وهذا هو حال أكثر مشركي العالم، بل كلهم يحبون معبوداتهم ويعظمونها ويوالونها من دون الله، بل إن أكثرهم يحبون آلهتهم أعظم من محبة الله، ويستبشرون بذكرهم أعظم من استبشارهم إذا ذكر الله وحده، ويغضبون لمنتقص معبوديهم وآلهتهم من المشايخ أعظم مما يغضبون إذا انتقص أحد من رب العالمين، وإذا انتهكت حرمة من حرمات آلهتهم ومعبوداتهم غضبوا غضب الليث الحرب، وإذا انتهكت حرمات الله لم يغضبوا لها، بل إذا قام المنتهك لها بإطعامهم شيئا رضوا عنه ولم تتنكر له قلوبهم، بل ترى أحدهم يتخذ من ذكر إلهه ومعبوده من دون الله على لسانه دينا له إن قام وإن قعد وإن عثر وإن مرض وإن استوحش، فذكر إلهه ومعبوده من دون الله هو الغالب على قلبه ولسانه، وهو لا ينكر ذلك، ويزعم أنه من باب حاجته إلى الله، شفيعه عنده، ووسيلته إليه، وهكذا كان عباد الأصنام سواء بسواء، وهذا القدر هو الذي قام بقلوبهم، وتوارثه المشركون من بعدهم بحسب اختلاف آلهتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أما ما كان من جنس المحبة الطبيعية، وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه كمحبة المال والولد ونحوه فهي ليست من هذه الأبوب، وإنما تدخل في نطاق المباحات ما لم تستلزم ترك واجب أو جرأة على معصية.
পৃষ্ঠা ৩৯