وصورة هذا القصص، أن يجلس القاص في مسجد وحوله الناس فيذكرهم بالله ويقص عليهم حكايات وأحاديث وقصصا عن الأمم الأخرى وأساطير ونحو ذلك، لا يعتمد فيها على الصدق بقدر ما يعتمد على الترغيب والترهيب، قال الليث بن سعد: هما قصصان: قصص العامة وقصص الخاصة؛ فأما قصص العامة فهو الذي يجتمع إليه النفر من الناس يعظهم ويذكرهم، فذلك مكروه لمن فعله ولمن استمعه؛ وأما قصص الخاصة فهو الذي جعله معاوية، ولى رجلا على القصص فإذا سلم من صلاة الصبح جلس وذكر الله عز وجل وحمده ومجده وصلى على النبي
صلى الله عليه وسلم ، ودعا للخليفة ولأهل ولايته وحشمه وجنود ودعا على أهل حربه وعلى المشركين كافة
34 .
وقد نما القصص بسرعة؛ لأنه يتفق وميول العامة، وأكثر القصاص من الكذب حتى رووا أن علي بن أبي طالب طردهم من المساجد واستثنى الحسن البصري لتحريه الصدق في قوله.
ويظهر أنه اتخذ أداة سياسية من عهد الفتن بين علي ومعاوية، يستعين بها كل على ترويج حزبه والدعوة له، يدلك على ذلك ما نقلنا عن الليث بن سعد، وما روى ابن لهيعة عن يزيد بن حبيب أن عليا رضي الله عنه قنت فدعا على قوم من أهل حربه، فبلغ ذلك معاوية، فأمر رجلا يقص بعد الصبح، وبعد المغرب يدعو له ولأهل الشام.
وارتفع شأن القصص حتى رأيناه عملا رسميا، يعهد به إلى رجال رسميين يعطون عليه أجرا، فنرى في كتاب القضاة للكندي أن كثيرا من القضاة كانوا يعينون قصاصا أيضا، فيقول: إن أول من قص بمصر سليمان بن عتر التجيبي في سنة 38ه، وجمع له القضاء إلى القصص، ثم عزل عن القضاء وأفرد بالقصص.
ولا تهمنا هذه النواحي الرسمية، إنما يهمنا ما كان منه من صبغة تشبه العلمية، ونرى أن هذا القصص هو الذي أدخل على المسلمين كثيرا من أساطير الأمم الأخرى كاليهودية والنصرانية، كما كان بابا دخل منه على الحديث كذب كثير، وأفسد التاريخ بما تسرب منه من حكاية وقائع وحوادث مزيفة أتعبت الناقد وأضاعت معالم الحق.
ولا بد أن نشير هنا إلى منبعين كبيرين لهؤلاء القصص وأمثالهم، تجد ذكرهما كثيرا في رواية القصص وفي التاريخ وفي الحديث وفي التفسير، هما: وهب بن منبه، وكعب الأحبار.
فأما وهب بن منبه فيمني من أصل فارسي، وكان من أهل الكتاب الذين أسلموا وله أخبار كثيرة وقصص تتعلق بأخبار الأول ومبدأ العالم وقصص الأنبياء، وكان يقول: قرأت من كتب الله اثنين وسبعين كتابا، وقد توفي حول سنة 110ه بصنعاء، وأما كعب الأحبار أو كعب بن مانع فيهودي من اليمن كذلك، ومن أكبر من تسربت منهم أخبار اليهود إلى المسلمين، أسلم في خلافة أبي بكر أو عمر على خلاف في ذلك - وانتقل بعد إسلامه إلى المدينة ثم إلى الشام، وقد أخذ عنه اثنان، هما أكبر من نشر علمه: ابن عباس - وهذا يعلل ما في تفسيره من إسرائيليات - وأبو هريرة، ولم يؤثر عنه أنه ألف كما أثر عن وهب بن منبه، ولكن كل تعاليمه - على ما وصل إلينا - كانت شفوية، وما نقل عنه يدل على علمه الواسع بالثقافة اليهودية وأساطيرها، جاء في الطبقات الكبرى حكاية عن رجل دخل المسجد فإذا عامر بن عبد الله بن عبد القيس جالس إلى كتب وبينها سفر من أسفار التوراة وكعب يقرأ
35 ، وقد لاحظ بعض الباحثين أن بعض الثقات كابن قتيبة والنووي لا يروي عنه أبدا، وابن جرير الطبري يروي عنه قليلا، ولكن غيرهم كالثعلبي والكسائي ينقل عنه كثيرا في قصص الأنبياء كقصة يوسف والوليد بن الريان وأشباه ذلك، ويروي ابن جرير أنه جاء إلى عمر بن الخطاب قبل مقتله بثلاثة أيام وقال له: اعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام، قال: وما يدريك؟ قال: أجده في كتاب الله عز وجل في التوراة، قال عمر: إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟ قال: اللهم لا، ولكن أجد صفتك وحليتك وأنه قد فني أجلك.
অজানা পৃষ্ঠা