فقال بجدية وبرود: ليست مصحتي مسرحا فكاهيا.
فقلت متراجعا: معنى هذا أني سأبقى هنا إلى الأبد. - إنها محاولة لمعرفة تصورك ليس إلا، وعقب ذلك تذهب بسلام. - ولكن ما علاقة ذلك بمشكلتي أنا؟ - إذا استطعت أن تقدم تصورا لحل مشكلتي مصر والعالم، فلا شك أنك تستطيع ذلك بالنسبة لمشكلتك الخاصة. - لكن مشكلتي من نوع خاص. - ولو، لن تكون أعقد من مشكلات العالم. - أنت تعلم، ولا شك أنني مهدد بالقتل في أي لحظة. - كلنا مهددون بالقتل في أي لحظة!
وسكت مغلوبا على أمري، حتى هم بالذهاب فسألته: هل يشترط أن تكون الإجابة صحيحة؟ - لا أحد يزعم أنه يعرف الإجابة الصحيحة ليقيس عليها، حسبك أن تقدم تصورا معقولا.
وعلى أثر ذهابه جاءتني الممرضة بورقة مسطرة وقلم رصاص، ووضعتهما على الخوان. جذبتني بقوة إلى أنوثتها ونضجها دون أن تتكلف كلمة أو حركة. وانبعثت في آمال عجيبة ملأتني جرأة، وفي الوقت نفسه محت صورتها من قلبي العالق من خطيبتي وجارتي. قلت لها: إني مدين لك بحسن الرعاية.
فقالت بجدية وحياء: إني أؤدي واجبي.
ونظرت إلى خاتم الزواج في يسراها، وتساءلت: سعيدة في زواجك؟
فقالت بدهشة: سؤال غريب! - لا مؤاخذة ولكن لي هدفا. - أي هدف؟ - إذا خطر لك أن تجربي حظك من جديد؛ فإنني على أتم الاستعداد للزواج منك.
فغادرت الحجرة دون أن تنبس بكلمة. وسرت في قشعريرة إحباط وبرودة، وضقت بالحجرة، فخرجت إلى الممشى. بعض النزلاء يجلسون أمام الحجرات أو يتمشون. جاري رجل في الأربعين، حدجني باهتمام فتبادلنا التحية. واقترب مني وسألني عما جاء بي، فلخصت له الموقف في شيء من التحفظ، ثم سألته بدوري عما جاء به، فقال: لعلي الوحيد بينكم الذي جاء بلا مشكلة! - ولكن كيف؟ - أنا رجل ميسور الحال، صاحب مزاج، أحب السرور والرحلات، ولا أحمل للدنيا هما. - عظيم .. عظيم. - لي صديق مشترك بيني وبين الطبيب، هاله أن يجدني بلا مشكلة، وأصر على أن أعيش في المصحة مدة. - جئت؛ لأنك بلا مشكلة! - هذا هو الواقع. - وكيف قبلت؟ - قلت: لتكن تسلية جديدة. - وهل أديت الامتحان؟ - هذه هي مشكلتي الجديدة، فلا علم لي عن أي مشكلة في مصر أو العالم، ولا أقرأ من الصحيفة إلا الإعلانات والوفيات، وأين تذهب هذا المساء. - ما عليك إلا أن تقرأ الصحف، وستمدك بمشكلات لا حصر لها.
فتساءل ضاحكا: وكيف أقدم حلولا لمشكلات لا تهمني ألبتة؟
والحق أنه امتص مني توتري بغرابة مشكلته، وفتح نفسي للرجوع إلى حجرتي لأداء الامتحان المطلوب مني. وعند منتصف الليل آويت إلى فراشي ونمت نوما عميقا. وفي الصباح الباكر جاءتني الممرضة بالإفطار. وجاءت معها برائحة ما إن شممتها حتى ارتعدت أطرافي. ولما لاحظت تغيري سألتني عما ألم بي، فقلت بقلق لم أستطع أن أداريه: هذه الرائحة!
অজানা পৃষ্ঠা