ফাহম ফাহম
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
জনগুলি
يحمل نيتشه على كل الأحكام الأخلاقية التي أصدرتها الإنسانية، مبينا في تحليل دقيق الينابيع التي استقت منها هذه الأحكام، كاشفا عن المصادر الحقيقية التي تصدر عنها، فاضحا الأوهام التي وقعت الإنسانية في أحابيلها، وانتهى إلى نظريته المشهورة في التفرقة بين نوعين من الأخلاق: أخلاق السادة، وأخلاق العبيد، أي الأخلاق التي كان مصدرها الممتازين من الإنسانية، والأخلاق التي كان مصدرها رعاعها والطبقات المنحطة فيها،
11
يقول نيتشه إن قيم السادة تقوم على القوة والبطولة والمخاطرة والصراحة والغرو والرقص والرياضة البدنية وكل ما يكشف عن حيوية فياضة حرة مسرورة تحب الحياة وتقبل عليها بثقة وعزة، وتبغض الضعف والاستخذاء والضعة والكذب والتملق والنفاق والمداهنة والمساومة وأنصاف الحلول، لا جرم يثور المسودون والعبيد على هذه القيم ويخلقون قيما معاكسة تقوم على الجزع من الحياة وعدم الثقة بها، وتمجد الضعف والاستخذاء والعجز وتسميه إحسانا وبرا ورحمة، وتلجأ إلى المداورة والنفاق وتسميه تلطفا وكياسة، وتضطر إلى الخضوع فتسميه طاعة، وإلى الذل فتسميه صبرا، وإلى الضعة فتسميها تواضعا.
تعقب نيتشه تاريخ الصراع بين قيم السادة وقيم العبيد، الذي شهد موجات من الجذب والشد انتهت، مع سقوط نابليون، بانتصار قيم العبيد، وخلص نيتشه من بحثه إلى نتائج هامة؛ أولاها: أن العلة في الانحلال الأوروبي الذي غمر عصره، ثم فيما عانته الإنسانية كلها على مر عصورها من اضمحلال، هو انتصار القيم الأخلاقية الصادرة عن العبيد، وسيطرة أخلاقية العبيد وشرعة أحكامها على أخلاقية السادة وشرعة القيم النبيلة الأرستقراطية، ووضع قيم الضعف مكان قيم القوة، وجعل العجز فضيلة ومستلزمات العجز صفات حميدة يحرص على طلبها، وأصحابها هم الأخيار، أما أصحاب قيم القوة فأشرار. وثانيها: أن منبع الأخلاق والأحكام القيمية في الأخلاق ليس آمرا أعلى كما تقول المسيحية، كما أنه ليس العقل الإنساني بما ركب فيه من جوهر يأمر بالخير ويميز بينه وبين الشر، وبما في طبيعته من «آمر مطلق» يدعو إلى فعل «الواجب» دون شرط، ومن غير حاجة إلى استخلاص القوانين الأخلاقية من التجربة، كما يقول الفلاسفة وعلى رأسهم كانت، وإنما هي الطبيعة الإنسانية بما فيها من غرائز، وعلى رأس هذه الغرائز جميعا حب السيطرة وإرادة القوة، وليست هناك أفعال أخلاقية في ذاتها وإنما هناك تأويل للأفعال الإنسانية وتقييم لها، حسب طبيعة من يقوم بالفعل والتقييم، وما تطمح إليه هذه الطبيعة من حب للسيطرة وإرادة القوة، والشيء الذي يقع عليه التقييم في ذاته ليس أخلاقيا، وليس مضادا للأخلاق، وإنما هو على الحياد.
12
وأكبر الأوهام التي يتشبث بها الإنسان هو الاعتقاد بأولوية العقل والتغافل عن الميكانزمات العميقة التي تفلت من حوزة الشعور، إن اللاشعور هو الذي يحدد كل شيء في الإنسان في قوله وفعله، إنه يؤسس «الجهل» في صميم هذا الواقع: الإنسان يقول ويفعل على نحو مغاير لما يظن أنه يقوله أو يفعله! وبإزاحة الشعور عن مركزه و«خلعه» عن «عرشه» تحيل فلسفة نيتشه الفاعلية المستردة إلى إرادة القوة، بحيث إن اللاشعور سيندمج في العلاقة التي تربط الشعور، كواقع تابع، بمسألة إرادة القوة التي تنصب كمبدأ أولي وعلة قصوى، فإرادة القوة كما تبدو كمبدأ اللاشعور وضرورته ومجاوزته كذلك، وبفضل هذه المجاوزة تطابق إرادة القوة حركة الحياة من حيث إنها «الحياة» تنحو نحو العلو فوق ذاتها. إن إرادة القوة هي «الجوهر الأعمق للموجود» من حيث إن كل موجود يسعى إلى مجاوزة ذاته، بذلك تمثل إرادة القوة مصدر التأويل والتقييم بحيث إن كل أحكامنا الأخلاقية تكون محددة ومنظمة من جانبها.
13 (4) فرويد
كانت كشوف فرويد صدمة حقيقية لغرور الإنسان وثقته الزائدة بعقله وتسليمه الساذج بمحتوى وعيه، ذلك أن الشطر الأكبر من سلوك الإنسان وانفعالاته مرده إلى عناصر لا شعورية لا يدري عنها شيئا، «إن جزءا كبيرا من الأمور الهامة يقع من وراء ظهر المرء.» فاللاشعور هو كل حياة النفس التي لا يلعب فيها الشعور إلا دورا ثانويا، لقد تبين أن الوعي الإنساني ليس أهلا للثقة المطلقة واليقين الديكارتي؛ لأنه، في مجموعه، «زائف» و«مشتق» و«مدفوع» و«غافل عن نفسه»، ولا بد من رد محتواه الظاهر إلى أصوله اللاشعورية الباطنة وترجمة معناه السطحي إلى المعنى اللاشعوري الخفي.
إن الوقائع النفسية، سواء السوية منها والمرضية، لا يمكن التسليم بها على علاتها، بل ينبغي النظر إليها كعلامات يؤدي تأويلها إلى دوافع خفية تمثل شروط وجودها، فالمعنى الحقيقي للسلوك المرضي (كالوسواس والقلق والرهاب ... إلخ)، على سبيل المثال، يجب البحث عنه في العالم النفسي اللاشعوري الذي يضيء الظاهر اللامعقول للأعراض المدركة.
ومن هنا فإن مهمة التحليل النفسي تكمن في استحضار «كلام خفي » يبدو أن الذات البشرية تحمله في داخلها، وذلك في ترابط بمسارات نفسية لا شعورية تحدد ردود فعل تفلت من مراقبة الذات، فحقيقة الخطاب الإنساني تتعالى بدون انقطاع على المعنى الذي يدعي الفكر الواعي منحه إياه، والخاصية الأساسية التي تميز هذا الخطاب هي عدم شفافيته بالنسبة لمن يتفوه به، إن المسارات النفسية اللاشعورية تمارس على الأفعال الفردية دفعا وضغطا لا يمكن للإرادة الواعية مقاومتها، وتأكيدا على أهمية اللاشعور يقول فرويد إنه لا يبالي بأي اعتراض على واقعية اللاشعور وحقيقته، فاللاشعور هو واقع لا يمكن إنكاره؛ لأنه يتمخض عن آثار واقعية ملموسة ومدركة كالسلوك الوسواسي (فرويد؛ مدخل إلى التحليل النفسي)، (يذكرنا ذلك بتعريف كارل بوبر للشيء «الواقعي» أو «الحقيقي» بأنه ذلك الشيء الذي يمكنه أن يمارس تأثيرا عليا على أشياء نسلم بواقعيتها «للوهلة الأولى»)
অজানা পৃষ্ঠা