأعقبنا بعد الرجاء قنوط
متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها ... وقاضي قضاة المسلمين يلوط
ذكر ذلك كله ابن خلكان في تاريخه، وذكرى الحصري في كتابه الذي سماه زهر الآداب وتحامل عليه في هذا المعنى بما لا يليق ذكره وذكر ولوع الشعراء به، ومما أنشده فيه قول الشاعر:
ياليت يحيى لم تلده اكتمه ... ولا وطت ارض العراق قدمه
ألوط قاضي في الأنام نعلمه ... أي دواة لم يلقها قدمه
وأي حجر لم يلجه أرقمه
توفي سنة ٢٤٢.
محمد بن علي
ابن يوسف بن هود الشيخ الزاهد الكبير بدر الدين أبو علي بن هود
1 / 74