الانتقام تحول ذلك حقدًا وضغنًا كما مر، والحقد يقتضي الانتقام فإن عجز أحب أن يتشفى منه انتقام الزمان له منه، وربما يحيل ذلك على كرامته عند الله، وربما إنه لا منزلة له عند الله حيث لم ينتقم منه. وبالجملة فالفلاكة يلزمها الإغاظة، والإغاظة يلزمها الحقد، والحقد يلزمه إرادة الانتقام، والعجز عن ذلك يلزمه حب زوال تلك النعمة التي بها التفاوت اللازم منه الإغاظة، ولازم لازم الشيء لازم لذلك
الشيء).
(وثانيهما) - إن ينقل على المفلوك أن يترفع عليه غيره، فإذا أصاب مساو له في صفات النفس مالا أو جاهًا وخاف أن يتكبر عليه وهو لا يطيق أن يتكبر عليه ولا تسمح نفسه باحتمال صلفه وتيهه وتفاخره عليه وان يستصغره ويستخدمه وعجز عن زوال الفلاكة عنه واللحوق به في تلك النعمة أحب زوالها عن غيره.
(وثالثها) - ما يحدث في نفوس المفلوكين من دعوى الاستحقاق لتلك النعم، ولذلك قال ابن مقلة:
وإذا رأيت فتى بأعلى رتبة ... في شامخ من عزه المترقع
قالت لي النفس العروف بقدرها ... ما كان أولاني بهذا الموضع
حتى أن من المفلوكين من تنتهي به دعوى الاستحقاق إلى حد يرى أن النعم التي بأيدي الناس استحقاقه ومغصوبة منه، والمالك المستحق طالب لزوال ماله من أيدي الغاصبين لا محالة.
(ومنها) الغيبة والطعن في أعراض الناس والغض منهم، وذلك أن الغضب والحقد والحسد ثلاثها من البواعث العظيمة على الغيبة، إذا امتلأ المفلوك غضبًا وحقدًا وحسدًا وعجز عن الجري على مقتضاها جهارًا ومواجهة التجأ إلى الفكرة والغوص على مساوئ خصومه وإعمال الحيلة في الاطلاع على موراتهم، وضم إليها أكاذيب وتنميقًا ونشرها على وجه الغيبة مرة إرادة الترفع بنفسه بسلامته من تلك النقائص أو لا تصافه بنقائضها الكمالية على سبيل التعريض، كما يقول فلان فاسق أو شرير إرادة سلامته من ذلك، أو فلان جاهل أو ذهنه ركيك وكلامه ضعيف تعريضًا باتصافه بنقائض ذلك، ومرة إرادة صرف الناس عن الاسترسال في تعظيم خصومه وكفهم عن الإفراط في الثناء عليهم ومحبتهم بتوقيفهم على ما يوجب تنقيصهم وصرف القبول عنهم، ومرة بتمهيد عذر نفسه من اتصافه
بالمساوئ والنقائص بمشاركة العظماء له في تلك المساوئ، ومرة على
1 / 16