وجيء بكلوب مضاء فعلق في طرف عمود وغرز في الرمال؛ وجدنا أنفسنا على مبعدة يسيرة من تل كبير، ووزع علينا العشاء وهو تكرار للغداء. كما وزعت علينا الأغطية والحشيات السفري، واقترب المرشد من أحدنا، ونحن نتناول طعامنا، وقال له بخشونة: معك قارورة خمر جرعت منها مرتين، اذهب إلى السيارة.
وصرخ الشباب غاضبا: بيننا جاسوس دنيء.
فصاح به: هات القارورة واذهب إلى السيارة.
فقال بتحد: ليس معي قارورة. - لا تعرض نفسك للتفتيش. - لن أسمح لأحد بتفتيشي. - لن تسمح؟!
ومد نحوه يده؛ فدفعها الشباب بجرأة غريبة، عند ذاك لطمه على وجهه لطمه عنيفة طرحته على الأرض. وفجأة اشتعل غضبنا جميعا، ولم نعد نبالي بالسباق ولا بالتعاليم، وتطايرت أصواتنا الهادرة: أي إهانة؟! .. لا نقبل الإهانة. لكل شيء حدود!
تصفح الرجل وجوهنا بهدوء منذر، ثم قال: هذا تمرد عام، وإني أعلن إلغاء الرحلة، سوف تحاكمون أمام مجلس إدارة الاتحاد، وسأنسحب فورا ودون تردد.
وذهب الرجل إلى السيارة يتبعه رجاله حاملين الكلوب، ولم تمض دقيقة حتى تصاعد هدير السيارة، وتحركت بمن عليها حتى غابت في الظلام تاركة فريقنا بلا مرشد. وقفنا جميعا في دائرة واحدة، ذاهلين من المفاجأة، حائرين أمام وحدتنا الضائعة، ثم تفجر الحوار بيننا: كيف يجرؤ على تركنا في الصحراء بلا مرشد؟ - سنرفع خصومتنا معه إلى اللجنة العليا. - ولكن علينا الآن أن نفكر في موقفنا. - نبقى في مكاننا حتى يطلع الصباح. - بل لا بد من التحرك، فكل دقيقة لها ثمنها. - في أي اتجاه يكون التحرك؟ - توجد ولا شك تخمينات شتى، نقترع عليها ونأخذ بالأغلبية.
وتضاربت الآراء ولم يكد يتفق اثنان على رأي، وبعد مناقشات عنيفة تمخض النقاش عن خمس فرق. ورجعنا إلى الحوار تحت وطأة المسئولية الثقيلة: قد نتوه، فنموت عطشا أو جوعا. - أو نتعرض لوحش أو ثعبان أو قاطع طريق. - لا مفر من المغامرة. - ألا يحسن بنا أن نبقى في مكاننا حتى يعثروا علينا؟ - لا تعلل نفسك بأمان قد تصدق أو لا تصدق. لم يبق لنا إلا الاعتماد على النفس.
ومضت كل فرقة إلى وجهتها، واضعة ثقتها في رأيها، يحدوها الأمل في السلامة، ينبسط أمامها مصير مليء بكافة الاحتمالات في ذلك الليل البهيم، وكأنهم على موعد مع طلوع الشمس.
الجرس يرن
অজানা পৃষ্ঠা