وإن الكمالات الخارجية من المال والجاه خيالات باطلة لا كمال فيها، ويمكن أخذ ذلك والاستدلال عليه بقول عز الدين الحسن ابن محمد الاربلي الضرير الفيلسوف:
كمل حقيقتك التي لم تكتمل ... والجسم دعه في الحضيض الأسفل
أتكمل الفاني وتترك باقيًا ... هملا وأنت بأمره لم تحفل
الجسم للنفس النفيسة آلة ... ما لم تحصله بها لم يحصل
يفنى وتبقى بعده في غبطة ... محمودة أو شقوة لا تنجلي
أعطيت جسمك خادمًا فخدمته ... ونسيت عهدك في الزمان الأول
ملكت رقك مع كمالك ناقصًا ... أتملك المفضول رق الأفضل
وبقول أبي الفتح البستي والغزالي ﵀ كثير اللهج به في كتبه:
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته ... وتطلب الربح مما فيه خسران
عليك بالنفس فاستكمل سعادتها ... فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
وبقول الفارابي محمد بن محمد بن طرخان الفارابي المتوفى سنة ٣٣٦:
أخي خل حيز ذي باطل ... وكن للحقائق في حيز
فما الدار دار مقام لنا ... وما المرء في الأرض بالمعجز
ينافس هذا لهذا على ... أقل من الكلم الموجز
وهل نحن إلا خطوط وقعن ... على نقطة وقسع مستوفز
محيط السموات أولى بنا ... فماذا التنافس في المركز
وإذا كان الكمال الخارجي متلاشيًا في أنظارهم على ما تقرر فيهم محالة لا يعطون له بالا، وهو لعمره لا يتم مع الفكرة في تثميره فكيف مع إهماله وعدم
الاعتناء به وإلقائه وراء الظهر.
(ومنها) أن العلوم خرجت عن كونها حرفًا وصناعة من الصناعات بعد مصيرها من قبل، على ما سيجيء تحقيقه والاستدلال عليه في الفصل السادس بعد هذا الفصل، وإذا كان كذلك فكيف العمل على شريعة منسوخة والوصول بسلوك سبيل قد سد والاستضاءة بمصباح قد طفئ.
(ومنها) أن رواج العلماء إنما هو لعلمهم كما أن رواج أرباب الحرف إنما هو لحرفهم، ولكن
1 / 38