فهو مستوجب له، وان اتهم إنه اختلقه أو كانت تلك عادة له أو أظهر استحسانه لذلك أو كان مولعًا بالتحفظ لمثله قتل.
ثم قال: وقد اسقطوا من أحاديث المغازي والسير ما هذا سبيله، وتركوا روايته إلا أشياء يسيرة ذكروها غير مستبشعة ليروا نقمة الله من قائلها وأخذه المفتري عليه بذنبه - انتهى ملخصا.
فخرج من كلامه إن ذكر الأحوال المدخولة حكاية كان أو استشهادًا والإنكار والتعريف والرد وتبيين ما لله في ذلك الفعل من الحكمة في الحكاية.
وإنما قدمت هذه المقدمة لأنا سنذكر تراجم العلماء الذين زوى الله عنهم الدنيا في
مساق الفلاكة، فقد يقول من شم طرفًا من الفقه: إن ذكر العلماء في سياق الفلاكة غض من قدر العلم وتهاون بحرمته. والجواب عن هذا التوهم: أما أولا فما قاله القاضي على ما قررناه في كلامه، على أن ما قاله القاضي عياض ﵀ من التفصيل إنما هو في الله تعالى وملائكته وأنبيائه. وأما ثانيًا فلا نسلم مجيء مثل هذا التفصيل في الحكاية عن العلماء ولو سلم فلا نسلم مجيئه في التراجم، لأن أوصاف الكمال وأوصاف غير الكمال كل واحد منهما يشعر وصفه ونسبته إلى الشخص بانتقال لآخر عنه ورفعه، فلو اقتصر في التراجم على احدهما لكان تلبيسًا وتدليسًا وإغراءًا وحملا على الجهل، وهذا إن لم يعين أو يرجح ذكر الترجمة بطرفيها فلا أقل من أن يقتضي عدم المنع من ذكرها بطرفيها.
وقد يقال: لا حاجة بنا إلى هذا البحث، لأن لفظ الفلاكة والمفلوك مجتنب في هذا الفصل إلا نادرًا، وإنما نذكر فيه تراجم العلماء ناقلين لها من المصنفات المعتمدة من غير إطلاق لفلاكة أو مفلوك على احد، والعهدة في المنقول على المؤرخين، والعذر في أتباعهم في نقله إنه لم يزل العلماء والمؤرخون يذكرون ذلك إملاءً وتصنيفًا شائعًا ذائعًا من غير نكير، فكان إجماعًا من السلف على جوازه. وقد تقدم كلام القاضي في جواز الحكاية على جهة التعريف أو التنفير، وتقدم أيضا ما قلناه على سبيل البحث من أن في ذكره أمنًا من التدليس والتجهيل.
وأما الاعتذار عن إيراد الفلاكة والمفلوك على الندور فهو أنا نقول: الفلاكة وإن أشعرت بتنقيص إلا أنا نذكرها في هذا الفصل معراة عن معنى التنقيص، والكلمات كثيرًا ما تكون حاملة لمعنيين فتعرى من أحدهما مجازًا، وهذا في الكشاف في مواضع: (فمنه) ما ذكر في سورة الأعراف أن واو
1 / 62