الحافظ عبد الغني
ابن عبد الواحد أبو محمد المقدسي، أنزله الشيخ عبد القادر هو ورفيقه الشيخ موفق الدين بمدرسته وما كان يمكن أحدًا من النزول فيها لما تفرس فيهما من
الخير والصلاح، كان إمام وقته في الحديث رواية ودراية، وصنف الكتب الحسان منها نهاية المراد في كلام خير العباد نحوًا من مائتي جزء. ومحنه كثيرة:
(منها) إنه لما دخل أصفهان وقف على كتاب أبي نعيم الحافظ في معرفة الصحابة، فأخذ عليه في مائة وتسعين موضعًا، فطلبوه من الخجندي ليقتلوه فاختفى وخرج من أصفهان في أزار.
(ومنها) إنه لما عاد إلى أصفهان دخل الموصل فقرأ كتاب الجرح والتعديل للعقيلي وذكر فيه أبا حنيفة وجرحه، فثار عليه أصحاب أبي حنيفة وحبسوه، ولولا البرهان بن البرقي الواعظ خلصه لقتلوه.
(ومنها) لما قدم دمشق من الموصل كان يقرأ الحديث بعد صلاة الجمعة بحلقة الحنابلة ويجتمع الناس إليه وحصل له قبول، فكان سريع الدمعة، فحمده الدماشقة ودخلوا عليه بطريق الناصح الحنبلي فحسنوا له أن يعظ بعد الصلاة تحت النسر، فشوش على الحافظ فصار الحافظ يقعد بعد العصر، فذكر عقيدته على الكرسي فاتفق محيي الدين بن زكي الدين والخطيب الدولعي وجماعة من الدماشقة وصعدوا إلى القلعة وواليها صارم الدين برغش فقالوا: هذا قد أضل الناس ويقول بالتشبيه، فعقدوا له مجلسًا وأحضروه وناظرهم فأخذوا عليه مواضع وارتفعت الأصوات، فقال صارم الدين: كل هؤلاء على ضلالة وأنت على الحق؟ قال: نعم. فأمر الأسارى فنزلوا إلى جامع دمشق فكسروا منبر الحافظ وما كان في حلقة الحنابلة من الدرابزينات ومنعوهم من الصلاة ففاتتهم صلاة الظهر، ثم سافر الحافظ إلى مصر ونزل عند الطحانين وصار يقرأ الحديث، وكان الملك العزيز في الصيد فأفتى فقهاء مصر بإباحة دمه وبعثوا بالفتوى إلى العزيز، فقال: إذا رجعنا أخرجناه، فاتفق إنه وقع عن فرسه واشتغل بنفسه ومات، وجاء الأفضل إلى مصر ولما دخل العادل مصر ومعه وزيره ابن شكر نقل إليه ما نقل إلى
العزيز، فعرف بزهده وفضله فأكرمه عند الدخول إليه وأقام الحافظ في مسجد المصنع يذكر الحديث، فكتب أهل مصر إلى ابن شكر يقولون: قد أفسد عقائد الناس ويذكر التجسيم على رؤوس
1 / 68