لقدرة على تحريكها كل وقت، فبخضوعه وتملقه تظهر سيادتهم وعزهم ويؤمن كبر المفلوك عليهم وتيهه وصلفه بإسعافهم بمراده، وببسط أعذارهم يأمنون حقده فيعاودون الإحسان إليه وإن سلقوه إساءة وأذى، لأن الإساءة طبيعية للبشر للقوة الغضبية، ولما أن في القلب ميلا للأخلاق السبعية، ولأن في النفوس محاكاة في الشر، ولأن دخول الشر تحت القدرة أكثر من دخول الخير كالصداقة والعداوة والبناء والهدم، والمفلوك مظنة للإساءة إليه لوجود المقتضى وانتفاء المانع، فلا بد أن تعمل الطبيعة فيه عملها، ولا دواء لهذا الداء إلا بسط الإعذار. قال أبو الحوائر الواسطي:
دع الناس طرًا واصرف الود عنهم ... إذا كنت في أخلاقهم لا تسامح
فشيئان معدومان في الأرض درهم ... حلال وخلّ في الحقيقة ناصح
وقال بشار بن برد:
إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
وبالمبالغة في الاعتذار إليهم يتجاوز عن تقصيره وقصوره وعجزه اللوازم للفلاكة، لان للأغنياء شوافع من غناهم عن ذنوبهم قد تغنيهم عن الاعتذار بخلاف المفاليك، وبإظهار حبهم ومناصحتهم يجدون فيه روحًا ونفعًا راجعًا إليهم، فيكون إسعافهم له بمراده من لوازم سيادتهم راجع بالآخرة إليهم.
ولكون هذه الأمور أكثر إفضاءًا بالمفاليك إلى مقاصدهم تجد الأسافل ترتفع على الأعالي كثيرًا، لأن نفوس الأدنياء لا تأنف من الخضوع والتملق بخلاف الأعالي، وقلما تخلو دولة من ذلك.
والسبب فيه أن الدولة إذا انقرضت وجاءت دولة أخرى فأصحاب الدولة الأولى يكونون في نهاية سعادتهم، ففيهم شمم وأنفة ومطالبة لصاحب الدولة الجديدة
بحقوق لم يعطوه عليها ثمنًا بل هي مما أوجبها خدمتهم في الدولة الأولى، والوقت سيف والحكم للوقت، ولصاحب الدولة الجديدة نصحاء ومتملقون وان سفلت بهم المرتبة، وسياسة الملك تقتضي تقديم من في تقديمه نظامه وأبهته، لأجرم ترتفع الأسافل على الأعالي كثيرًا.
اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك، يا خالق الأسباب والمسببات والدواعي والبواعث والعزمات لا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وأشهدنا عظيم رحمتك حتى لا نرجو أحدًا سواك، وتجل علينا ببالغ قدرتك حتى
1 / 60