وقد أمر أمته أن يبلغ الشاهد الغائب، وقال: "بلغوا عنى ولو ١ آية"، يعنى: ولو لم يكن مع أحدكم سوى آية واحدة، فليؤدها إلى من وراءه، فبلغوا عنه ما أمرهم به، فأدوا القرآن قرآنا، والسنة سنة، لم يلبسوا هذا بهذا.
ولهذا قال ﵇: "من كتب عنى سوى القرآن ٢ فليمحه"، أى: لئلَّا يختلط بالقرآن، وليس معناه أن لا يحفظوا السنة ويرووها، والله أعلم. فلهذا نعلم بالضرورة أنه لم يبق من القرآن مما أداه الرسول ﷺ إليهم إلا وقد بلغوه إلينا، ولله الحمد والمنة.
فكان الذي فعله الشيخان أبو بكر وعمر -رضى الله عنهما- من أكبر المصالح الدينية وأعظمها، من حفظهما كتاب الله فى الصحف؛ لئلَّا يذهب منه شىء بموت من تلقاه عن رسول الله ﷺ، ثم كانت تلك الصحف عند الصديق أيام حياته، ثم أخذها عمر بعده، فكانت عنده
_________
١ أخرجه البخاري "٦/ ٤٩٦- فتح"، وقد مَرَّ تخريجه.
٢ أخرجه مسلم "٣٠٠٤/ ٧٢"، والنسائي في "الفضائل" "٣٣"، وأحمد "٣/ ١٢، ٢١، ٣٩، ٥٦"، والدارمي "١/ ٩٨"، وابن حبان "٦٤"، والحاكم "١/ ١٢٦-١٢٧"، وآخرون من حديث عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار".
قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين"، وقد وهم في استدراكه على مسلم. والله أعلم.
1 / 64