ليس بيني وبينه فيها أحد»
26
وكان مع هذا كثير الاطلاع في غير الحديث؛ فابن حجر في الإصابة يروي لنا أنه كان يقرأ التوراة، وابن سعد في طبقاته يروي لنا عن شريك أنه قال: رأيت عبد الله بن عمرو يقرأ بالسريانية، وقد روى عنه الحديث كثير من الصحابة والتابعين في المدينة والشام ومصر، وقد خرج مع أبيه إلى مصر عندما ولاه إياها معاوية، ولما حضرت الوفاة عمرا استعمل ابنه عبد الله عليها، فأقره معاوية ثم عزله.
وكان يحج ويعتمر ويأتي الشام ثم يرجع إلى مصر، وابتنى فيها دارا فلم يزل بها حتى مات، فدفن في داره في مصر - على أحد الأقوال - في خلافة عبد الملك بن مروان.
ويعد بحق مؤسس المدرسة المصرية، فقد أخذ عنه كثير من أهل مصر، وكانوا يكتبون عنه ما يحدث، روى المقريزي عن حيوة بن شريح قال: «دخلت على حسين بن شفي بن مانع الأصبحي وهو يقول: فعل الله بفلان، فقلت: ما له؟ فقال: عمد إلى كتابين كان شفي سمعهما من عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أحدهما: قضى رسول الله في كذا، وقال رسول الله كذا؛ والآخر ما يكون من الأحداث إلى يوم القيامة، فأخذهما فرمى بهما بين الخولة والرباب»
27 .
وقد اشتهر من مدرسة مصر بعد الصحابة يزيد بن أبي حبيب، وهو نوبي الأصل من دنقلة، وقد أخذ العلم عن بعض الصحابة المقيمين بمصر، قال الكندي: إنه أول من نشر العلم بمصر في الحلال والحرام ومسائل الفقه، وكانوا قبل ذلك إنما يتحدثون في الفتن والترغيب، وكان ثالث ثلاثة جعل عمر بن عبد العزيز الفتيا إليهم بمصر، رجلان من الموالي ورجل من العرب، فأما العربي فجعفر بن ربيعة، وأما الموليان فيزيد بن أبي حبيب وعبد الله بن أبي جعفر، فكأن العرب أنكروا ذلك، فقال عمر بن عبد العزيز: ما ذنبي إن كانت الموالي تسمو بأنفسها صعدا وأنتم لا تسمون
28 ، وقد كان يزيد عالما بالفتن والحروب، وخاصة ما يتعلق بفتح مصر وشئونها وولاتها، وهو أحد الأركان الذين نقل عنهم الكندي كتابه: «ولاة مصر وقضاتها».
وكان من أشهر تلاميذ يزيد هذا عبد الله بن لهيعة، والليث بن سعد، فأما عبد الله فعربي، أصله من حضرموت - وما أكثر الحضارمة كانوا في مصر - وقد قابل كثيرا من التابعين وأخذ عنهم، وكان يدون ما يسمع، وكثير من المحدثين كالبخاري والنسائي لا يثق به، ومن الأسف أن كثيرا من حوادث تاريخ العرب في مصر نقلت عنه، وكان هو العمدة في روايتها، وقد ولي القضاء بمصر نحو تسع سنين.
أما الليث بن سعد فمن الموالي على أصح الأقوال، أصله من أصفهان في فارس، ولكن الراجح أنه ولد في مصر في قلقشندة، وقد طوف في كثير من البلدان لأخذ العلم، فرحل إلى مكة وبيت المقدس وبغداد، ولقي تسعة وخمسين تابعيا حدث عنهم، وكان له اتصال بالإمام مالك في المدينة ، يكاتبه في مسائل في التشريع ويحاجه، ويروون أن الشافعي قال: «الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به»، وكان ذا منزلة رفيعة في قومه، يستشيره الولاة والقضاة في عظائم الأمور، ثقة لم يشك أحد في صدقه وأمانته، وكان له مذهب خاص يعرف به، وقد قلده المصريون واتبعوه، ولكن ضاع مذهبه كما ضاع مذهب الأوزاعي في الشام. •••
অজানা পৃষ্ঠা