ومن ناحية أخرى فإن للمصادفة قانونا رياضيا عقليا لا تنفك عنه ولا يمكن الخروج عليه وهو:» أن حفظ المصادفة من الاعتبار يزداد وينقص بنسبة معكوسة مع عدد الإمكانات المتكافئة المتزاحمة «، فكلما قل عدد الأشياء المتزاحمة ازداد حظ المصادفة من النجاح، وكلما كثر عددها قل حظ المصادفة، ويظل يقل حتى يصبح في حكم العدم أو المستحيل، ولنتأمل هذا المثال:
لو أن مطبعة بها نصف مليون حرف مفرقة في صناديقها، فأصابتها هزة أرضية قلبت صناديق هذه الحروف وبعثرتها وخلطتها، فجاء من يخبرنا بأنه قد تألف من اختلاط الحروف بالمصادفة عشر كلمات متفرقة غير مترابطة المعاني، فإن القضية هنا تبدو معقولة وقابلة للتصديق، ولو قيل لنا إن الكلمات العشر ألفت جملة مفيدة كاملة، فإننا نستبعد ذلك ولكن لا نراه مستحيلا.
أما لو قيل لنا إن حروف المطبعة بكاملها تشكلت وكونت عند اختلاطها بالمصادفة كتابا كاملا من 500 صحيفة يتضمن قصيدة واحدة، تؤلف بمجموعها وحدة كاملة مترابطة، منسجمة بألفاظها وأوزانها، لا شك أننا في هذه الحالة نرى الاستحالة بدهية واضحة، والسبب في رؤية الاستحالة يعود إلى قانون الصدفة نفسه.
هذا مع مراعاة أن حروف المطبعة موجودة ومصفوفة في صناديقها، أما القضية في موضوع الكون فإنها من التعقيد لدرجة لا تستطيع أن تحيط بها عقول البشر كافة، مما يجعل الصدفة مستحيلة التصور في حد ذاتها بلة الوقوع.
পৃষ্ঠা ১৬