[1.12.2]
وكان فيما حكوا من الكلام الدائر بين ملك الهياطلة وبين فيروز كلام أحببت أن أذكره في هذا الموضع لأدل به على حكمة القوم وحزمهم في الأمور وعلمهم مكايد الحروب قالوا لما التقى الفريقان وتصافوا للقتال أرسل إخشنواز
[1.12.3]
إني قد ظننت أنه لم يدعك إلى مقامك هذا إلا الأنفة مما أصابك ولعمري لئن كنا احتلنا لك بما رأيت لقد كنت التمست منا أعظم منه وما ابتدأناك ببغي ولا ظلم ولا أردنا إلا دفعك عن أنفسنا وحريمنا ولقد كنت جديرا أن تكون من سوء مكافأتنا عليك وعلى من معك ومن نقض العهد والميثاق الذي أكدت على نفسك أعظم أنفا وأشد امتعاضا مما نالك منا فإنا أطلقناكم وأنتم أسارى ومننا عليكم وأنتم مشرفون على الهلكة وحقنا دماءكم وبنا على سفكها قدرة وإنا لم نجبرك على ما شرطت لنا بل كنت الراغب إلينا فيه والمريد لنا عليه.
[1.12.4]
ففكر في ذلك ومثل بين هذين الأمرين فانظر أيهما أشد عارا وأقبح سماعا أن طلب رجل أمرا فلم يتح له وسلك سبيلا فلم يظفر فيها ببغية واستمكن منه عدوه على حال جهد منه وضيقة ممن معه فمن عليهم وأطلقهم على شرط شرطوه وأمر اصطلحوا عليه فاصطبر لمكروه القضاء واستحيا من الغدر والنكث أم أن يقال نقض العهد وختر بالميثاق مع أني قد ظننت أنه يزيدك لجاجة ما تثق به من كثرة جنودك وما تراه من حسن عدتهم وما أجدني أشك في أنهم أو أكثرهم كارهون لما كان من شخوصك بهم عارفون بأنك قد حملتهم على غير الحق ودعوتهم إلى ما يسخط الله فهم في حربنا غير مستبصرين ونياتهم اليوم في مناصحتك مدخولة فانظر ما غناء من يقاتل على هذه الحالة وما عسى أن تبلغ نكايته في عدوه إذا كان عارفا أنه إن ظفر فمع عار وإن قتل فإلى النار. فأنا أذكرك الله الذي جعلته على نفسك كفيلا ونعمتي عليك وعلى من معك بعد يأسكم من الحياة وإشرافكم على الممات وأدعو إلى ما فيه حظك ورشدك من الوفاء بالعهد والاقتداء بآبائك الذين مضوا على ذلك في كل ما أحبوا أو كرهوا فأحمدوا عواقبه وحسن عليهم أثره. ومع ذلك إنك لست على ثقة من الظفر بنا والبلوغ لبغيتك فينا وإنما تلتمس منا أمرا نلتمس منك مثله وتبادىء عدوا لعله يمنح النصر عليك فدونك هذه النصيحة فبالله ما كان أحد من أصحابك ببالغ لك أكثر منها ولا زائد لك عليها ولا يحرمنك منفعتها مخرجها مني فإنه لا يزري بالمنافع عند ذوي الرأي أن تكون من الأعداء كما لا يحبب المضار إليهم أن تكون على أيدي الأولياء.
[1.12.5]
ونحن نستظهر بالله الذي اعتذرنا إليه ووثقنا بما جعلت لنا من عهده إذا استظهرت بكثرة جنودك وازدهتك عدة أصحابك واعلم أنه ليس يدعوني إلى ما تسمع من مقالتي ضعف أحسه من نفسي ولا قلة من جنود ولكني أحببت أن أزداد بك حجة واستظهارا وأزداد به للنصر والمعونة من الله استيجابا ولا أوثر على العافية والسلامة ما وجدت إليهما سبيلا.
[1.12.6]
فأبى فيروز إلا لجاجا وتعلقا بحجته في الحجر الذي قدمه أمامه فقال له إخشنواز لا يغرنك ما تخدع به نفسك من حمل الحجر أمامك فإن الناس لو كانوا يعطون العهود على ما تقدمه من إسرار أمر وإعلان آخر إذا ما كان ينبغي لأحد أن يغتر بأمان ولا يثق بعهد وإذا لما قبل الناس ذلك ولكنه وضع على العلانية وعلى نية من تعقد له العهود والشروط. ثم أخرج إخشنواز الصحيفة التي كتبها إليهم فيروز فرفعها على رمح لينظر إليها أهل عسكر فيروز فتذكروا غدره وبغيه وخرجوا من متابعته وانتقض عسكره واختلفوا وما لبثوا إلا يسيرا حتى انهزموا فقتلوا إلا قليلا وأسروا وقتل فيروز. فقال إخشنواز أن لقد صدق الذي قال لا رد لما قدر ولا أشد إحالة لنافع الرأي من الهوى واللجاج ولا أضيع من نصيحة يمنحها من لا يوطن نفسه على قبولها والصبر على مكروهها ولا أسرع عقوبة وأسوأ عاقبة من البغي والغدر ولا أجلب لعظيم العار والفضوح من إفراط العجز والأنف.
অজানা পৃষ্ঠা